دعت صحيفة نيويورك تايمز على شبكة الإنترنت خمسة خبراء في شؤون الشرق الأوسط لمناقشة الجهود الدبلوماسية لإنهاء المواجهة الدموية بين إسرائيل والمقاتلين الفلسطينيين المتطرفين في قطاع غزة. وفيما يلي مساهمة ديفيد ماكوفسكي مدير مشروع "عملية السلام في الشرق الأوسط" في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. في الوقت الذي بدأت فيه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون زيارتها إلى الشرق الأوسط الثلاثاء 20 تشرين الثاني/نوفمبر، فبلا شك سوف تكتشف أن اتفاقيات وقف إطلاق النار لا تأتي بشكل أو صورة واحدة فقط. ويبدو من المرجح أن يفضل الطرفان في الوقت الحالي نهجاً يتسم ب "الأقل مقابل الأقل". وبينما تحدث التطورات الأخيرة قبل شهرين فقط من موعد الانتخابات في إسرائيل - التي قد تؤدي إلى إعادة انتخاب بنيامين نتنياهو - فقد يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي عن نجاح إسرائيل في القضاء على قائد عمليات «حماس» أحمد الجعبري فضلاً عن نجاحها في استهداف ما تعرفه إسرائيل عن الصواريخ الطويلة المدى من طراز فجر-5. من جانبها، سوف تعلن «حماس» بأن صواريخها قد وصلت في الحقيقة إلى مدى هو أبعد ما تم تحقيقه في أي وقت مضى، بوصولها إلى كل من تل أبيب والقدس. وأخيراً، وكون الرئيس المصري وسيطاً في أي صفقة، سيتمتع محمد مرسي ببعض الموافقة الحماسية - على المدى القصير - قبل قيامه برحلته المستقبلية الرسمية الأولى إلى واشنطن. وبينما يتساءل الجميع حول اتجاه الحكومة المصرية الجديدة، بإمكان مرسي تعزيز دوره في المفاوضات لوقف إطلاق النار لإقناع الأمريكيين بأنه جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة. وعلى الرغم من المكاسب قصيرة الأجل التي يجلبها اتفاق محدود لوقف إطلاق النار، فإن نهج "الأكثر مقابل الأكثر" في هذا الاتفاق سيكون مخادعاً. وبما أن تلك المفاوضات ستكون حتماً مطولة جداً، فقد يكون من الممكن تحقيقها في "المرحلة الثانية" فقط. ومع ذلك، فبينما أقضي بعض الوقت مع الإسرائيليين والفلسطينيين هذه الأيام خلال هذه الأزمة، فإن تتبعي للأحداث عن قرب قد عزز من اعتقادي بأنه قد تكون هناك فرصة أفضل بأن لا يتم انتهاك اتفاق وقف اطلاق النار إذا كان واسع النطاق. إلا أن ذلك يتطلب قيام كل جانب ببذل المزيد من الجهود. وبالنسبة لمصر، إن "الأكثر" يعني إضعاف احتمال تكرار العنف في غزة في المستقبل. ومن شأن الخطوة الرئيسية في اتفاق كهذا أن تشمل إغلاق شبكة الأنفاق من سيناء إلى قطاع غزة، التي يتم عن طريقها تهريب الصواريخ. إن قيام المصريين باتخاذ إجراءات مستديمة هي ذات أهمية كبيرة لوضع الاتفاق حيز التنفيذ. وطالما لا تتخذ مصر خطوات في هذا الشأن، فمن المرجح أن تعتقد إسرائيل بأن وقف إطلاق النار هو اتفاق مؤقت يجري خلاله ملء المخزونات بأنواع مختلفة من الأسلحة. وتتمتع مصر بنفوذ على «حماس». فقد نجح الرئيس المصري - في الخطوات التي اتخذها - عندما قُتل 16 جندياً مصرياً على أيدي قوات جهادية في شمال سيناء في الصيف الماضي. ففي ذلك الحين طالب مرسي بأن تُغلِق «حماس» شبكة أنفاق التهريب العاملة بين سيناء والقطاع. و ترى الحركة في غزة أن مستقبلها مرتبط ب جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر. وعلاوة على ذلك تتمكن القاهرة من تهيئة اتصالات سياسية عادية مع إسرائيل، بمعزل عن مسار المخابرات القائم حالياً. وهذه هي المرة الأولى منذ توقيع معاهدة السلام الثنائية بين البلدين عام 1979 التي لم تُجرى خلالها على الإطلاق أي اتصالات سياسية على مستوى عال بين مصر وإسرائيل. وفيما يتعلق بدور الحركة في وقف إطلاق النار، فليس هناك شك بأن «حماس» ستطلب من القاهرة فتح معبر رفح بين مصر وقطاع غزة. وتشعر مصر بالقلق إذا قامت بذلك - حيث لا ترغب بمجئ المزيد من الفلسطينيين أو وصول البضائع الفلسطينية إلى مصر. كما تشعر بالقلق من أن يؤدي ذلك إلى حالة من الضبابية من ناحية المسؤوليات إلى درجة قد تنجر معها مصر، بطريقة أو بأخرى، نحو دوامة المشاكل في غزة. بيد، إن فتح معبر فتح سيسمح أيضاً بقيام المزيد من النفوذ المصري على «حماس»، بينما ستخسر الحركة بعض الشيء جراء ذلك. وكجزء من اتفاق أوسع نطاقاً، سوف تطلب إسرائيل معرفة ما اذا كانت «حماس» قد حققت نجاحاً في العمل ضد الجماعات الجهادية التي يمكن أن تؤجج المنطقة كما تشاء من خلال إطلاقها الصواريخ على المدن الإسرائيلية. ومع ذلك، وفي المقابل، قد تكون «حماس» في وضع جيد لانتزاع تنازلات اقتصادية وغيرها من إسرائيل لتخفيف القيود المختلفة المفروضة على غزة. وبالطبع، فحتى اتفاق أوسع نطاقاً لوقف إطلاق النارهو ليس حل دائم لأنه غير موقع من قبل ثلاث دول. وبدون بذل جهود لقيام سلام أوسع بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فهناك حدود لأي اتفاق لوقف إطلاق النار. وإذا أُخذت سوية، فقد يكون نهج الأقل مقابل الأقل أكثر جدوى من الناحية السياسية. ومع ذلك، سوف تجد الولاياتالمتحدة - سواء الآن أو في وقت لاحق - أن اتفاق أوسع نطاقاً لوقف إطلاق النار يكون فيه الأمل على الأقل في تجنب إشعال جولات أخرى من العنف. ---------------------------------------------------- ديفيد ماكوفسكي مدير مشروع "عملية السلام في الشرق الأوسط" في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: الذراع البحثي للوبي المصالح الإسرائيلية بواشنطن.