واصل المئات من ضباط وأمناء الشرطة الملتحين والمتضامنين معهم اعتصامهم، للشهر الثاني على التوالي أمام وزارة الداخلية، مطالبين بسرعة تنفيذ أحكام القضاء، التي تقضي بعودتهم للعمل وحقهم في إطلاق اللحية. وأستنكر العقيد بكر جمعة أحد الضباط المعتصمين تجاهل وزارة الداخلية ورئاسة الجمهورية لمطالبهم المشروعة، خاصة وأنهم يملكون أحكام قضائية، وقال إننا لا نريد شيئا سوى احترام أحكام القضاء والتي تقضى بعودتنا إلى العمل مرة أخرى، وصرف كل مستحقاتنا المتأخرة، خصوصا أنه لا يوجد قانون أو حتى لائحة خاصة بوزارة الداخلية تجرم أو تمنع اللحية، وأعلن أنه وزملاؤه متمسكين بحقهم في إطلاق اللحية، وأنهم يعتبروها حرية شخصية والتزاما دينياً.
وفي السياق ذاته، فوجي المتابعين للموقع الإلكتروني لدار الإفتاء المصرية، بحذف واختفاء فتوى قديمة وشهيرة للشيخ جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق عن حرية إطلاق اللحية للمجندين.
وكانت فتوى الشيخ رحمه الله صدرت عام 1981، وكان وقتها يشغل منصب مفتي الديار المصرية، وجاءت الفتوى والتي تحمل رقم (1282 قسم الفتوى الإسلامية الرسمية) ردًّا على طلب وجه له من قسم القضاء العسكري، طالبوا فيه بيان الرأي عن إطلاق الأفراد المجندين اللحى، لوجود حالات لديهم.
وفيما يلي نص فتوى فضيلة الشيخ جاد الحق:
المبادئ:
1 - إطلاق اللحى من سنن الإسلام التى ينبغى المحافظة عليها.
2 - إتلاف شعر اللحية بحيث لا ينبت بعده جناية توجب المساءلة بالدية على خلاف فى مقدارها.
3 - إطلاق الأفراد المجندين اللحى اتباع لسنة الإسلام، فلا يؤاخذون على ذلك فى ذاته، ولا ينبغى إجبارهم على إزالتها، أو عقابهم بسبب إطلاقها.
إن البخارى روى فى صحيحه عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (خالفوا المشكرين، ووفروا اللحى، واحفو الشوراب) وفى صحيح مسلم عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (احفوا الشوارب واعفوا اللحى) وفى صحيح مسلم أيضا عن عائشة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (عشر من الفطرة قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم ( البراجم مفاصل الأصابع من ظهر الكف (بتصرف مختار الصحاح) ) ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء.
قال بعض الرواة وتسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضة). قال الإمام النووى فى شرحه حديث (احفوا الشوارب واعفوا اللحى) أنه وردت روايات خمس فى تلك اللحية، وكلها على اختلاف فى ألفاظها تدل على تركها على حالها، وقد ذهب كثير من العلماء إلى منع الحلق والاستئصال لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإعفائها من الحلق ولا خلاف بين فقهاء المسلمين فى أن إطلاق اللحى من سنن الإسلام فيما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فى الحديث السابق الذى روته عائشة (عشر من الفطرة).
ومما يشير إلى أن ترك اللحية وإطلاقها أمر تقره أحكام الإسلام وسننه ما أشار إليه فقه ( تحفة المحتاج بشرح المنهاج وحواشيها ج - 9 ص 178 فى باب التعزير ) الإمام الشافعى من أنه (يجوز التعزيز بحلق الرأس لا اللحية) وظاهر هذا حرمة حلقه على رأى أكثر المتأخرين.
ونقل ابن قدامة الحنبىل فى المغنى ( ص 433 ج - 8 مطبعة الامام فى باب التعزير ) أن الدية تجب فى شعر اللحية عند أحمد وأبى حنيفة والثورى، وقال الشافعى ومالك فيه حكومة عدل.
وهذا يشير أيضا إلى أن الفقهاء قد اعتبروا التعدى بإتلاف شعر اللحية حتى لا ينبت جناية من الجنايات التى تستوجب المساءلة، إما بالدية الكاملة كما قال الأئمة أبو حنيفة وأحمد والثورى، أو دية يقدرها الخبراء كما قال الإمامان مالك والشافعى.
ولا شك أن هذا الاعتبار من هؤلاء الأئمة يؤكد أن اللحى وإطلاقها أمر مرغوب فيه فى الإسلام وأنه من سننه التى ينبغى المحاظفة عليها.
لما كان ذلك كان إطلاق الأفراد المجندين اللحى ابتاعا لسنة الإسلام فلا يؤاخذون على ذلك فى ذاته، ولا ينبغى إجبارهم على إزالتها، أو عقابهم بسبب إطلاقها - إذ (لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق) وهم متبعون لسنة عملية جرى بها الإسلام.
ولما كانوا فى إطلاقهم اللحى مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز أن يؤثموا أو يعاقبوا، بل إن من الصالح العام ترغيب الأفراد المجندين وغيرهم فى الالتزام بأحكام الدين ، فرائضه وسننه، لما فى هذا من حفز همتهم، ودفعهم لتحمل المشاق، والالتزم عن طيب نفس حيث يعملون بإيمان وإخلاص.
وتبعا لهذا لا يعتبر امتناع الأفراد الذين أطلقوا اللحى عن إزالتها رافضين عمدا لأوامر عسكرية، لأنه - بافتراض وجود هذه الأوامر - فإنها – فيما يبدون لا تتصل من قريب أو بعيد بمهمة الأفراد، أو تقلل من جهدهم، وإنما قد تكسبهم سمات وخشونة الرجال، وهذا ما تتطلبه المهام المنوطة بهم.
ولا يقال إن مخالفة المشركين تقتضى - الآن - حلق اللحى، لأن كثيرين من غير المسلمين فى الجيوش وفى خارجها يطلقون اللحى ، لأنه شتان بين من يطلقها عبادة اتباعا لسنة الإسلام وبين من يطلقها للمجرد التجمل، وإضفاء سمات الرجولة على نفسه، فالأول منقاد لعبادة يثاب عليها، إن شاء الله تعالى، والآخر يرتديها كالثوب الذى يرتديه ثم يزدريه بعد أن تنتهى مهمته.
ولقد عاب الله الناهين عن طاعته وتوعدهم { أرأيت الذى ينهى. عبدا إذا صلى. أرأيت إن كان على الهدى. أو أمر بالتقوى. أرأيت إن كذب وتولى. ألم يعلم بأن الله يرى } العلق 9 - 14 ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
تاريخ الفتوى: شعبان 1401 هجرية الموافق 12/6/1981 ميلادياً
مفتي جمهورية مصر العربية الشيخ/ جاد الحق علي جاد الحق