«الوطنية للانتخابات»: تلقينا طلبات من 18 سفارة و9 منظمات دولية و58 منظمة لمتابعة انتخابات «الشيوخ»    رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات: 424 مرشحًا فرديًا و200 بنظام القوائم ل انتخابات مجلس الشيوخ    أحمد موسى: كلمة الرئيس السيسي حول غزة ارتجالية ونابعة من القلب (فيديو)    وزير الخارجية ونظيره الباكستاني يبحثان تطورات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة    تحت شعار: «صحة كبد.. لمستقبل أكثر إشراقًا».. مصر تحتفل باليوم العالمي لالتهاب الكبد    رفقة العراق والبحرين .. منتخب مصر في المجموعة الثانية بكأس الخليج للشباب    «المصري اليوم» داخل قطار العودة إلى السودان.. مشرفو الرحلة: «لا رجوع قبل أن نُسلّم أهلنا إلى حضن الوطن»    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    أزهري: الابتلاء أول علامات محبة الله لعبده    أمينة الفتوى: ملامسة العورة عند التعامل مع الأطفال أو أثناء غسل الميت تنقض الوضوء (فيديو)    رئيس الوزراء يستعرض خطوات إنشاء وحدة مركزية لحصر ومتابعة وتنظيم الشركات المملوكة للدولة    وزارة الصحة: حصول مصر على التصنيف الذهبي للقضاء على فيروس سي نجاح ل100 مليون صحة    ديفيز: سعيد بالعودة للأهلي.. وهذه رسالتي للجماهير    5 شركات تركية تدرس إنشاء مصانع للصناعات الهندسية والأجهزة المنزلية في مصر    عاجل.. أحكام رادعة علي 37 متهم بقضية الجوكر.. تعرف عليها    محافظ القاهرة يكرم 30 طالبا وطالبة من أوائل الثانوية العامة والمكفوفين والدبلومات الفنية    اسم مصري ولهجة عراقي.. شمس تكشف تفاصيل "طز" بعد تصدرها التريند    وفاة شقيق المخرج خالد جلال.. والجنازة بمسجد الشرطة بالشيخ زايد ظهر غد الثلاثاء    هيئة فلسطينية: كلمة الرئيس السيسي واضحة ومصر دورها محورى منذ بدء الحرب    تنفيذي الشرقية يكرم أبطال حرب أكتوبر والمتبرعين للصالح العام    نموذج تجريبي لمواجهة أزمة كثافة الفصول استعدادًا للعام الدراسي الجديد في المنوفية    رئيس الوزراء يتابع استعدادات إطلاق السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    هل ظهور المرأة بدون حجاب أمام رجل غريب ينقض وضوءها؟.. أمينة الفتوى توضح    كم سنويا؟.. طريقة حساب عائد مبلغ 200 ألف جنيه من شهادة ادخار البنك الأهلي    عبد الحميد معالي: شرف لي اللعب للزمالك وسأبذل كل جهدي لحصد البطولات    الحر الشديد خطر صامت.. كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على القلب والدماغ؟    ختام فعاليات قافلة جامعة المنصورة الشاملة "جسور الخير (22)" اليوم بشمال سيناء    وثيقة لتجديد الخطاب الديني.. تفاصيل اجتماع السيسي مع مدبولي والأزهري    محافظ أسوان يكرم "إبتسام" خامس الجمهورية في الثانوية الأزهرية (صور)    مصرع شخص صدمته سيارة تقودها طفلة في إمبابة    إزالة 70 طن قمامة ومخلفات ب7 قرى بمركز سوهاج    طريقة عمل التورتة بمكونات بسيطة في البيت    مران خفيف للاعبي المصري غير المشاركين أمام الترجي.. وتأهيل واستشفاء للمجموعة الأساسية    عمار محمد يتوج بذهبية الكونغ فو فى دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    نائب رئيس حزب المؤتمر: كلمة الرئيس السيسي بشأن تطورات الأوضاع في غزة تجسد الدور المصري الأصيل تجاه فلسطين    قرارات هامة من الأعلى للإعلام ل 3 مواقع إخبارية بشأن مخالفة الضوابط    السيسي: قطاع غزة يحتاج من 600 إلى 700 شاحنة مساعدات في الإيام العادية    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم فردوس عبد الحميد بدورته ال 41    متحدث نقابة الموسيقيين يعلن موعد انتخابات التجديد النصفي    "ريبيرو مقتنع بيهم ولكن".. شوبير يكشف نهاية مشوار ثلاثي الأهلي    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    حملات الدائري الإقليمي تضبط 18 سائقا متعاطيا للمخدرات و1000 مخالفة مرورية    "13 سنة وانضم لهم فريق تاني".. الغندور يثير الجدل حول مباريات الأهلي في الإسماعيلية    بالرقم القومي.. نتيجة مسابقة معلم مساعد "علوم"    على خلفية وقف راغب علامة.. حفظ شكوى "المهن الموسيقية" ضد 4 إعلاميين    الشرطة التايلاندية: 4 قتلى في إطلاق نار عشوائي بالعاصمة بانكوك    إسرائيل تقرر تجميد خطة "المدينة الإنسانية" في رفح    كريم رمزي: فيريرا استقر على هذا الثلاثي في تشكيل الزمالك بالموسم الجديد    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    المجلس الوزاري الأمني للحكومة الألمانية ينعقد اليوم لبحث التطورات المتعلقة بإسرائيل    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي لأكثر من مليون فرد منذ بداية الحرب    مفوض حقوق الإنسان يدعو لاتخاذ خطوات فورية لإنهاء الاحتلال من أراضى فلسطين    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    بداية فوضى أم عرض لأزمة أعمق؟ .. لماذا لم يقيل السيسي محافظ الجيزة ورؤساء الأحياء كما فعل مع قيادات الداخلية ؟    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    الداخلية تكشف ملابسات وفاة متهم محبوس بقرار نيابة على ذمة قضية مخدرات ببلقاس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مسألة زواج الصغيرات ... استدعاء الفقه الإسلامي منهجياً
نشر في التغيير يوم 13 - 11 - 2012

من الواضح بشكل مفجع أن هناك مشكلة كبيرة وحالة من الارتباك العام لدي الأجيال الجديدة من الشباب في مسألة كيفية تصور الإطار المعرفى والمرجعى للفقه الإسلامى وكيفية ومنهاجية ومعيارية النظر إلى المسائل الفقهية من منظور جديد ومتجدد – وليس من خلال منظور استاتيكى يقف على الفقه التقليدى القديم والموروث وينقده أو يدينه دون أن يفهم ويحلل ويدرس من أين جاءت هذه التصورات وهذه المفاهيم.
ومثال ذلك في المسألة المتعلقة بتزويج الطفلة وبالاجتهاد حول الآية الكريمة من سورة الطلاق "... واللائى لم يحِضن" لدي بعض مشايخ الحركة السلفية المحدثين والذي جاء بطريقة تجعل الناس تفهم منها أن الفقه الإسلامي ليس يمانع في زواج الصغيرات نقول بأننا نحتاج أولاً أن نفهم أن الاسلام عندما جاء كرسالة خاتمة كانت هناك أكثر من صورة للزواج لدى العرب فى الجاهلية (وربما فى باقى المجتمعات أيضاً). هذه الصور عدَّدها الحديث الشريف المشهور فى هذا الباب. وقد أبطلها الإسلام كلها ولم يستبق منها سوى الزواج الشرعى المتعارف عليه بين الرجل والمرأة – وأسقط الإسلام كل أنماط الزواج الأخرى. ولذا أصبحنا فى هذا الإطار لسنا نستغرب من حقيقة أنه فى مرحلة تنزيل القرآن الكريم على النبى (صلى الله عليه وسلم) كانت هناك أنماط عديدة من الزواج موجودة لدى العرب منها الزواج بطفلات لم يحضن بعد. وقد يحدث هذا الزواج ويستمر في بداية عهد العرب بالإسلام لأسباب قد تختلف... لكنها جميعاً لا تبرر ولا تُشرعن (لا تعطي الشرعية) لذلك الزواج. إذ جاء الإسلام ليعالج هذه المسألة ويقرر طريقه فى وضع تشريع لها... هو تشريع يؤدى إلى المساعدة على إبطال الظاهرة وليس استمرارها.
جاء الإسلام بالتالى ليقرر تشريعاً للتى لم تحِض (سواءً لكونها صغيرة السن أو بسبب مرض أو نقص فى النمو أو أى شيء آخر) بما يجعل عدة طلاقها ثلاثة شهور... ومن جهة أخرى لا يُعتبر ذلك إقراراً من الإسلام بوجوب أو صحة أو سلامة هذا الوضع وهذا الزواج من الطفلة... بل الإسلام يقرر هنا – فقط – وجود هذه الحالة ويقرر تشريعاً مناسباً لها. ومع ذلك لابد أن نؤكد أن باقى الأحاديث النبوية وباقى فقه الزواج والطلاق أو فقه النكاح فى كل كتب الفقه يبنى الزواج على أساس الرضا من الزوجة – سواء البكر الرشيدة أو الثيب – وإذنها صمتها. وبهذا المعنى فإن هذه المرأة هى إنسانة رشيدة وراشدة ومُكلَّفة – بالمعنى الجسدى والعقلى – وهى مُختارة وذات عقل وذات إرادة للقبول أو الرفض – وإنها بالتالى ليست قاصراً أو طفلة أو غير ذات رشادة وأهليّة. وبهذا المعني فإنها وفق معيارنا المعاصر لن تكون علي أقل تقدير دون الثامنة عشرة من العمر.
وبنفس الطريقة لا يمكن أن نتصور أن الإسلام مثلا يقر "البغاء" أو يسمح بأن تشتغل المرأة ببيع جسدها وأن يكون ذلك مهنةً لها – سواء بيع الممارسة الكاملة أو حتى بيع العرض للمشاهدة والاستمتاع فى أشكال البورنو العديدة المعاصرة! ولكن قد يحاول شخص ما أن يشتق مثل هذا التصور الخاطئ والسيئ من الآية الكريمة "ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصّناً" (سورة النور 33) ويدّعي أن هذه الآية الكريمة تعني أن الإسلام يقر مهنة البغاء!! في حين أن هذه الآية الواردة هنا – وفى محيط وسياق تنزيلها – تقر بأن البغاء كان موجوداً فى الجاهلية وفى عصر صدر الإسلام... وكان هناك إكراه للفتيات من الإماء على ممارسة البغاء كنشاط يدرّ دخلاً على مالكى رقابهم. وهو ما يعنى أن شراء فتاة صغيرة من الإماء واستخدامها كسلعة تجارية فى البغاء كان موجوداً فى ذلك الزمان ... تقول المراجع الفقهية أن "أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة أرسلها تزني وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت... فلمّا جاء الإسلام نهى الله المؤمنين عن ذلك. وكان سبب نزول هذه الاية الكريمة فيما ذكر غير واحد من المفسرين من السلف والخلف في شأن عبد الله بن أُبيّ ابن سلول (رأس النفاق في المدينة) فإنه كان له إماء فكان يكرههن على البغاء طلباً لخراجهن ورغبة في أولادهن ورياسة منه". وقال الأعمش عن أبي سفيان عن جابر في هذه الاية: نزلت في أمة لعبد الله بن أبي ابن سلول يقال لها مسيكة كان يُكرهها على الفجور. وكانت لا بأس بها فتأبى (ممارسة هذا البغاء وترفضه)... فأنزل الله هذه الاية {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم}.
وتفصيل الرواية يقول: وقد كان في المدينة إماء بغايا، منهن ست إماء لعبد الله بن أُبيّ بن سلول، وهن: معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة، وكان يكرههن على البغاء بعد الإسلام. قال ابن العربي: جاء عن مالك عن الزهري: أن رجلا من أسرى قريش في يوم بدر قد جُعل عند عبد الله بن أبيّ بن سلول. وكان هذا الأسير يريد معاذة على نفسها، وكانت تمتنع منه لأنها أسلمت. وكان عبد الله بن أبي يضربها على امتناعها منه رجاء أن تحمل منه (أي من الأسير القرشي) فيطلب فداء ولده، أي فداء رقّه من ابن أُبي. ولعل هذا الأسير كان موسراً له مال بمكة... وكان الزاني بالأمَة يفتدي ولده بمائة من الإبل يدفعها لسيد الأمَة. وأنها (معاذة) شكته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية. وقالوا: إن عبدالله بن أبي كان قد أعد معاذة لإكرام ضيوفه. فإذا نزل عليه ضيف أرسلها إليه ليواقعها إرادة الكرامة له. فأقبلت معاذة إلى أبي بكر - رضي الله عنه - فشكت ذلك إليه. فذكر أبو بكر - رضي الله عنه - ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم) فأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) أبا بكر بقبضها. فصاح عبدالله بن أُبي: "من يعذرنا من محمد، يغلبنا على مماليكنا"؛ فأنزل الله هذه الآية، وذلك قبل أن يتظاهر عبدالله بن أُبيّ بالإسلام.
ومن ثم فقد جاء الإسلام ليأمر ويقرر عدم إكراه هاتيك الفتيات على البغاء إذا أردن تحصناً لكى تسقط هذه التجارة وينتهى هذا الامتهان الرخيص للمرأة (راجع تفسير سيد قطب لهذه الآية فى ظلال القرآن - تفسير سورة النور). وفى نهاية المسار منع الإسلام البغاء والزنى تماماً وقرر التشريعات المشدّدة التى تردع من يقوم بذلك وتحمى المجتمع – وتحمى المرأة بالأساس – من السقوط فى ذلك الوحل القمئ.
كيف لنا أن نقارن هذا بالمجتمعات المعاصرة الحديثة – فى الغرب تحديداً – التى تعتبر البغاء مهنة!! وأن العاملة بالبغاء مجرد "عاملة جنس" Sex Worker فهي جزء من القوى العاملة!! (راجع تحليلات الدكتور عبد الوهاب المسيرى فى هذه المسألة). إنهم في ذلك لا يختلفون كثيراً عن عبد الله بن أُبيّ بن سلول. بل وتعترف الأنثروبولوجيا الغربية بالبغاء باعتباره "أقدم مهنة فى التاريخ" (وكأن بها كل هذه الأصالة والعراقة!). مثل هذه المجتمعات التى تصدر عن تصورات معرفية علمانية أو جهلانية (أو جاهلية) لا تحاول أن تضع إطاراً أخلاقيا للممارسة الجنسية .. هى بالطبع تدعو للحرية الجنسية بينما تمنع تعدد الزوجات لا تعدد الخليلات ... وهى تعطى الحقوق والشرعية لزوجة واحدة ثم تمنعها عن الخليلات والصديقات الأخريات وكذا الفتيات اللاتى يمارس الرجل الجنس معهن بصورة عرضية غير منتظمة فى علاقات طارئة Casual Relationships / Casual Affairs وربما تكون غالبيتهن من الفئات والطبقات الفقيرة التى تريد ربما رضا صاحب العمل عنها أو بعض الزيادة فى الأجر مقابل تقديم هذه العلاقات أو الخدمات الجنسية له.
هذا الوضع التمييزي بين الزوجة الشرعية والخليلة (التى هى بمثابة زوجة ثانية لكنها غير شرعية لعدم وجود عقد زواج لها) هو بالضبط حالة الرئيس الفرنسى السابق فرانسوا ميتران، وكيف انكشف النقاب بعد وفاته عن زوجته (خليلته) غير الشرعية وابنتهما من هذه العلاقة (الفتاة اسمها مازارين بنجو لأنها تنتمى فى اسم العائلة لوالدتها وليس والدها) وقد كتبت مازارين بنجو كتابها الشهير "فم مغلق" عن حياتها وحياة والدتها ووالدها... روت فيها تفاصيل حياة الظل التي عاشتها طوال عشرين سنة، مع مرافقين وسائقين ومساعدين لأب تلتقيه في منازل ريفية، بعيداً عن الأعين، خلال عطلات نهاية الأسبوع. وقد ظل وجود ابنة غير شرعية للرئيس سرا من أسرار "الجمهورية الفرنسية" لحين ظهورها إلى العلن عام 1994 بعد نشر صور لها مع ميتران على غلاف مجلة «باري ماتش» الباريسية.
لذلك نقول بملء الفهم أن الإسلام ليس يقر أبداً بالمرة زواج الطفلة... بل يضع الإسلام فى كل كتب الفقه المعتمدة شروطاً واضحة للزواج أهمها رشادة وقبول الزوجة. بل إنه يفرض أن يكون للزوجة من يحميها – من زوجها ومن المجتمع – ضد الاعتداء علي حقوقها وصوناً لها من باب "لا زواج بغير وليّ"... فهذا الولي مستأمن علي حقوق المرأة دون أن يكون وصياً عليها أو ذا شرعية إكراهية عليها.
أما فكرة "زواج الطفلة" التي لم تحِض فهي مجرد "ظرف تاريخي" كان موجوداً مثله مثل بغاء الإماء... ثم جاء الإسلام ليمحوه ويبطله تماماً لكي يُخرج الناس من هذه الجاهلية إلي المدنية الحقّة.
لكن علينا أن نقر أن سقوط الأمة المسلمة في المُلك العضوض منذ سقوط الخلافة الراشدة وتولي بني أمية جعل هذه الأمة تسقط في أشياء كثيرة تقترب من الجاهلية الأولي في صورتها ومعناها. ولم يستطع الفقه الإسلامي – إلا فيما ندر – أن يواجه هذه الأوضاع أو يصوِّبها... بل اتجه في كثير من الأحيان إلي الإقرار بها ومحاولة شرعنتها. إن حدوث المخالفة – بل وشيوعها – لا يعني أنها صارت حلالاً أو أن الفقه يقرها. ومن قبيل ذلك اتخاذ الغلمان أداة للتسرية. بعض الكبراء في العصور الإسلامية، بداية من الخلفاء إلي الأعيان والوجهاء، لم يجدوا غضاضة في اتخاذ الغلمان أداة للتسري رغم أنها ممارسة محظورة تماماً في الإسلام وتستوجب أقصى العقوبة. بل لقد توسّع هؤلاء في عصور الرخاء والدعة في التسري واتخاذ الأخدان والنُدمان (الأصحاب في مجلس شرب الخمر) بصورة تشابه تماماً المشركين من العرب في جاهليتهم. حدوث ذلك من مسلمين لا يعني أن الإسلام يقبل به أو يقرّه أو يشرعنه ويعطيه المشروعية. إن الإسلام منذ بداية الوحي إلي حين اكتمال الرسالة في حجة الوداع قد وضع إطاراً ممنهجاً ودقيقاً وصارماً يؤدي في النهاية إلي إلغاء العبودية تماماً وكافة مظاهر هذه الجاهلية التي تستعبد الإنسان.
لذلك فإن العودة إلي القرآن الكريم بشكل سطحي (بل لا يصل حتى إلي عمق وتركيب المدرسة الظاهرية في الفقه) ومحاولة استخراج أحكام مبتسرة وناقصة من ظاهر الآيات بما يستبعد أسباب نزول هذه الآيات وكيفية تطبيقها في العصر الرسالي الأول (جيل الصحابة والتابعين في العهد النبوي وخلافة الراشدين) قد يصل بنا إلي مثل هذا الجنوح (كما حدث للأسف مع شيخ من شيوخ الحركة السلفية في هذه المسألة) وهو ما قد يصل بنا إلي النظر إلي الأمر وكأننا نعيش في ذات الظروف... وكأن هذه الممارسات لا تزال موجودة... وكأن الواجب ليس التخلص من مثل هذه الممارسات بل إقرارها وتثبيتها وشرعنتها.
هناك بالفعل فجوة في "فقه الفقه" باعتبار "الفقه" كلمة تعني الفهم والإدراك والوعي، وتنطلق بالأساس نحو استفراغ الجهد في بيان التصور المعرفى (الابستمولوجي) والإطار المنهجى (الميثودولوجى) الإسلامى الذي تنتج عنهما الرؤية الإسلامية للمسألة (حتى لو أسميناها أيديولوجيا).
إن الإسلام – بحسب تعبير الإمام الشهيد سيد قطب – هو إعلان عالمي لتحرير الإنسان... وبالتالي فإن المنهج القرآني يصدر عن هذا المعني... وهو قد يتعامل مع ظروف كانت موجودة في عهد تنزيل الرسالة أو ظروف قد توجد في مجتمعات معاصرة لا تزال تعيش في حالة من الجاهلية الأولي مثل مجتمعات من القبائل التي لم تدخل في أي طور من أطوار المدنية أو مجتمعات بها خلل سلوكي وإدراكي نتيجة تصورات وممارسات جاهلية بها مثل هذه الممارسة (زواج الطفلات). ولكن الإسلام يقوم بمعالجة تلك الأوضاع تشريعياً إلي أن يصل إلي إنهائها تماماً كي يعلن تحرير الإنسان التى هي رسالة الإسلام الأولى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.