لماذا لم ينجح مشروع عمرو خالد «صناع الحياة» كما كان مرسوماً له وتحول لمجرد مشروع خيري بسيط؟ ولماذا لم تستطع دورات إعداد القادة في تغيير العالم وإحداث النهضة؟ ولماذا لم تنجح محاضرات التنمية البشرية في أن تجعلنا نخرج العملاق الذي بداخلنا؟ ومؤخرا، بدأ مصطفى حسني برنامجا بعنوان: «عُمّار الأرض»، وربما يصيبه ما أصاب غيره. كل المحاولات السابقة كانت تهدف بالأساس لإعداد الإنسان، وتربيته وإمداده بالأدوات اللازمة للنجاح. لكن هناك فارق حيوي وخطير بين محاولاتنا العربية ومحاولات الغرب تتسبب في نجاحهم وإخفاقنا! الفارق أن المحاولات العربية تجارتها الكلام، فقط كلام .. برنامج لطيف .. ستوديو مبهر .. متحدث لبق .. نظريات .. آيات قرانية .. مواعظ .. حكم .. كلام .. كلام! سيخرج عمرو خالد ليخبرك أن الإيجابية من الإسلام. سيذكر لك الآية القرآنية: «وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كلٌ على مولاه أينما يوجّههُ لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم». ثم سيذكر لك قصة عن إيجابية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قصة عن إيجابية عُمر رضي الله عنه، ثم قصة عن إيجابية توماس أديسون الذي ندين له بالفضل لأنه اخترع المصباح الكهربائي. سيذكر كل هذا بأسلوب خلاب يثير عاطفتك..! ستتحمس كما لم تتحمس من قبل..! ستنتهي الحلقة ثم ستبقى وحيداً في واقعك القاسي. وستسأل عندها .. كيف أكون إيجابياً؟! ولن تعرف! ستجد نفسك تشارك في مشروع لزراعة أسطح المنازل .. لكنك طالب في كلية الطب وتريد أن تكون عالماً كبيراً .. لا يهم الآن .. المهم أن تكون إيجابياً .. ستشارك في شنطة رمضان .. لكنك طالب في كلية الهندسة تحلم أن تجعل السيارات تتحرك بالكهرباء .. لا يهم الآن ... المهم أن تكون إيجابياً..! ثم، ستقرر بعد فترة أن: كفى .. سأكون إيجابيا في الطب .. في الهندسة .. في مجالي الذي أحبه .. سأكون إيجابياً كما كان النبي (ص)، وعمر (رض)، وأديسون. لكن الواقع أقسى منك .. وهناك منظومة هائلة من البيروقراطية تقسم أنها لن تتزحزح من مكانها .. وهناك ثورة بائسة مازالت تحتاج لوقت حتى تبتسم. ستقابل أستاذ جامعتك المسيطر المهيمن الذي لا يهتم إن تعلمت أم لم تتعلم. ستقابل عميد الكلية الذي سيتحمس لفكرتك ثم يتخلى عنك .. أو يخبرك أن الوقت غير مناسب. سينصحك ربما بالانضمام للجمعية العلمية التي يتنافس أعضاؤها على فرصة للتبادل الطلابي. ستعود وقتها لعمرو خالد، ستسمعه من جديد .. ستجده الآن يتحدث عن الإتقان .. وأن الإتقان من صفات المسلم، وسيذكر الحديث الشريف: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته». ثم سيحكي لك قصة عن إتقان النبي (ص)، وقصة أخرى عن إتقان عمر (رض)، وقصة عن إتقان توماس أديسون الذي حاول 99 مرة أو 999 مرة أو أكثر قبل أن يتمكن من اختراع المصباح الكهربي. وستعود من جديد .. وحدك .. وحدك! قس هذا على كل البرامج الإصلاحية، قسه على محاضرات التنمية البشرية، على دورات إعداد القادة. ستتعلم التفكير الإبداعي، والذكاء العاطفي، وصفات القائد، ستسمع كلاماً سيملأ قلبك بالحماس ... بالأمل. ثم، تكتشف أنك وحدك، في واقعك القاسي، وأن بضاعتك: مجرد كلام..! الفارق الحيوي والخطير بيننا وبين الغرب، أنهم يقفون بجوارك حتى تتقن مهارة .. حتى يصبح في يديك أداة .. سيقفون بجوار ذلك الشاب الذي يريد أن يصبح عالماً كبيراً في الطب .. وبجوار المهندس الذي يريد أن يحرك السيارات بالكهرباء .. فيحصلان على منح دراسية في أكبر الجامعات ... سيشربون العلم ... سيحصلون على فرصة للعمل في كبرى الشركات ... لن نتركك وحدك لتواجه الواقع ... سنسلحك بأدوات تعينك على الوصول ... وأدواتنا ليست كلاماً مرسلاً .. ليست آيات قرآنية وقصص تثير الحماس .. سنحكي لك هذا لكنه ليس كل شيء .. بل ستتعلم فعلاً ... سنوفر لك مناخاً لا مثيل له. في الغرب .. إن أردت أن تصبح مخرجاً فهناك ألف مكان يمكنه أن يصنع منك محترفاً ... وإن أردت أن تصبح مهندساً فهناك ألف مكان يمكنه أن يجعل منك خبيراً ... المشروعات الإصلاحية هناك هي معاهد ومؤسسات علمية تستقبل كل من يريد أن يكون شيئاً وتعلمه .. بينما المشروعات الإصلاحية هنا هي دروس وخطب ومواعظ ومحاضرات .. كلام في كلام. يوماً ما، ستسافر .. ستنحت في الصخر .. ستبحث عن العلم وستجد جامعة أو مؤسسة .. هناك تتبناك .. تعلمك .. ثم ستعود لوطنك عالماً .. ستفخر الجامعة المصرية أنك أحد أبنائها .. وسيضرب الداعية ومدرب التنمية البشرية بك مثالا للإيجابية والإتقان .. والحقيقة أنك ما سافرت إلا بعد أن أدركت أن بضاعتهم كلام .. مجرد كلام!