لقد حذرنا – هنا على صفحة جريدة الشعب الغراء – وعلى صفحات الفيسبوك والتويتر، حذرنا مرارا وتكرارا من يتلاعبون بكارت الفتنة الطائفية واعتمادها طريقا ووسيلة من ضمن وسائل محاولاتهم "اسقاط النظام" القائم. وقلنا انه من حق الاخوة المسيحيين أن ينتخبوا من يشاءون ومن حقهم ايضا ألا ينتخبوا من يشاءون ولكن لا ينبغي أن يتم هذا من منطلق طائفي عقدي، وانما يكون ذلك على اساس من ممارسة الحقوق السياسية كأي مصري مهما كانت ديانته أو اتجاهاته السياسية. حذرنا ايضا من تدخل الكنيسة كما نحذر من تدخل المساجد في توجيه الناخبين للاختيارعلى اساس ديني مما يزيد التباعد و يعمق الفجوة بين الفرقاء السياسيين ويمهد للفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، والتي لو تم اعتمادها كوسيلة سياسية للضغط على نظام البلاد سواء كان هذا النظام الحالي أو القادم او اي نظام سياسي يحكم مصر، فهذا معناه "الانتحار" الشامل لكل شئ: الانتحار أولا لصحاب هذا الخيار حيث ان الشعب المصري الأصيل يستطيع التمييز بين من يمارس السياسة ويريد المصلحة العامة وبين من يتخذ السياسة كوسيلة للمنافع الشخصية ولا يهمه وسائل الوصول الى تلك المنافع والمكاسب ولو على حساب دمار البلد، والانتحار ثانيا لكل مظاهر الود وما بقي منها بعدما بدأت – وللاسف الشديد- مظاهر الفوضى الأخلاقية تظهر جلية في الشارع المصري بين المصريين كافة، واخيرا الانتحار المؤسسي لمؤسسات الدولة من وزارات ومؤسسات خدمية وجامعات ومدارس نتيجة لتسميم الأجواء وانتشار فيروس الاحتقان الذي لم يعد بحاجة إلى فيروس قوي ليحمله ويسلعد على انتشاره. لأن اعتماد كارت الفتنة الطائفية جرح لو انفتح- لا قدر الله - لن يندمل بسهولة، وسوف يقضي على الأخضر واليابس في هذا البلد العظيم الجميل المتسامح الامن "مصر" ، ولنا في مواطن وبلاد شقيقة وصديقة حدثت فيها تلك الفتنة اللعينة الموعظة والذكرى لأولي الألباب من رجال الوطن المخلصين سياسيين واقتصاديين وعلماء وفقهاء الدين من الطرفين، بل وحتى المصريين العاديين الذين يكتوون بنيران كثيرة، فهم ليسوا بحاجة إلى نيران جديدة ليكتووا بها، فيكفيهم ما هم فيه من عناء منذ قيام ثورة 25 يناير التي اعتبروها مكسبا كبيرا تحول الى كابوسا مزعجا منغصا لحياتهم في كل المجالات تنفيذا لتعهد سئ الذكر "المخلوع" بمقولته الشهيرة "إما انا او الفوضى" وهو ينفذها بجنوده الذين رباهم على الغالي كما يقول المثل، وكل ذلك من قوت الشعب الذي نهب بطرق عديدة ولتحقيق أهداف كثيرة منها الهدف الواضح الجلي الآن وهو تيئيس المصريين من ثورتهم التي قاموا بها على فساد نظام مستبد استباح كل شئ وهو من اذكى نار الفتنة الطائفية التي نتحدث عنها لخدمة هدف بقاءه في السلطة إلى مالانهاية.
وللتاريخ، فإن أول بذرة للفتنة الطائفية في مصر جاءت عن طريق السياسة! حيث قام شاب صيدلي (ابراهيم ناصف الورداني) - درس الصيدلة بسويسرا والكيمياء بانجلترا- عمره آنذاك 24 عاما وينتمي ل «الحزب الوطني» بقتل رئيس الوزراء المصري (بطرس باشا غالي) على خلفية سياسية. وذلك بان قام هذا الصيدلي بتحليله لما قام به المقتول من انحياز سافر للانجليز وقيامه "كرئيس محكمة" بالحكم على فلاحي قرية "دنشواي" بالإعدام شنقا والجلد والحبس، فقرر بنفسه أن بطرس غالي خائن يستحق القتل ونفذ جريمته وخرجت الصحف لتصف الحادث بالطائفي وليس السياسي وحكم على القاتل بالإعدام وتم تنفيذ الاعدام وسط غضب شعبي عارم. للمزيد اقراوا هذه المقالة المختصرة https://www.facebook.com/photo.php?fbid=498492623561185&set=a.280183138725469.58204.103622369714881&type=1&theater
ومن الملاحظ أن أسباب التوتر في هذه الفترة أغلبها ينبع من بؤرة جرثومية فاسدة من الذين كانوا لا يؤيدون الثورة على نظام مبارك الفاسد وأعوانه أصلا .. وهم معروفون للناس كافة ولقاءاتهم وفديوهاتهم المصورة والمتلفزة خير شاهد عليى ذلك، معروفون بتعصبهم الأعمى والغريب على طباع المصريين، ومعروفون بانتماءاتهم الخارجية وارتماءهم في احضان المهجر بكل دوله وعصاباته، ومعرفون بانهم الأكثر جبنا في المجتمع ولم يسمع احد لهم صوتا معارضا خوفا وجبنا من النظام البائد واعوانه وعندما حدثت الثورة وانكشفت عورة البلد أخذ كل هؤلاء يحملون على مصر بكل ما أوتوا من قوة لحرق مصر وتدمير مصر وسوف لا يكون ذلك ابدا بإذن الله الواحد الأحد .. لأننا كمصريين نؤمن بأنه لولا ارادة الله ما انتصرت الثورة على اشد واعتى الظالمين في التاريخ حتى وإن خرج هذا الجبار من السجن بفعل فاعل ماكر لئيم، ومؤمنون كذلك بوحدة مصير ووجود هذا الوطن، وليس بيننا من هو صاحب الأرض ومن هو ضيف عليها كما يردد المتشنجون المتعصبون، أصحاب خيار الفتنة والذي سيقضي عليهم خيارهم هذا بكل تأكيد كأول ضحايا لهذا الخيار الفاسد المشئوم.
واخيرا لو صمت العقلاء من المسلمين والمسيحيين ولم يلتحموا ويبينوا للناس من الطرفين خطورة ما هم قادمون عليه، وعلا صوت المتعصبين فإن ذلك لا يعني إلا الانتحار الجماعي لنا جميعا لا قدر الله .. وسوف لا يكون هناك فائز وخاسر، بل سيكون الخسران هو مصير الجميع .. ولن يكون باذن الله الذي نؤمن بقدرته وعظمته ورحمته .. سبحانه هو الذي حمى مصرَ ويحميها إلى يوم الدين.