بقلم : نواف أبو الهيجاء مع انتهاء العدوان على لبنان وبالصورة التي شهدها العالم كله من انتصار باهر للمقاومة اللبنانية، ومع استمرار العدوان بصوره المعروفة المكررة على شعب فلسطين، في قطاع غزة والضفة الغربية، بدأت المحادثات الفلسطينية بين الفصائل جميعها بغية مناقشة المرحلة ومتطلباتها. هذه الأجواء الجديدة تعني استئناف ما كان قد تحقق في الحوارات السابقة ليوم 12/7/2006، بل ومع عملية أسر الجندي الصهيوني في القطاع، حيث كان الجمع الفلسطيني قد وقع بالأحرف الأولى على وثيقة الأسرى، بعد اجراء بعض التعديلات التي جعلتها مقبولة من الفصائل والقوى جميعها باستثناء (الجهاد الاسلامي) الرافضة للعملية السياسية على طول الخط. من أهم ما اتفق عليه فلسطينياً وضوح رؤية القادم. أي تحديد أجندة فلسطينية واضحة المعالم ومتفق عليها. في العملية التنفيذية هناك ما نص على تشكيل حكومة وحدة وطنية، أي حكومة تشارك فيها القوى الفلسطينية وخاصة الممثلة منها في المجلس التشريعي، ومن يراها الجميع مناسبة. ربما تكون حكومة تكنوقراط تحظى بموافقة الجميع أيضاً. الظروف الراهنة تميزت فلسطينياً وميدانياً بما أقدم عليه الاحتلال: حملة الاعتقالات التي طالت وزراء ونائب رئيس الوزراء ورئيس المجلس التشريعي ونائبه، وعليه لم يكن مستغرباً أن يصرح رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية أن من أهم اشتراطات تشكيل حكومة وحدة وطنية هو الافراج عن جميع النواب والوزراء ورئيس المجلس التشريعي، لكن ردود الفعل الحادة التي انطلقت على لسان ممثل حركة فتح في المجلس التشريعي شوشت بعض الشيء على الحاصل. هل أن الخلافات ما زالت شديدة بين القوتين الفلسطينيتين الأساسيتين (حماس) و(فتح)؟ أم أن ثمة أولويات تتمسك بها فتح تخالف أولويات حماس وبالتالي هناك ما يجب أن يعالج بسرعة وبلا تشنج؟ أم أن المسألة أعمق بكثير، أي أنها تتصل بمواقف الحركات من عملية السلام جملة وتفصيلاً؟ وهل أن النصر اللبناني المتحقق سيرفع سقف الاشتراطات الفلسطينية؟ كان أهم انجاز للانتفاضة الفلسطينية منذ عام 2000 حتى اليوم هو الوحدة الوطنية الفلسطينية. وحين انتهت الانتخابات التشريعية وأعلنت نتائجها كان الرهان الذي تشبثت به دولة الاحتلال يتركز على نسف الانجاز الوطني الفلسطيني الأبرز والأهم. وإذا كانت الساحة الفلسطينية قد شهدت تطورات سلبية وصلت إلى اشتباكات مسلحة بقيت محدودة بين القوتين الرئيسيتين إلا أن الوعي الفلسطيني لخطورة ما يدبر ضد القضية الفلسطينية قد يسر تطويق الاحداث والاشتباكات بسرعة وأن يعود الجميع إلى طاولة المفاوضات للاتفاق على وثيقة الأسرى لتحقيق وتكريس وحدة الموقف والهدف فلسطينياً. كانت عملية (الوهم المتبدد) قد نقلت الوضع من حال إلى أخرى، حين شرع الجيش المحتل بمحاولة تدمير قطاع غزة سعياً للإفراج عن جنديه الأسير. لكن موقف دولة الاحتلال كان هزيلاً وهشاً لأنها تحتفظ في سجونها بأكثر من تسعة آلاف أسير، منهم مئات من الأطفال والنساء، وأن من حق شعب فلسطين أن يعمل على إطلاق أسراه وانهاء معاناة نحو عشرة آلاف أسرة. الاحتلال بدوره قتل واغتال وأسر ودمر دون جدوى. وحدث في خلال هذا أن أقدم حزب الله على أسر جنديين من قوات الاحتلال عند الخط الأزرق. وكان رد الفعل الاحتلالي شن حرب مدمرة وطويلة وشرسة ضد لبنان كله تحت شعار ليس فقط السعي لإطلاق سراح الأسيرين بل (ايجاد شرق أوسط جديد) في مراهنة على تفجير الوضع اللبناني ومن ثم الوضع كله في المنطقة كمدخل مرسوم لايجاد دويلات الطوائف من لبنان إلى العراق وبينهما سوريا وبالطبع بما ينعكس على فلسطين - القضية والشعب. ومع انقضاء الفترة التي منحت لجيش الاحتلال دون أن يحقق هذا الجيش حتى ولو أي نصر استعراضي، لم تستطع القوى الداعمة لدولة الاحتلال أن تستصدر قرارا يكون بالسوء الذي تمنته، بل إن القرار 1701 حقق الكثير من التوازن خاصة أنه لم يكن تحت الفصل السابع من الميثاق. أما تداعيات نتائج الحرب الأولية فهي أن الشرق أوسط الجديد أمنية تبخرت، كما أن الصراع داخل اسرائيل برز على السطح عبر الاتهامات المتبادلة بين الطاقمين العسكري والسياسي بل إن وزير الدفاع عمير بيريتس طالب اسرائيل بالتهيؤ لجولة حربية جديدة قادمة ضد (حزب الله)، وهي محاولة لافراغ النصر الذي حققه لبنان بمقاومته ووحدته من محتواه، ولمنع الافادة العربية من الواقع الجديد الذي شهدته المنطقة إضافة إلى الجهود المبذولة لاستصدار قرارات دولية جديدة تجرد اللبنانيين والعرب من النصر الذي تحقق. قلنا إن المنطقة ستكون بين واقعين: الأول مضى وهو قد كان سائداً قبل 12/7/2006 والثاني واقع بدأ بعد هذا التاريخ وهو ينفي ما كان وليؤسس لمرحلة تاريخية جديدة وحاسمة في المنطقة، بما ينعكس ايجابياً على الواقع الفلسطيني قبل سواه. من هنا فإن السعي الفلسطيني إلى حكومة وحدة وطنية ووفق برنامج أساسه وثيقة الأسرى يجد مبرراته ضمن حالة اختلال التوازنات في المنطقة عموماً لكن هذا المسعى الذي يهدف إلى انهاء الحصار المفروض على الشعب والسلطة، واستعادة اللحمة الوطنية، وكذلك احياء (عملية السلام) بموجب المستجدات لن يقبله الاحتلال الذي يدخل في أزمة نتجت عن النهاية البائسة للعدوان على لبنان ومن هنا لا بد من التركيز على عدم الافراط في التفاؤل بصرف النظر عن خطوة وزيرة خارجية اسرائيل بتشكيل لجنة حوار أو مفاوضات محتملة مع سوريا، فقد تكون المناورات السياسية فخاً بدايته حالة انفراج كاذبة يقدم خلالها الاحتلال على شن حرب واسعة جديدة تبدأ بلبنان لكنها لن تنتهي فيه.