وضعت الدولة قوانين لإدماج المعاقين فى المجتمع مثل ذويهم من الأسوياء؛ منها قانون العمل الذى تنص إحدى مواده على تشغيل نسبة 5% من المعاقين، وقرارات وزارة التربية والتعليم إدماجهم فى التعليم العام، إلا أن الحقيقة التى تتكشف باستمرار هى أن تلك القوانين والقرارات «حبر على ورق»، لاسيما فى مدينة ملوى بمحافظة المنيا. يرتفع عدد المعاقين فى محافظة المنيا، فيصل فى مدينة ملوى وحدها إلى نحو 15 ألف معاق، يخجل بعض أهاليهم عن الإعلان عن وجود معاق بينهم، خاصة فى الأسر التى بها بنت على «وش جواز»، فيضطرون إلى إخفاء أولادهم المعاقين. ومع ذلك فهم يجاهدون لتحصيل العلم؛ إذ جاءت الخطة الاستراتيجية لوزارة التربية والتعليم لإصلاح التعليم قبل الجامعى فى مصر (2007 - 2012) بالباب رقم 12، واشتملت على باب مخصص لدمج المعاقين فى التعليم العام، بالإضافة إلى القرار الوزارى رقم 94 لسنة 2009 بشأن قبول التلاميذ المعاقين بمدارس التعليم العام، الذى هو أمل فى الحياة وحق فى التعليم، لكن بجهود مركز نيل ملوى التابع لهيئة الاستعلامات والهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية واللجنة المنتخبة من ذوى الإعاقة؛ اتضح -ونحن فى منتصف عام 2010؛ أى بعد مرور 3 سنوات على الخطة وعامين على توقيع وتصديق مصر على الاتفاقية الدولية حول حقوق ذوى الإعاقة- أن الخطة والقرار الوزارى لم يُفعّلا على مستوى مصر، وكانت مدينة ملوى بمحافظة المنيا نموذجا لذلك!. دراسة ميدانية يوضح «محمد غلاب» مدير مركز نيل ملوى، أن قيادات وزارة التربية والتعليم شكّلوا لجنة خاصة لدمج المعاقين فى التعليم العام. وفى إحدى الحلقات النقاشية للمركز عن «حقوق المعاقين فى التعليم»، فجّر أحد المسئولين قضية عدم تفعيل الخطة الموضوعة عام (2007)، وأن القرار «حبر على ورق»؛ لذلك أعد المركز -بالتعاون مع قطاع التنمية بالهيئة القبطية الإنجيلية- برنامجا للتأهيل المرتكز على المجتمع بمحافظة المنيا واللجنة المنتخبة من ذوى الإعاقة، فى إعداد دراسة ميدانية لتحديد المشكلات التى تعوق دمج المعاقين، على أن تُبلوَر هذه الدراسة برصد الوضع الحالى بمنطقة ملوى نموذجا، مع إبراز التفاعل بين العوامل الشخصية «خلل - نقص كفاءة» والعوامل البيئية «حواجز - عوائق» التى ينتج منها إعاقة المعاقين عن الاندماج فى التعليم العام الرسمى. ويضيف «كيرلس كامل» من الهيئة القبطية الإنجيلية، أن الدراسة الميدانية أُجريت على معاقين وغير معاقين وأسرهم، وكشفت عن أن 20% فقط سمعوا عن الاتفاقية الدولية لحقوق المعاقين. وحتى هؤلاء تنحصر كل معرفتهم فى أن للمعاقين حقوقا عامة مثل باقى المواطنين، ولم يتطرق أحد إلى أى من النقاط الأساسية التى تركزت عليها الاتفاقية؛ ما يدل على عدم وعيهم. والسبب يرجع إلى عدم وجود أنشطة للهيئة بالتعاون مع اللجنة المنتخبة. ويقول إن هذا الأمر يحتاج فى الفترة المقبلة إلى التركيز على نشر هذه الثقافة ضمن ثقافة حقوق الإنسان من خلال كوادر مؤهلة لذلك، وتوفير أدوات معينة لأسر المعاقين تساعدهم على نشر هذه الثقافة. ويستطرد «كيرلس» أن الدراسة أثبتت أن 17% من العينة يعرفون القرار الوزارى بدمج المعاقين فى التعليم العام، فى حين أن 38% لا علم لديهم؛ إذ تُرسّل القرارات «داخليا» فى الوزارة، ثم المديريات، ثم الإدارات، ثم المدارس، ولا توجد آليات داخل المؤسسات التعليمية للإعلان عن تلك القرارات للمجتمع. وأكثر من ذلك.. لم تعلن أية مدرسة أو إدارة تعليمية عن القرار أو عن المدارس المرشحة لتنفيذ المرحلة الأولى؛ ما يدل على أن الأمر فى حاجة إلى إيجاد آلية لربط المدارس وما يدور بها وبأسر المعاقين. أرقام ونسب يشارك «نبيل عزت» (من الهيئة القبطية) فى عرض الدراسة بالقول إن 33.5% من أسر المعاقين يفضّلون التعليم بمدارس التربية الخاصة لعدم تشجيع الوضع الحالى للمدارس على الدمج. وترى قلة من أسر غير المعاقين تعليمهم بمدارس التربية الخاصة خوفا على أطفالهم من الأطفال المعاقين، وخوفا على أداء أبنائهم الأسوياء. أما نسبة ال64% من أسر غير المعاقين، فيرحّبون بدمج أبنائهم الأسوياء مع المعاقين، ويستثنون من ذلك الإعاقات الذهنية، خوفا من التأثير السلبى فى أبنائهم. ويلتقط طرف الحديث ثانية «محمد غلاب» مدير المركز ليشرح وضع المدارس، كما كشفته الدراسة التى أجريت على 62 مدرسة بملوى فى مناطق ريفية وحضرية بها قلة من المعاقين، ولا يعرفون الكثير عن قرار الدمج حتى بالنسبة إلى إجراءات القبول بالمدارس التى لم تكوّن أى منها لجانا لإجراء التقييم الطبى والنفسى والتربوى للأطفال المعاقين للالتحاق بالتعليم، كما نص قرار وزير التربية والتعليم رقم 94 لسنة 2009، وكما نصت المادة (3) على أن يكون إجراء هذا التقييم من قبل لجنة مكونة من طبيب التأمين الصحى وممثل لإدارة التربية الخاصة من المديرية والإدارة واختصاصى اجتماعى ومدرس تربوى؛ لتحديد الاحتياجات والمعينات التربوية المساعِدة على عملية الدمج، بل اعتمدت المدارس فى قبول الأطفال المعاقين على لجان تقليدية مكونة من وكيل المدرسة والمدير وأحد المدرسين، ولم تتبع الشروط المطلوبة فى القرار، ومنها ألا تكون الإعاقة مزدوجة، وألا تقل درجة ذكائه عن 52 درجة، ومراعاة الصحة النفسية للطفل ونتائج اختبارات السلوك التكيفى، وألا يقل مقياس السمع عن 70 ديسبل. وبالإضافة إلى ذلك، اكتشفت الدراسة خلو المدارس من التدابير المتخذة لتنفيذ سياسة الدمج بعدم توفير الأنشطة لهم والاعتماد على الأنشطة المدرسية العادية.