وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على عملية حفظ سلام قوامها نحو 26 ألف جندي بإقليم دارفور الواقع غرب السودان. ومن المتوقع أن يتم سحب نحو 7 آلاف جندي من قوة الاتحاد الافريقي الموجودة حاليا على الأرض. لكن من أين نأتي بباقي القوة؟ لقد نص قرار مجلس الأمن على ان تكون القوات من إفريقيا بشكل أساسي فالدول الغربية، مع استثناءات نبيلة قليلة، لا تفضل نشر قوات في الصراعات الإفريقية. وسيتم دعم هذه القوة على الأرجح بفرق جنوب آسيوية. وتلك هي طبيعة ما يمكن تسميته ب(فصل عنصري لقوات حفظ السلام). بيد أن الحاجة لجنود في وقت تنشر فيه الأممالمتحدة قوات حفظ سلام على الأرض اكثر من ذي قبل أعادت إلى الواجهة نقاشا حول ضرورة البحث عن حلول اكثر ابداعا. وأحد الاحتمالات المطروحة هو اللجوء إلى القطاع الخاص. فقبل 11 عاما، درس كوفي أنان، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لحفظ السلام في ذلك الوقت، فكرة استئجار شركة عسكرية خاصة لتأمين معسكر للاجئين الروانديين في غوما، إلا انه قرر استبعادها خشية أن لا يكون العالم مستعدا لقبول فكرة خصخصة السلام. اليوم، بات المتعهدون جزءا اعتياديا من المشهد العسكري؛ ففي العراق يشكل متعهدو القطاع الخاص ثاني أكبر فرقة عسكرية بعد الجيش الأميركي. وقد عرضت شركة واحدة فقط هي بلاكووتر تقديم خدماتها في دارفور. من هنا نقول ان الممارسة سبقت النظرية. ان الحكومات لم ترغب أو لنقل لم تستطع ان تتحكم في كيفية ممارسة لاعبي القطاع الخاص لسلطات من المعروف انها عامة، لا سيما المزعج منها أي اللجوء للعنف القاتل في بعض الاحيان. ان تاريخ المرتزقة، خاصة في إفريقيا، تسبب في ردود افعال متطرفة، وتزعم كثير من الدول جهلها بدور الشركات العسكرية الخاصة؛ ودول أخرى افرطت بشدة في ردود فعلها. جنوب إفريقيا، على سبيل المثال، مررت مؤخرا مشروع قانون يحظر على مواطني جنوب افريقيا العمل في مثل هذه الشركات وهو القرار الذي ربما ينهي عمل 600 جنوب افريقي في القوات البريطانية المسلحة، ويزيد صعوبة العمل الانساني في مناطق الصراعات. المتوقع خلال العقد القادم ان يلعب متعهدو القطاع الخاص دورا اكثر اهمية في إدارة الصراعات، ويرى اكثر المراقبين تفاؤلا لهذه الصناعة ان (كلاب الحرب) وهو المصطلح القديم الدارج لوصف المرتزقة، سنراهم في المستقبل هم (قطط السلام الأليفة). لكن كي نتجنب تلك المشاكل التي ظهرت في العراق، يتعين إيجاد نقاش أكثر تعقيدا حول المسئولية. ان أحد الأخطاء الشائعة في الفهم هو ان هذه الشركات تعمل في فراغ قانوني، وهذا ليس حقيقيا؛ فالقوانين الجنائية المحلية وقانون النزاعات المسلحة ينطبق عليها، لكن الذي يحدث غالبا انه لا توجد نية للتحقيق في الانتهاكات أو تحويلها إلى المحاكمة. وبالرغم من وجود عمليات حكومية بينية تتم، وأبرزها مبادرة الحكومة السويسرية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن أهم التطورات الأخيرة قادها أرباب الصناعة. ان صبغ هذه الصناعة بالصبغة المهنية الاحترافية كان له اثر قوي في السلوك الفردي، حيث تم تشكيل جمعيات مرتبطة بهذه الصناعة مثل الجمعية البريطانية لشركات الأمن الخاصة، وجمعية عمليات السلام الدولية. هاتان الهيئتان تعكسان رغبة بعض العاملين في المجال في تثبيت أقدامهم كمؤسسات شرعية، ومن ثم ترفع تكاليف دخول منافسين وفي الوقت نفسه تتيح رفع رسوم الخدمات المشابهة. قد لا تكون المقارنة ملائمة هنا مع نمط المرتزقة القديم أو الفيلق الأجنبي الفرنسي، ولكن يمكن المقارنة مع اكسون موبيل وتوتال وغيرها من المؤسسات متعددة الجنسيات التي تضطلع ببعض مهام الدولة التي يعملون بها. قد يصح القول بأن تعزيز الصناعة العسكرية الخاصة في أعقاب الازدهار الذي شهدته في العراق والذي أبرز مظاهره موجة الاندماجات وهيمنة الشركات الكبرى على الشركات الصغرى، سوف يشجع على المنافسة، ويحسن المعايير، ويقوي أنماط السلوك في هذا المجال. مع ذلك، ليس من المرجح أن يعالج التشريع ولا السوق كل المخاوف التي تثيرها فكرة خصخصة القوة العسكرية. وسواء تم في النهاية دعم قوات حفظ السلام في دارفور بوسائل خاصة ام لم يتم، فإن عدم وجود إرادة دولية لتوفير الموارد اللازمة لنشر الاستقرار في الدول الهشة فضلا عن وجود إرادة محلية لقصر استخدام القوة المسلحة تحت سيطرة الحكومة يعني أن المرتزقة سوف يواصلون دخولهم إلى السوق. ان أي نظرة براغماتية يجب ان تركز على وضع نظام حكم يوازن بين المصالح التجارية والمصلحة العامة، بين التشريع التطوعي والإجباري، يجب أن توافق القانون الدولي لتأسيس معايير قياسية ومؤسسات محلية تقوم بالاشراف على أنشطة الشركات وتعاقب مرتكبي الانتهاكات. أما في ظل غياب مثل هذا النظام، سيظل سوق الحرب يحكمه الإفلاس والموت فقط. *مدير برنامج سنغافورة للقانون بجامعة نيويورك.