فى مثل هذا الوقت من كل عام، ترتفع درجات الحرارة فى أنحاء أفغانستان، ويبدأ الثلج المتراكم على الجبال طوال الشتاء فى الذوبان، ومن ثم تصبح الأرض مهيأة لتنفيذ (التكنيكات) العسكرية التى تجيدها حركة «طالبان» فى صراعها مع القوات الأمريكيةوالغربية الموجودة داخل الأراضى الأفغانية، وكذلك ضد القوات الحكومية التى ترى أنها عميلة للاحتلال الأجنبى وأنها تتعاون معه وتنسق معه ضد الأهداف والمصالح الأفغانية العليا. وقد أعلنت حركة «طالبان» بدء هجوم الربيع هذا العام يوم الأحد 28 من أبريل، لتشتعل الأرض من تحت أقدام القوات الأجنبية فى كافة أنحاء أفغانستان، لا سيما فى مناطق جنوب وشرق أفغانستان، التى تعد من معاقل الحركة. ذكرى الإطاحة بنجيب الله جدير بالذكر أن «طالبان» تختار هذا التاريخ لبدء هجوم الربيع كل عام، فى ذكرى الإطاحة بحكومة محمد نجيب الله، التى كانت مدعومة من الاتحاد السوفييتى السابق عام 1992، والتى كان إسقاطها نصرا كبيرا للجهاد الأفغانى. وبعد ساعات من إعلان الهجوم الذى حمل اسم «خالد بن الوليد»، اعترف حلف الأطلسى (الناتو) بمقتل أربعة من جنوده، من جراء تحطم طائرتهم جنوبأفغانستان. وقالت قوات التحالف الغازية، فى بيان لها: إنها تجرى تحقيقا لتحديد سبب تحطم الطائرة، زاعمةً أن «المعلومات الأولية، تفيد بأنه لم يكن هناك أى نشاط معادٍ فى المنطقة عند تحطم الطائرة». وفى اليوم الثالث لهجمات «طالبان»، قتل ثلاثة جنود بريطانيون، فى انفجار استهدف عربتهم بولاية «هلمند» جنوب البلاد، ووقع الانفجار فى أثناء تجول الجنود الثلاثة التابعين لقوات الناتو، فى دورية روتينية فى مقاطعة نهر إى سراج بولاية هلمند، فأصابت قنبلة بدائية السيارة التى كانوا يستقلونها. تكنيكات جديدة وعمليات كبيرة وقد أعلنت الحركة أنها ستنفذ عمليات موجعة باستخدام تكتيكات جديدة؛ فقد قال مقاتلوها: إنهم سيتسللون فى «صفوف العدو لتنفيذ هجمات من الداخل»، وكذلك استهداف مواقع عسكرية ودبلوماسية فى عمليات «استشهادية» كبيرة. وهو ما اعترف به الجيش الأفغانى، الذى قال: إن «طالبان» باتت تستخدم نظاما متقدما، لاختراق القوات خاصة فى الآونة الأخيرة. كما رحبت الحركة ببدء انسحاب قوات حلف الأطلسى (ناتو)، على أن تحل محلها القوات الأفغانية، وقال بيان للحركة فى هذا الصدد إن «العدو، مع كل قوته العسكرية، اضطر إلى الفرار». كما دعت «طالبان» الموظفين الأفغان إلى قطع علاقاتهم مع إدارة الرئيس حامد قرضاى الحالية التى وصفتها بأنها «إدارة منحطة»، وطالبت أيضا القادة الدينيين والقبليين بمنع الشبان من دخول الجيش والشرطة، وعرضت الحركة توفير السلامة لهؤلاء الذين ينسحبون من الحكومة وينضمون إلى صفوفها. ورغم أن القوات الأجنبية الموجودة على الأراضى الأفغانية أعلنت أنها ستنسحب بحلول عام 2014، فإن وتيرة القتال بين «طالبان» وقوات حلف شمال الأطلسى وحلفائه المحليين، تزايدت. وكشفت دراسة نشرها مركز «أفغانستان سيفتى أوفيس»، أن عدد الهجمات التى تقوم بها حركة «طالبان»، سجلت زيادة كبيرة خلال الفصل الأول من العام 2013، وجاء فى الدراسة أن هذا التصاعد فى العنف، يطال بشكل خاص الجيش والشرطة الأفغانيين، لأن القوات الأجنبية تنسحب تدريجيا، من المواقع الأكثر عرضة للهجمات، بانتظار انسحابها المقرر العام المقبل من البلاد. ومن يناير إلى مارس، أحصى المركز 2331 هجوما للمقاومة، أى بزيادة بلغت 47% عن الفصل الأول من العام 2012. قيادة القوات الغربية الغازية، متمثلة فى المتحدث باسم القوات الدولية فى أفغانستان، الجنرال«جونتر كاتز»، تدّعى أن القوات الأفغانية جاهزة لمحاربة «طالبان»، وأن هذه القوات استغلت أشهر الشتاء بحكمة للإعداد لتسلم قيادة الأمن بحلول منتصف 2013. وهذا كلام غير دقيق؛ فإذا كانت جيوش الغزاة بأسلحتها المتطورة كانت صيدا ثمينا لمقاتلى «طالبان»، فإن القوات الأفغانية -الأقل تطورا بمراحل- لن تستطيع الصمود أمام أساليب «طالبان» القتالية. ولا يمكننا قراءة تهديد المتحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية، صديق صديقى، ل«طالبان»، بأنهم: «يجب أن يدركوا أنهم لا يستطيعون الاستمرار فى قتال قوات الأمن الأفغانية، يجب أن يدركوا أنهم سيتعرضون للقتل إذا واصلوا ذلك».. لا يمكن فهم هذا التهديد إلا بالكلام الأجوف المجرد عن أى سياق فى الخبرة القتالية بين الجانبين، والتى كانت فى صالح «طالبان» على طول الخط. التفاوض مع «طالبان» وأمام تحاشى القوات الغربية الغازية الدخول فى مواجهات مع «طالبان»، ومع عدم جاهزية قوات الأمن الأفغانية؛ فإن إدارة الرئيس أوباما وكذلك نظام قرضاى العميل، يرتعدان من أية مواجهة عسكرية مع «طالبان»، لذلك فإنهم يسابقون الزمن من أجل التوصل إلى اتفاق سلام مع «طالبان» بأية طريقة، للهروب من هذا المأزق المستعصى على الحل منذ عدة سنوات. وقد بذلت الإدارة الأمريكية جهودا كبيرة لتوسيط قطر لإقناع «طالبان» بإجراء مفاوضات مع الأمريكان فى الدوحة، وإغراء الحركة بفتح مكاتب تمثيل لها فى العاصمة القطرية، لكن «طالبان» أكدت أن رموزها الذين يقيمون فى قطر، لم يجروا محادثات بشأن السلام فى أفغانستان مع مسئولين أمريكيين فى الدوحة منذ أكثر من عام، ولا يتوقعون أية محادثات قريبا. رفض زعماء «طالبان» الدخول فى مفاوضات مع الأمريكيين أربك خطط إدارة أوباما، التى تركزت خططها على إحداث اختراق للعملية السلمية خلال عام 2014، وهو ما جعل السفير الفرنسى -المنتهية ولايته فى العاصمة الأفغانية كابل، برنار باجوليه- ينتقد الجدول الزمنى للعملية الانتقالية فى أفغانستان، بشقيها السياسى والعسكرى، والمقرر أن تنتهى فى 2014. وقال «باجوليه» فى خطاب وداعى، ألقاه فى السفارة الفرنسية بكابل: «أنا لا أستطيع أن أفهم، كيف وصل المجتمع الدولى والحكومة الأفغانية إلى هذا الوضع؛ فكل شىء يجب أن يحصل فى 2014: الانتخابات، رئيس جديد، العملية الانتقالية الاقتصادية والعسكرية، وكل هذا فى وقت لم تبدأ فيه فعليا بعد مفاوضات عملية السلام». توصيات البرلمان البريطانى ونتيجة لما لاقته القوات البريطانية من خسائر فى أفغانستان، دعت لجنة برلمانية بريطانية فى تقرير أصدرته مؤخرا إلى إبرام اتفاق سلام مع حركة «طالبان»، بسبب ما اعتبرته تأمينا لمستقبل أفغانستان بعد انسحاب القوات البريطانية والأجنبية من هناك فى نهاية العام المقبل. وحذّرت لجنة الدفاع فى مجلس العموم (البرلمان) البريطانى، فى تقريرها من أن الفشل فى اتخاذ هذه الخطوة قد يؤدى إلى اندلاع حرب أهلية فى أفغانستان، ونسبت هيئة الإذاعة البريطانية (بى بى سى) إلى التقرير؛ قوله إن المملكة المتحدة لديها مسئولية لاستخدام نفوذها من أجل تأمين أفغانستان بعد سحب قواتها من هناك بنهاية العام 2014. وأوصى التقرير بإجراء انتخابات حرة ومفتوحة فى أفغانستان، وتدريب وتجهيز قواتها الأمنية بصورة جيدة وتوفير الدعم المالى المستمر لها، وإقامة نظام قضائى يحمى حقوق الإنسان، واستمرار المعونة الإنمائية، واتخاذ إجراءات فعالة للتصدى للفساد وتجارة المخدرات.