في الوقت الذي تكتظ فيه بيوت الله في أرجاء الدنيا بآلاف المصلين، يضج مسجد قيسارية الأموي المحتل منذ نكبة فلسطين عام 1948 بالثمالى من الصهاينة الذين يؤمونه لتناول الطعام واحتساء الخمر، بعدما حوله الاحتلال إلى مطعم وخمارة. ومسجد قيسارية ليس يتيما، فحيثما تجول الزائر في ربوع البلاد يرى مساجد تاريخية مهجورة تسكنها البوم والغربان أو حُولت إلى مخازن وحظائر ومتاجر وكنس، بيد أن حالة مسجد قيسارية الساحلي الجميل صارخة. ويضم المسجد الحجري اليوم خمارة يعرض فيها نحو تسعين نوعا من الخمور للبيع، وقد سيطرت عليه شركة "تطوير قيسارية" بدوافع تجارية، لكنها ليست المسؤولة الوحيدة عن انتهاك حرمته. ويوضح الباحث في الشؤون الصهيونية مهند مصطفى أن وزارة الأديان هناك تشارك في انتهاك حرمة مقدسات المسلمين برفضها ترميمها والاعتراف بها قانونيا كمكان للعبادة. زنقلت الجزيرة نت عن مصطفى قول إن أجهزة القضاء وأوساط الرأي العام والمثقفين اليهود يشاركون بأشكال مختلفة بانتهاك المقدسات، لافتا النظر لترويج وسائل إعلام عبرية للمطعم والخمارة. وبالفعل تنشر بعض الصحف العبرية إعلانات تجارية تشمل صور خمارة فاخرة، تبدو فيها مئذنة المسجد، مع صور لأصحاب المطعم وهم يمسكون بأيديهم كؤوس الخمر. وقيسارية مدينة فلسطينية عريقة تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، بناها الكنعانيون، وكان الرومان قد دعوها "قيصرية" نسبة إلى القيصر الروماني أغسطس، وفتحها معاوية بن أبي سفيان عام 640 للهجرة. وتمنع "شركة تطوير قيسارية" المسلمين من إقامة الصلاة حتى بمحاذاة المكان، وتتعامل معه كصرح تاريخي لا مكان مقدس. لكن المسلمين داخل أراضي 48 لم يسلموا بالأمر الواقع، وهم يواصلون السعي لتحرير المسجد من عمليات التدنيس وفتحه للصلاة مجددا. وكان صوت الأذان ارتفع في المسجد للمرة الأولى منذ نكبة 1948 في السابع من يناير/كانون الثاني عام 1993، بعدما نظمت "مؤسسة الأقصى" صلاة جمعة فيه كان خطيبها رئيس الحركة الإسلامية رائد صلاح. ويستذكر الصحفي سمير أبو الهيجاء المقيم في قرية عين حوض المجاورة أن الشيخ صلاح كرس حينها خطبة الجمعة للحديث عن مئات المساجد والمصليات والمقابر التي "داستها يد التدمير والتدنيس الإسرائيلية بفظاظة نادرة". لكن عودة الروح للمسجد الأموي كانت لمرة واحدة فقط، بعدما سارعت "شركة تطوير قيسارية" لإغلاق المكان في وجه من يطلب الصلاة فيه، وتخضع الزائرين للتفتيش. ورغم الصرخات والاحتجاجات والمكاتبات التي قامت بها "مؤسسة الأقصى" وهيئات تمثيلية لفلسطينيي الداخل، لم يرفع الظلم عن مسجد قيسارية والعشرات من أمثاله داخل أراضي 48.