حالة من الخوف والقلق تسود الأوساط الشعبية العراقية من إقدام حكومة المالكي على إلغاء نظام البطاقة التموينية ورفع الدعم عنها من الدولة. وكان وزير التجارة عبد الفلاح السوداني قد أعلن منتصف الأسبوع الماضي أن وزارته ستقوم بخفض مفردات البطاقة التموينية من عشر مواد إلى خمس، والمواد الخمس التي ستوزع هي الأخرى لن تكون بالكميات المعروفة إنما ستكون بمقادير اقل. وعزا الوزير سبب هذا الإجراء إلى عدم وجود التخصيصات الكافية لدعم البطاقة التموينية لعام 2008. وكان نظام توزيع الحصص الغذائية - المعروف بنظام البطاقة التموينية العام - قد بدأ عام 1995 في إطار برنامج "النفط مقابل الغذاء" الذي فرضته الأممالمتحدة في إعقاب الاجتياح العراقي للكويت عام 1991، غير أن هذا النظام أخذ يشهد تدهوراً واضحاً منذ الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة على العراق عام 2003 واحتلال البلد، بسبب انعدام الأمن وسوء الإدارة وانتشار الفساد. وقال الوزير السوداني أمام البرلمان في العراق: "بما أن الدعم المالي الحكومي لن يكون متوفراً خلال العام المقبل، فإننا سنضطر إلى خفض المواد المشمولة بنظام الحصص الغذائية من 10 إلى 5 مواد، كما أن كميات المواد المتبقية لن تكون بالكميات نفسها هذه السنة أو السنة الماضية.. نحن بحاجة من 5 إلى 6 مليار دولار خلال عام 2008 بدلاً من 3.1 مليار دولار المخصصة لنظام الحصص الغذائية حتى نتمكن من مواجهة الارتفاع الكبير في أسعار هذه المواد في الأسواق العالمية، وكذلك ارتفاع تكاليف الشحن والنقل على المستوى الدولي والداخلي". وألقى السوداني باللوم على ظاهرة انتشار الفساد ونقص اليد العاملة في وزارته، موضحاً أنهما من الأسباب التي أدت إلى قصور نظام الحصص الغذائية على النطاق القومي وتدني جودة المواد المشمولة في هذه الحصص والتأخير في توزيعها. وأوضح أن عدد الموظفين المسؤولين عن هذا النظام في وزارته لا يتعدى 30 ألف موظف، وهم يديرون حصصاً غذائية لثلاثين مليون شخص. وطالب السوداني البرلمان والحكومة بالتفكير في استبدال النظام الحالي بنظام أكثر فعالية، فقال "سنطلق خطة جديدة في العام المقبل، وسنقوم بالتحقق من الدخل المالي للسكان وبناء عليه سنقرر إما عدم إدراج ذوي الدخل العالي في عملية التوزيع أو الاكتفاء بتزويدهم ببعض المواد فقط؟!". مصلحة أمريكية وحكومية مشتركة؟!! ويرى خبراء ومتخصصون عراقيون أن في العراق اليوم صناعة للجوع، فالمجاعة في العراق غير موجودة لكثرة الخيرات التي توجد في البلد إلا أن هناك من يصنع هذه المجاعة لتلبي مطالب أمريكا والبنك الدولي. وقال الخبراء ان حكومة المالكي تعمل على صنع هذه الأزمات من أجل الهاء الشعب العراقي عن قضاياه المصيرية بقضية مصيرية أخرى تهدد حياته. مبينين أن مصلحة قوات الاحتلال وحكومة المالكي تكمن بوجود شعب عراقي جائع؛ لأنه لن يشكل تهديدا للاحتلال والحكومة والقوى الموالية للاحتلال الأمريكي في العراق. وأكد محمد فلاح إبراهيم الخبير في الأمن الغذائي في مديرية الصحة بالعراق أن اقتطاع مواد معينة من نظام الحصص الغذائية سيؤدي إلى انتشار المجاعة في العديد من أنحاء العراق. ويرى إبراهيم أنه "يجب دراسة هذه الأمور بعناية فائقة خصوصاً فيما يتعلق بوقف توزيع حليب الأطفال؛ لأن ذلك سيعرض العديد من الأسر الفقيرة، وعلى رأسها الأسر النازحة، للخطر". وأضاف أنه "يجب أن تكون هناك خطة مكمِّلة لضمان وصول المساعدات المالية للأسر الفقيرة التي ستتأثر بالنظام الجديد للحصص الغذائية، وإلا فقد يموت العديد من العراقيين جوعاً". معاناة يومية متواصلة مواطنون عراقيون قالوا في اتصالات هاتفية معهم ان النظام السابق على الرغم من كونه كان السبب المباشر لفرض العقوبات الدولية على العراق بعد مغامرة اجتياح الكويت، إلا أنه "نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين" كان يوفر الحصة التموينية لغالبية الشعب العراقي وبأصناف جيدة وكميات كثيرة، وكان يخصص لها ثلاثة مليارات دولار فقط، ومن هذه الأموال كان يوفر رواتب الموظفين والمتقاعدين. وتساءلوا: لماذا تعجز حكومة المالكي اليوم عن توفير هذا المبلغ رغم الأموال الهائلة التي تدخل الخزينة العراقية وتقدر بحسب المعلن ب 64 مليار دولار، وتساءلوا متعجبين: أين تذهب كل هذه الأموال خاصة وأن حركة الأعمار التي تتذرع حكومة المالكي بها لا تزال متوقفة بسبب تردي الواقع الأمني والسياسي؟!. تقول سهام وهي أم لثمانية أطفال "لقد كان حلمنا أن نحصل على حصص غذائية جيدة النوعية بحيث تصلح فعلاً للاستهلاك الآدمي، وأضافت "أذهب إلى الوكيل كل شهر لاستلام حصتي الغذائية، ولكني فوجئت هذه المرة عندما لاحظت أن الحصة تفتقر إلى مادتين أو ثلاثة مواد بما فيها حليب الأطفال الذي لم نستلمه خلال الأشهر الثلاثة الماضية". وقالت ان أسرتها باتت مجبرة على شراء احتياجاتها الغذائية من السوق بتكلفة تصل إلى حوالي 150 دولاراً في الشهر. تجدر الإشارة إلى أن البطاقة التموينية يستفيد منها نحو 80 % من العراقيين، وتشكل السلة الغذائية التي تتضمنها البطاقة التموينية المصدر الوحيد لاحتياجات حوالي 60 % من الشعب العراقي بحسب إحصاءات حكومية عراقية. ولا يزال البنك الدولي يطالب منذ ثلاث سنوات بإلغاء البطاقة التموينية وتقليل عدد الموظفين في دوائر الدولة تحت دعوى مساعدة العراق على إلغاء ديونه رغم أن العراق قادر على إلغاء الديون بموجب اتفاقيات ثنائية وليس عن طريق البنك الدولي الذي تسيطر عليه الولاياتالمتحدةالأمريكية.