الفلول لديهم الأموال ولديهم البلطجية ولديهم الإعلام والدولة العميقة والحشود الضخمة.. والثوار لديهم الشرعية الثورية وبقية من حماسة الثورة الأولى.. وأحزاب المعارضة لديها شخصيات لامعة وشرعية سياسية.. فإذا جمعت الشرعية الثورية على المعارضة السياسية على بعض الشخصيات اللامعة على البلطجية والحشود الجماهرية على الدجل الإعلامي والدولة العميقة.. سوف تحصل على توليفة من أقوى السموم الانقلابية.. لذلك تراهم واثقين مطمئنين إلى نجاح ثورتهم الشعبية الفلولية الدموية السلمية المتحدة.. هم يرون ألا أمل لهم في النجاح إلا بانحياز الجيش لهم.. لذلك يعولون على احتشاد جماهيري هائل ليقولوا للجيش هذا هو الشعب وعليك الانحياز للشعب.. فإذا تلكأ الجيش فلابد من إجراء أنهار الدماء.. ولا بأس أن يريقوا دماء جماهيرهم بأيديهم لإلصاق التهمة في الطرف الآخر.. عندئذ يجبرون الجيش على التدخل لصالحهم.. فإذا حمل الإسلاميون السلاح فسوف يواجهون مصير الإسلاميين الجزائريين.. هي إذن توليفة تمردية محكمة.. وخطوات ثورية محكمة سبق تجربتها في مصر.. واستئصال الجيش للإسلاميين المسلحين أمر مضمون وسبق تجربته في الجزائر.. كل شيء تمام التمام.. فلماذا لا يكونوا مطمئنين واثقين متبجحين!؟ لكن فاتهم شيئا واحدا.. هو أنك تستطيع أن تبدأ حربا أو ثورة لكن يستحيل أن تضمن نتائجها.. ويستحيل أن توقفها من طرفك فينتهي الأمر ونعود كما كنا.. الجريمة الكبرى التي يرتكبها هؤلاء عن علم ويقين أنهم يقضون على أي أمل في تداول سلمي للسلطة لمائة عام أو يزيد.. فحتى عندما تنجح مخططاتهم الشريرة.. وينقلب الجيش لهم أو عليهم أو على الجميع.. ستكون هناك دماء غزيرة ولن تستقر الأمور إلا بممارسة السلطة (أو الطرف الأقوى) لأبشع أساليب القمع والاستبداد.. سواء أكانت تلك السلطة عسكرية أو إسلامية أو فلولية أو ثورجية.. وهم بكل بساطة يقبلون كل سيناريو محتمل إلا أن يكمل الرئيس مدته الدستورية!!! فهم يقبلون ويلات الحرب الأهلية.. ويقبلون الانقلابات العسكرية.. ويقبلون انتهاء الديمقراطية.. ويقبلون الاستبداد والقمع والديكاتورية.. كل ذلك يهون ولا يحكم الإسلاميون ثلاث سنوات أخرى!!! وهذا الرعب من استمرار الإسلاميين لثلاث سنوات ناجم عن شيء واحد.. هو معرفتهم المؤكدة أن أغلب الشعب يريد أن يحكم بالشريعة وفق تعاليم وأخلاق وقوانين الإسلام.. ومعرفتهم الأكيدة بنزاهة الإسلاميين من السرقة ونهب المال العام ومطامع الدنيا.. ومعرفتهم الأكيدة أن بضاعتهم الأيدلوجية تتناقض مع الإسلام.. سواء أكانت تلك البضاعة شيوعية أو اشتراكية أو قومية أو شيفونية أو ليبرالية.. لذلك لابد أن يستغلوا هذه الفترة المرتبكة.. حيث المشاكل عويصة ومتراكمة.. وخبرة الإسلاميين في الإدارة والحكم محدودة.. ومؤسسات الدولة العميقة لازالت معادية للإسلاميين.. فإما أن ينتهزوا هذه الفرصة ويقضوا على الإسلاميين مرة واحدة وإلى الأبد.. وإما لن يستطيعوا منافستهم بعد ذلك أبدا.. الإسلاميون لا يجيدون الضربات الإجهاضية الاستباقية لرؤوس الفتنة.. وخاصة أن الأجهزة الأمنية لا تعاونهم في كشف المخططات وتقديم الأدلة للشعب والقضاء.. وربما أدت الضربات الاستباقية إلى تأجيج النيران.. لذلك أتوقع أن تنزلق البلاد إلى عنف غير مسبوق وحرب أهلية قد تستمر لأربع أو خمس سنوات.. وسينتهي الأمر إما بدكتاتورية عسكرية أو دكتاتورية إسلامية أو دكتاتورية علمانية أو تنقسم البلاد إلى عدة دويلات.. هناك شيء ربما يعول عليه هؤلاء.. لكنه شيء حقير للغاية.. ربما يعولون على أن يسلك الإسلاميون سلوك أم الغلام الحقيقية.. يعرف الجميع قصة المرأتين اللتين تنازعتا على غلام كل منهما تدعي أنها أمه.. فحكم سليمان عليه السلام أن يُشق الطفل بينهما بالسيف.. لتحصل كل امرأة على شطر غلام.. فصاحت أمه الحقيقية أنها تتنازل عن الطفل لغريمتها. وقد سمعت بعضهم يقول بثقة أن الرئيس سوف يستشعر الحرج ولن يرضى بسفك الدماء.. وحقارة ما يعولون عليه (إن صح أن بعضهم يعول على ذلك) هو أنهم يرمون الإسلاميين بأبشع التهم بينما في الحقيقة يعولون على أخلاقهم ومبادئهم وحرصهم على الوطن والناس والمصلحة العليا للبلاد.. إذا ادلهمت الأمور.. ووقعت الفتنة.. قد يرى بعض الإسلاميين أن يتصرفوا كأم الغلام الحقيقية الحريصة على سلامته وحياته حتى لو تركت حقها فيه.. ولكن أغلب الإسلاميين سيرون الثبات في وجه الخوارج الذين يريدون تحطيم مشروعهم الإسلامي والانقضاض على الشرعية والديمقراطية.. وسيبذل هؤلاء دمائهم وأرواحهم كما بذلوها دوما في طريق الحق.. وكلا الرأيين سيكون صوابا.. وأقول للمرجفين الواهمين: لا يغرنكم كثرة الخبيث ولا جولة الباطل.. فالعاقبة للمتقين.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون..