الحقيقة الأولى: إن فسادا كبيرا قد أصاب هذه الوزارة نتيجة لأسباب يستغرق عرضها صفحات طويلة بل ربما ملفات بأكملها؛ ولذلك سوف نكتفى بسبب واحد نراه أصلا لكل ما انتابها وأصابها من اضمحلال وتدهور وعجز مادى وإدارى .. تقنى وإنسانى .. وطنى وأخلاقى .. حتى وصلت إلى حالة بائسة وفاضحة من الشلل الذى يشبه أن يكون كاملا أو شبه كامل مهما حاولت بعض الفعاليات السقيمة والإسعافات السطحية المكشوفة أن تكابر موحية بأنها تعمل وأنها تؤدى وأنها على خير ما يرام رغم أنها فى حقيقتها كاملة تسير بما يشبه الزحف دفعًا بما تبقى لها من " القصور الذاتى " حسب ما تقول قوانين الحركة ونظريات الميكانيكا. أما السبب فهو ذلك البقاء الطويل لوزيرها السابق فاروق حسنى ملتصقا بمقعده ثابتا عليه لا يحلم أحد بزحزحته أو بتغييره مادام قد بقى النظام الفاسد السابق الذى ثبّته – مع آخرين – بمقاعدهم سواء كان بالمسامير فى جسد السلطة باعتبارهم أعضاءً وأطرافا أساسية فاعلة؛ أو لصقا والتصاقا باستعمال كل مواد وآليات ووسائل النفاق والخيانة والتقرب والتزلف والمداهنة التى وصلت بكثيرين منهم إلى حد الخضوع المخجل والانحناء الذميم رغم شهاداتهم وقدراتهم أو حتى بدونها ما داموا يملكون الأهم، ألا وهو فقدان الكرامة وموت الضمير الوطنى والأخلاقى، والأمثلة على ذلك كثيرة وأسماؤهم معروفة وسجل خرائبهم ووقائع تخريبهم لا تزال باقية لن تمحى بفضل ما جاد علينا به العصر من وسائل حفظ وتدوين وتوثيق وإثبات. نقول هذا ونستشهد بما حدث ولا يزال قائما فى أكاديمية الفنون بمبانيها القديمة والجديدة – على مساحة التسعة عشر فدانا المبددة والمسماة الآن بمبانيها البشعة ومصاعدها المعطلة وأجهزتها المعطلة ومستشفاها الوهمى - بجوانتانامو مرارة من الطلاب وتندرا وسخرية مبكية مضحكة لم يعرف لها مثيل ! ( والمستندات موجودة )، مثلما نراها فى مؤسسات الهيئة العامة لقصور الثقافة بمبانيها التى تصل إلى نحو ستمائة قصر وبيت لم ينج منها من التخريب والإهمال والتدهور سوى القليل، وحسبنا ما آل إليه حال مسرح طنطا الذى بناه النحاس باشا رئيس وزراء مصر عام 1936 - بتصميم كلاسيكى رائع لمهندس إيطالى متخصص فى بناء المسارح - تحت ظل الاحتلال ولكن وللأسف ليس برغمه - فقد كان الإنجليز المستعمرون أكثر تفهما وإدراكا وتفتحا على أهمية عملية " التنفيس " لشعب محتل تنذر مواصلة الضغط عليه بثورة، مثلما كان هناك عقل وروح وهمة طلعت باشا حرب الذى آمن بأن النهضة لا تقتصر على بناء المصانع وحدها مثل شركة المحلة الكبرى للغزل والنسيج – التى كانت ضخمة ومنجزة ومثيرة للفخر -؛ أو على إنشاء بنك مصر والدعوة الناجحة لمشروع القرش، بل ومع بناء استوديو مصر للسينما وبناء مسرح الأزبكية العريق - المتهدم الآن بعد نهب كنوز مكتبته ومقتنياته ثم إحراقها عمدا وتوقف أعمال إعادة إصلاحه وترميمه بعد إنفاق مبلغ يقترب من أربعة وخمسين مليونا من الجنيهات المصرية الخضراء الحقيقية قبل أن تصبح من الصفيح - ذلك المسرح الذى فوّض العقل المصرى حكومته الوطنية الرشيدة - قبل أن تكون لها وزارة ثقافة – بأن تنصّب عليه كأول مدير خليل بك مطران الذى لقبه شعراء مصر العظام وعلى رأسهم أمير الشعراء أحمد شوقى بلقب " شاعر القطرين " رغم أنه كان لبنانيا مسيحيا مارونيا ولكنه كان عربيا موهوبا مثقفا مخلصا لعروبته وقوميته مؤمنا بحضارته " العربية الإسلامية " كما فهمها وعلى حقيقتها هو وكبار المفكرين من بنى قومه مسيحيين ومسلمين .. سنة وشيعة .. موارنة وأرثوذوكس .. وكاثوليك ودروزا من أمثال جبران خليل جبران وأحمد فارس الشدياق وشكيب أرسلان وجورجى زيدان ومارون نقاش وآل أنطون وآل تكلا وآل قرداحى وآل معلوف وغيرهم من حماة اللغة العربية والمدافعين عن حضارتها فى الفن والأدب والصحافة والسياسة قولا وفعلا، أقول ذلك للعنصريين والتمييزيين والشوفينيين الذين لم يكن أجدادهم كذلك ! يشهد تاريخنا – الملىء بالأمجاد والأوحال - أنه فى مجال الفن وفى عصر الملكية والاحتلال الإنجليزى والجنيه المصرى المحترم قد تم بناء مسرح الأزبكية ومسرح دمنهور ومسرح سيد درويش بالإسكندرية ومسرح المنصورة واستوديو مصر، وأنه فى مصر كان هناك حاكم ألبانى الأصل اسمه الخديوى إسماعيل أحبها وعشق ترابها وأدمن العمل على تمدينها وعصرنتها فبنى لها أول أوبرا فى الشرق قبل يوليو 1952 أو حركة ضباط الجيش الأحرار التى حولها الشعب بإرادته وتفهمه إلى ثورة، مثلما يثبت أن وزيرا منها اسمه ثروت عكاشة قد أنشا أكاديمية الفنون بمعاهدها واستوديوهاتها ومسرحها متفاهمًا مع كبار مثقفى عصره – من خير وكنز مصر الثقافى والفنى قبله – مثل المعمارى الكبير والمؤلف الموسيقى الأوركسترالى الرائد أبو بكر خيرت . وأنه استعان بكبار فنانى مصر التشكيليين آنذاك مثل أنور عبد المولى وأحمد عثمان فى تزيينها بتماثيل ومنحوتات، مثلما يثبت أنه فى رئاسة الدكتور فوزى فهمى لها - والتى امتدت واستطالت وتشعبت حتى وصلت إلى أربعة عشر عاما – قد تم تحطيم تمثال عبد المولى مثلما تم تدمير اللافتة القيمة المنحوتة التى كانت تعلو واجهة مسرح سيد درويش مثلما تم تخريب ونهب آلة الأرغن الفريدة الثمينة الوحيدة فى العالم العربى رغم أنه لم يكن يجيد العزف عليه سوى " شقيق السيدة زوجته " الموسيقار اللامع جمال سلامة أحد أعضاء هيئة التدريس بالكونسيرفاتوار، ويالها من من مفارقة !! كما يثبت التاريخ أيضا أن قدرا كبيرا من كنوز أوبرا الخديوى إسماعيل الأثرية – والتى احترقت بفعل فاعل هى الأخرى مثلما نهبت رغم عدم ثبوت ذلك جنائيا ولله الأمر من قبل ومن بعد – قد انتقلت إلى قاعة سيد درويش ثم اختفت كما اختفت إخوة لها من قبل من كنوز قصر الجوهرة الذى لم يحترق من تلقاء نفسه، مثلما لم تختف الحلى الثمينة والأثريات الرائعة فى قصر الأميرة عائشة فهمى من تلقاء نفسها كذلك ولم تستبدل بها قطع أخرى زائفة من الصفيح المطلى بالقشرة، كما لم تبدد من تلقاء نفسها بقايا تحف الأميرة رقية محمد حليم – أول حفيدة لمحمد على باشا – وتختفى ذاتيا من مبنى المجلس الأعلى للثقافة \ المركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية حاليا بمقره الذى كان ملحقا للموظفين والخدم بشارع حسن صبرى بالزمالك، والذى اختصرت مساحته بعد نهب أرض القصر الأصلى ومحاولة بناء فيلا عليه، ( وقد جاهدت كثيرا وصارعت وخضت معارك ضارية كى أظل محافظا على مرآة أثرية ثمينة وصندوق زهور هما كل ما تبقى فى هذا المبنى إبان رئاستى لهذا المركز، وللحقيقة فقد عاوننى الفنان الكبير الدكتور أحمد نوار وأرشدنى كى أحافظ عليهما من نهب السارقين - أو السارقات - اللائى كن يتربصن بهما ويتلمظن شهوة لسرقتهما كما تتلمظ الكلاب الجائعة فيسيل لعابها أمام قطعة من اللحم الذى تعرف قدره وقيمته، وللحقيقة أيضا فقد استعنت على معرفة الدماء النبيلة التى تجرى فى عروق هذا المبنى بمسئول كبير فى مراسم رئاسة الجمهورية \ قصر عابدين اسمه اللواء سعيد زاده – لم يبخل علىّ بمعلومة مخلصة فى التعرف على أصل هذا المبنى وما تبقى بعد النهب من مقتنياته .. رغم أننى لم ألتقِه سوى مرة واحدة وبمحض الصدفة ! وإلى الحلقة القادمة فى شهادة لا تخلو من المرارة وربما قبل أن أنتقل إلى عالم لا يعرف سوى الحق ولا تقال به إلا الحقائق.