الإحباط العام من الفساد كان أحد العوامل الدافعة للانتفاضات العربية التى خرجت لإزاحة أنظمة فاسدة، كما تقول صحيفة «دايلى ستار» الأمريكية. وبعد مرور عامين على هذه الانتفاضات، لا تزال الدول العربية تكافح من أجل محاربة منظومة الفساد التى ورثتها عن أنظمة استبدادية مثل أنظمة مبارك وبن على والقذافى، التى استطاعت أن تحول الفساد من سلوك إلى منهج حياة. وفى هذا الإطار، وقّعت مصر مؤخرا اتفاق تعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائى الذى يتضمن تعاون الأممالمتحدة مع اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، وتقديم خدمات استشارية وتقنية للجنة لإنشاء قواعد بيانات عن جرائم الفساد وسبل مكافحته، ومنهجية وضع استراتيجية وطنية لمكافحته فى مصر. يأتى ذلك فى الوقت الذى كشف فيه التقرير السنوى الأخير لمنظمة الشفافية العالمية -الذى صدر الشهر الماضى- عن تراجع مصر ست درجات لتحتل المرتبة ال118 فى قائمة الدول التى كافحت الفساد، التى تضم 176 دولة. وقد كان التقرير محبطا للعديد من الدول العربية؛ فقد تراجعت تونس درجتين فاحتلت المرتبة ال75، وسجلت ليبيا تراجعا ب8 درجات لتحتل المرتبة ال160. أما سوريا فتراجعت 15 درجة فاحتلت المرتبة ال144 فى القائمة. ولم تكن الدول التى لم يزرها «الربيع العربى» بأفضل حالا فى التقويم؛ إذ احتلت العراق المرتبة ال169، وجاءت الجزائر فى المرتبة ال105، كما سجلت المغرب تراجعا بمقدار 6 درجات لتحتل المرتبة ال88. وتختلف التقديرات حول حجم «فاتورة» الفساد التى تسددها الدول العربية سنويا؛ إذ قدَّرتها «المنطقة العربية لمكافحة الفساد» بتريليون دولار، وهو ما يعادل ثلث الدخل القومى العربى خلال النصف الثانى من القرن العشرين، فيما تراوحت تقديرات «البنك الدولى» بين 300 و400 مليار سنويا، كما كشفت «منظمة النزاهة العالمية» أن 36% من المواطنين العرب يضطرون إلى دفع رشاوى لمسئولين حكوميين. وحسب المنظمة نفسها، فإن مصر تخسر 6 مليارات دولار سنويا بسبب الفساد الحكومى. ويمثل غسيل الأموال وتهريبها وجها بارزا من وجوه الفساد، وتحتل فيه الدول العربية الصدارة برصيد 25 مليار دولار سنويا (2% من إجمالى الناتج العربى). وبحسب تقارير دولية، صدرت عقب «الربيع العربى» فإن 50% من حجم الأموال غير المشروعة المهربة من قارة إفريقيا مصدرها 3 دول عربية؛ هى: مصر، والجزائر، والمغرب. وقد كان للربيع العربى الفضل فى رفع الستار عن ملف الأموال المهربة إلى الخارج التى قدرها البنك الدولى ب300 مليار دولار. وبلغ حجم ما هُرّب من مصر خلال 30 عامًا هى فترة حكم مبارك؛ ما يقدر ب3 أضعاف موازنتها العامة، فيما تجاوزت فى ليبيا 60 مليارا لم تعرف وجهة غالبيتها حتى الآن حسب ما أفاد به المؤتمر الوطنى الليبى. لكن مَن يدفع «فاتورة» هذا الفساد الممنهج الذى تحول من فساد «تافه» على مستوى الأفراد يتمثل فى دفع رشوة لاستخراج تصريح أو رخصة قيادة، مثلا -كما تقول صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور»- إلى فساد هيكلى وصل إلى أعلى المستويات وأكبر الرءوس؟! «فاتورة» هذا الفساد يدفعها المواطن العربى بين ضياع لفرص التنمية، وتخلف للبنية التحتية، وزيادة للمديونية، علاوة على ارتفاع معدلات البطالة التى تتراوح فى الوطن العربى من 25% إلى 30% بجانب ارتفاع نسبة الفقراء؛ إذ يعيش أكثر من 100 مليون عربى تحت خط الفقر.