عقدت لجنة حقوق المرأة في البلدان الأورو - متوسطية اجتماعها في البرلمان الأوروبي في بروكسل بعنوان: «إدماج النساء المهاجرات في الاتحاد الأوروبي: طريق ذو اتجاهين». وتحدثت في البداية السيدة رودي كراستا، نائبة رئيس البرلمان الأوروبي ونائبة رئيس اللجنة والسيد فرانكو فراتيني نائب رئيس المفوضية الأوروبية. وركز كلاهما على ما يقدمه الاتحاد الأوروبي للمهاجرين، وعلى مشكلة تدفق هؤلاء المهاجرين وعدم قدرة الاتحاد على استيعاب جميع هؤلاء المهاجرين والمساعدات السنوية التي يخصصها الاتحاد الأوروبي لهم. وبما أني كنت متحدثة رئيسية بعد السيد فراتيني مباشرة فقد ركزت في حديثي على أن هؤلاء المهاجرين، بمن فيهم العرب والمسلمون، يشكلون عنصر إغناء لأوروبا وليس مشكلة. فهم قادمون يحملون معهم قيماً حضاريةً، وفنوناً ومهاراتٍ ويجب الاغتناء بهم وإغناؤهم، تماماً كما فعلت منطقة الشرق الأوسط حين استقبلت عبر القرون هجرات مختلفة من قبائل وشعوب وأعراق متنوعة وأصبحت هذه الهجرات عامل تنوع وغنى لمنطقة شهدت أقدم وأعرق الحضارات. وضربت مثلاً على التعايش الحقيقي في دول أمريكا اللاتينية حيث ساهمت ثقافة المهاجرين العرب وتقاليدهم في إغناء الهوية الثقافية والسياسية والفنية لهذه البلدان وحيث تبوأ المهاجرون العرب كافة المواقع المؤهلين لها دون إقصاء أو عزل أو عنصرية، في حين عانت الشعوب الأصلية لهذه البلدان قبل ذلك من حالة «ادماج قسرية» بقيم وثقافة المحتلين والوافدين الأوروبيين. وأضفتُ أن منطقة الشرق الأوسط تعتبر التنوع أمراً بديهياً وجذاباً، ولكن التحدي اليوم هو تحدّ لأوروبا التي تعتبر نفسها مسيحية وتعتبر الإسلام ثقافة غريبة، والمسلمين دخلاء عليها، ويشكلون خطرا على هويتها. وأشرت في هذا الصدد إلى عشرات المقالات التي تنشر في الإعلام الغربي وآخرها مانشرته جريدة الغارديان البريطانية بتاريخ 11 أكتوبر الجاري بعنوان: "انتشار الجوامع أصبح سبباً للصراع في كلّ أرجاء أوروبا" وتساءلت لماذا يصبح الجامع سببا في الصراع؟ فالجامع ، كما الكنيسة، هو مكان للصلاة والعبادة، وهاهي جوامعنا تجاور الكنائس منذ قرون في مدن أغنت الحضارة العالمية بقيم التسامح والتعايش والتنوع الحضاري.
في البداية أقلقت محاضرتي رئيسة الجلسة التي لم تعلم كيف تتعامل معها لأنني أشرت الى توجه مختلف يجب أن تحذوه أوروبا في النظر الى الهجرة والتعامل معها. ولكنّ هذا الموقف بدأ يتغير بحكم طبيعة المداخلات التي تلت. فقد قدم البروفسور روبرت كليكيت بحثاً أكد فيه أن موقف الأوربيين من المهاجرين هو موقف المشكك بهم وبنواياهم والذي يعتبرهم خطراً على فرص عمله وعلى هويته وثقافته، وأن موقف المهاجرين اتجاه السكان الأوروبيين أفضل من موقف الأوروبيين اتجاه المهاجرين، وأنه على السكان الأوروبيين أن يظهروا تعاملاً مختلفاً وموقفاً مختلفاً من المهاجرين إذا أرادوا للاندماج أن يصبح حقيقة لا مجرد نظريات. ومن ثم تحدثت السيدة نديور دايي، نائبة رئيس منظمة الهجرة الدولية، وتساءلت لماذا لا يستمع الاتحاد الأوروبي لرأي النساء المهاجرات في خطّ سياسات الهجرة؟ أين هن النساء المهاجرات ولماذا لا يكونّ ممثلات في نقاش الأمور التي تخصّ حياتهن وإندماجهن ومستقبلهن؟ ماالمانع في أن نستمع إليهن وأن نبني سياسات الهجرة بالتفاعل معهن؟ واستكملت الحوار نائبة من البرلمان الإيطالي فتساءلت إذا كان الاتحاد الأوروبي يريد إدماج المهاجرين فلماذا لا يصادق على اتفاقية حقوق العمال المهاجرين التي أقرتها الأمم المتحدة؟ لقد صادقت كلّ دول أمريكا اللاتينية على هذه الاتفاقية ولم تصادق عليها أي دولة من دول الاتحاد الأوربي. وأكدت المتحدثة أن ماجاء في محاضرتي عن أهمية كرامة المهاجر وثقافته وحضارته وضرورة احترامها والاغتناء بها يجب أن تدخل في صلب توصيات هذه اللجنة. ومع ذلك وبعد كلّ هذا النقاش الجريء فقد تجرأ أحد ممثلي الوفود العربية على دعم هذا التوجه بينما التزم الآخرون عباراتٍ عائمةً لا تقود الى شيء، بينما ذهب عضو برلمان نمساوي الى درجة القول أن إدماح العرب في أوروبا يجب أن يبدأ بإعطاء خيار تدريس لغتهم في المدارس الأوربية كي يتجذروا في لغتهم وثقافتهم ومن ثمّ يساهموا في البلدان التي يقيمون فيها. بالفعل، هناك ملايين العرب المغتربين في بلدان أوربية عديدة ومع ذلك لم يطرح العرب يوماً ضرورة أن تكون لغتهم على الأقل أحد الخيارات اللغوية في المدارس الأوروبية، خرجت من ذلك النقاش الحاد ولكن الجاد والغني مقتنعة أنه يمكن للعرب اليوم أن يحملوا قضاياهم ولغتهم بجدية أكبر بكثير الى المحافل الدولية، وهناك أصوات ربما كافية ومستعدة للانضمام الى دعم مسيرة الحقّ إذا ما حمل العرب مشعل حقوقهم. كان الفرق بين الطروحات في أول الجلسة في الصباح وبين ختام الجلسة مذهلاً لأنه ذهب بالنقاش الى مواقع لم يكن أحد يتخيلها في الصباح، وذلك لأن الانطلاق كان كرامة الانسان العربي والمسلم في أوروبا ومسؤولية أوروبا عن صون هذه الكرامة خاصة بعد صدور القوانين الظالمة التي أصدرتها بعض الدول في أعقاب احداث الحادي عشر من سبتمبر.
إن الانسياق وراء المنطق الذي يخطه ويعمّمه أعداؤنا أو المتعاونون معهم، أصبح يشكّل خطراً على المرجعية العربية في جميع المجالات، ولذلك لابدّ من وقفة حقيقية وصادقة، يستعيد الصوت العربي فيها، اعتزازه بحضارته وتاريخه ومساهمته الإنسانية، دون إهمال أوجه القصور التي نعاني منها اليوم لأسباب مختلفة، ويلقي الضوء على الاستهداف المعادي والمفروض على العرب والمسلمين ومحاولة وصفهم جميعا بالإرهابيين تسهيلا لقضم حقوقهم وأرضهم وامتهان كرامتهم في فلسطين والعراق وتهديدهم في سوريا ولبنان والسودان وفي كل بلدانهم. هناك اليوم في العالم قناعة تتكون بين جميع شرائح المجتمع بأن سياسات بوش وتشيني كارثية على الوئام الاجتماعي وعلى الأمن والسلم الدوليين وهناك أصوات حرّة وبارزة بحاجة الى مرجعية عربية تحسن الاستفادة منها، وليس على العرب المؤمنين سوى أن يثبّتوا أقدامهم ويتمسّكوا بحقوقهم وألا يُهزموا في وجه ادعاءاتٍ تمسرحُ الحدثَ وتتنكر لأبسط حقوقهم مستخدمة التهديد بالإرهاب والحرب كأسلوب وحيد لفرض إرادتهم الشريرة.
في ضوء التحولات التي تجري في العالم اليوم وفي ضوء مواقف دول ذات وزن دولي ترفض التبعية لامبراطورية الشر العنصرية من جهة، وتصاعد الأصوات المدافعة عن العرب في فلسطين والعراق اللذين يتعرضان لأشد أنواع الإرهاب فتكاً، هناك فرصة دولية لتحويل الصراع العربي - الاسرائيلي الى قضية عدالة عالمية يساهم بها جميع أحرار العالم ولا تبقى حكراً على بعض العرب المصابين بالاحباط والانهزامية من الداخل. بعد أن استكملت لجنة حقوق المرأة اجتماعها تحدث معي أكثر من عضو برلمان أوروبي وقال لي يجب ألا تغيبوا عن أي اجتماع ويجب أن تثبتوا وجهات نظركم وأن تطلعونا جميعا عليها لنتمكن من مساندتكم ومساندة قضاياكم العادلة. انتهى عصر سياسة الكراسي الفارغة واليوم هو عصر الكراسي المليئة والناشطة والجريئة والصريحة في سبيل اطلاع العالم على حقيقة ما يجري في منطقتنا، لأن حقيقة ما يجري غائبة تماماً عن معظم وسائل الإعلام الغربية «الحرة» عن قصد وسابق إصرار، ولنتذكر أن رسالة سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم انتشرت في كلّ أصقاع الأرض دون فضائيات أو إعلام. ربما نحن بحاجة الى اتباع ذلك الأسلوب «وجادلهم بالتي هي أحسن» والتحرك في العالم لفضح افتراءات الآخرين.