ربما تصيب جهود حل التحدي الكوري الشمالي للنظام العالمي لمنع انتشار الأسلحة النووية عن طريق المفاوضات نجاحا. وإذا حدث هذا، هل تقدم لنا تلك التجربة دليلا للتكيف مع التحدي الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني المتمدد؟ هل الدخول في حوار شامل حول تلك القضية بين أميركا والصين سيكون مجديا؟ لو صدقت التوقعات، وأثمرت المفاوضات المطولة مع كوريا الشمالية حسما بناء للتهديدات التي يشكلها سعي بيونج يانج المفتوح لامتلاك الأسلحة النووية، فسيكون هذا ناتجا بدرجة كبيرة عن تغيرات حاسمة في المواقف العامة لكل من الولاياتالمتحدة والصين. فلقد تأخرت أميركا في إلزام نفسها ب(مفاوضات متعددة جادة ومطولة بين الدول الخمس المعنية والحكام في كوريا الشمالية)، ثم تحركت بإيجابية باتجاه الأهم من ذلك، أن تخلي الصين عن تحفظها المبدئي ثبتت في النهاية أهميته لإقناع بيونج يانج بأن عصيانها السياسي يمكن أن يغدو انتحارا. لقد قمت مؤخرا بزيارة للصين، حيث واتتني الفرصة للدخول مع زعماء صينيين في حوارات خاصة تناولت مختلف القضايا، وعدت بانطباعين قويين فيما يخص موقف الصين تجاه المسألة الإيرانية. أما الانطباع الأول فهو أن ضخامة التحول الداخلي في الصين يجعلها عرضة لعدم استقرار سياسي واقتصادي عالمي؛ ذلك أن الصين تخشى بشكل خاص من مغبة أي اندلاع كبير للعنف في منطقة الخليج، وهذا القلق واضح، ومبرر إذا وضع المرء في اعتباره الآثار المالية والسياسية المحتملة لصدام أميركي إيراني كبير. ومن ثم، فإن الصين، برغم صعودها السريع نحو المكانة العالمية العالية، لا تزال حاليا على الصعيد السياسي الجغرافي قوة الوضع الراهن. وأما الانطباع الثاني، فهو أن الصينيين يؤمنون بقوة بأنه عند التعامل مع إيران على الولاياتالمتحدة أن تتحلى بصبر استراتيجي، ويرون أن الإيرانيين، على العكس من الكوريين الشماليين، نفوا أي نية لامتلاك أسلحة نووية. وبناء عليه، يجادل الصينيون بأن النفي الإيراني (رغم الشك في مصداقيته) يفتح مجالات لصوغ ترتيب ما يحفظ ماء الوجه لبرنامج نووي إيراني مكفول دوليا ولا يشكل تهديدا. وحسب وجهة النظر الصينية، يجدر بالولاياتالمتحدة أن تتفادى الانجرار إلى مناوشات كلامية مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، حيث ان هذا يعزز من موقفه داخليا؛ ويتعين على أميركا أيضا أن تتخلى عن إصرارها على شروط مسبقة لمفاوضات تطالب الإيرانيين الاعتراف علنا بالكذب. وبدلا من تحدي صدق المزاعم الإيرانية، ينبغي أن تتركز الأنظار على التفاوض بشكل مشترك من أجل التوصل إلى صيغة تنبذ فعليا خيار الأسلحة النووية الذي يزعم الإيرانيون عدم رغبتهم فيه. وما أن تشارك الصين بفاعلية أكبر في العملية التفاوضية مع إيران، ربما تتمكن من المساعدة في كسر الجمود؛ فالصين تحتفظ بعلاقات ودية مع طهران، التي حكامها ليسوا على قلب رجل واحد، وعزلتهم تتزايد. ان كلا من بكينوطهران لا يريدان تعطيل علاقاتهم الاقتصادية؛ فإيران تصدر النفط المطلوب بشدة إلى الصين، والصين تورد أسلحة ومنتجات صناعية مطلوبة بنفس القدر إلى إيران. على أن رغبة الصين في لعب دور بناء تتطلب أن تتحلى الولاياتالمتحدة بصبر استراتيجي. فالصينيون يخشون أن يكون التلهف الأميركي على تصعيد العقوبات مدفوعا باعتقاد انه عما قريب ستثبت العقوبات عدم فاعليتها، وتظهر في الأفق خيارات أخرى على الطاولة. ولا ينبغي إغفال الدور الروسي غير المستقر. فقد دخلت روسيا في مباحثات مع إيران، وتقر برغبتها الشديدة في حل سلمي، ولا يجب استبعاد تلك التأكيدات مرة واحدة. إن من شأن نشوب صراع في منطقة الخليج أن يؤثر بالسلب على المصالح الروسية، ولكنه آثاره السلبية على روسيا تأملية في الأصل، إذ أن أي صراع خطير سيكون له آثاره الدولية المتموجة، ويتعين على الزعماء الروس تقييم تلك الاحتمالية بشيء من الحصافة. علاوة على ذلك، تبدو روسيا دولة تطورية على نحو متزايد، وتفصح المرة تلو المرة عن رغبتها في قلب جزئي للخسائر الجيوبوليتيكية التي عانتها مطلع التسعينات من القرن المنصرم. ويحتل قطع الوصول الأميركي إلى نفط القوقاز ووسط آسيا الأولوية على قائمة الكرملين. فوق ذلك، تنظر النخبة الروسية في موسكو إلى التهديدات الجيوبوليتيكية ذات المدى الأطول على أنها تتضمن انتهاكات صينية محتملة للمناطق الشرقية الخاوية الغنية بالمعادن، واعتداءات سياسية أميركية على المناطق الغربية المأهولة للملك الإمبراطوري الروسي المفقود. في هذا السياق، ربما لا يعتبر كل الاستراتيجيين في موسكو اندلاع صراع سياسي في منطقة الخليج شرا أحادي الجانب؛ والارتفاع الهائل في أسعار النفط قد يؤذي الصين وأميركا فيما يطلق العنان لموجة أخرى من العداء لأميركا. في هذا السياق، قد ترغب أوروبا في أن تنأى بنفسها عن أميركا، فيما تصبح أوروبا والصين تعتمدان أكثر على إمدادات الطاقة الروسية، وهنا قد تصبح روسيا بوضوح المستفيد المالي والجيوبوليتيكي من هذا الوضع. وهكذا يمكن القول إن مخاطر نشوب أزمة خطيرة في الخليج ستكون بعيدة الأثر، وربما تسبب تحولا دراماتيكيا في توزيع الطاقة العالمية أكبر مما حصل بعد نهاية الحرب الباردة. بناء على هذا، يمكن القول إنه من الملائم زمنيا وتاريخيا الدخول في حوار استراتيجي شامل بين الولاياتالمتحدة والصين فيما يتعلق بمدى تطبيق تجربتهما المشتركة في التعامل مع كوريا الشمالية على الأزمة المحتملة مع إيران.
*مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر