كتب جورج سورس، المتمول اليهودي المعروف وراعي عشرات المنظمات غير الحكومية الممولة أجنبياً، مقالة نشرت على النت في نهاية آب / أغسطس 2006 بعنوان "الانبهار بمفهوم (الحرب على الإرهاب)"، في صحيفة البوسطن غلوب، ينتقد فيها سياسة الحل العسكري الصرف التي يتبناها المحافظون الجدد الأمريكيون وساسة "إسرائيل".
وكان سورس قد نشر كتاباً يحمل عنوان "عصر القابلية للخطأ: عواقب الحرب على الإرهاب" في 12 حزيران / يونيو 2006، كجزء من سلسلة من الكتب نشرها سورس خلال الأعوام الماضية لنقد العولمة والسياسة الأمريكية والدعوة لإصلاح مسارهما باعتبار السياسات المتبعة حالياً تشكل خطراً على استقرار النظام العالمي الجديد برمته.
وليكن واضحاً أن سورس ينتقد من منطلق الحرص على العولمة والإمبريالية والصهيونية، وليس بقصد تحطيمها أو استبدالها بنظام أكثر عدالة، وهو ينشط في مجال تمويل وتوجيه المنظمات غير الحكومية لهذا الغرض بالذات. ولكنه كأحد الحريصين على النظام، والقائمين عليه والمستفيدين منه، يبقى من أشد نقاده عنايةً بالمظاهر السلبية الناتجة عن العولمة والصهيونية والسياسة الأمريكية، ومن أكثر الحريصين على منع تفاقمها.
المهم، في مقاله المذكور أعلاه، "الانبهار بمفهوم"، يركز سورس على أهمية فصل المسارات وضرورة إتباع استراتيجيات مختلفة في التعامل مع كلٍ من: 1) حزب الله، و2) حماس الجناح العسكري، و3) حماس الجناح السياسي، و4) القاعدة، و5) ما يسميه "التمرد السني" في العراق، و6) جيش المهدي.
فهو يميز أولاً ما بين القوى ذات الامتداد الجماهيري المحلي الراسخ مثل حزب الله وحماس من جهة، والقاعدة من جهة أخرى. ولكن سورس، وهنا بيت القصيد، يدعو لشطب حزب الله والجناح العسكري لحماس- الذي يعتبره مجرد امتداد لحماس خارج فلسطين-، وإلى التفاهم سياسياً مع واستيعاب الجناح السياسي لحماس الداخل من خلال حكومة "وحدة وطنية" مع جماعة محمود عباس، لا بل أنه يزعم أن عملية أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليت جاءت من حماس الخارج/ الجناح العسكري لإفشال عملية الاستيعاب السياسية هذه لحماس الداخل.
ولكنه يحمل "إسرائيل" وإدارة الرئيس بوش من خلفها مسؤولية إتباع حلول منفردة همشت وأضعفت الحكومة اللبنانية والسلطة الفلسطينية مما قوى حزب الله وحماس الجناح العسكري، ويدعو بالتالي إلى البحث عن حلول سياسية إلى جانب، وبالتزامن مع الحل العسكري، من خلال تقوية الحكومة اللبنانية والسلطة الفلسطينية وتعزيز وضعهما، وتنفيذ الاتفاقات المبرمة مع السلطة الفلسطينية، مثل اتفاق النقاط الستة حول المعابر من وإلى قطاع غزة الذي سمسره البنك الدولي والذي لم ينفذ منه شيء قط.
ويزعم سورس أيضاً أن الفلسطينيين تعبوا من القتال، ولذلك فإن حماس في الداخل أكثر استعداداً للمساومة من حزب الله... فهو يركز إذن على فكرة فصل المسارات، بين لبنان وفلسطين، والعراق بالمعية، وحماس الداخل والخارج، وحزب الله وحماس، وعلى ضرورة تفصيل سياسات متلائمة مع كل حالة لا تضع كل التنظيمات التي يسميها "إرهابية" في سلة واحدة. فهو يعتبر أن "الحرب على الإرهاب" بهذا المعنى جاءت بنتائج عكسية من منظور مصلحة النظام العالمي الجديد و"إسرائيل" ومنظور "محاربة الإرهاب".
في الواقع، توجهات سورس قد تكون أكثر خطورةً من سياسات الحل الأحادي واحتقار الديبلوماسية والاقتصار على الحلول العسكرية والأمنية التي يندفع فيها المحافظون الجدد والصهاينة كقطار بلا كوابح. ولحسن الحظ أن سورس ليس من صناع القرار الرئيسيين في واشنطن وتل أبيب بغض النظر عن تأثيره الكبير. ولكن توجهاته سيتم تبنيها عاجلاً أو آجلاً، وبشكل متزايد في النخبة الحاكمة التي يعتبر سورس جزءاً منها، بمقدار ما تصطدم توجهات المحافظين الجدد واليمين الصهيوني بالحائط... وهنا تصبح الحلقة المركزية قدرة فصائل المقاومة العربية من العراق إلى لبنان إلى فلسطين أن تحافظ على تماسكها ووحدتها. فعندما يكون عنوان المؤامرة السياسية هو "فصل المسارات وتجزئتها"، يصبح الرد المنطقي هو التأكيد على وحدة القضية الفلسطينية بين الداخل والخارج، والتأكيد على وحدة فصائل المقاومة (المقاتلة). وفي هذا السياق، ليس هناك أخطر اليوم ممن يزرعون الأسافين بين المقاومة داخل فلسطين وخارجها إلا الذين يثيرون الفتن بين المقاومة العراقية من جهة والمقاومة اللبنانية من جهة أخرى سواء بذرائع طائفية أو عن غباء سياسي فحسب.