مع اقتراب العام الدراسي الجديد، الذي يوافق الثاني من سبتمبر امتلأت الأسواق والمحال التجارية في مدن الضفة الغربية بآلاف المواطنين، ممن جاؤوا من شتى الأحياء والقرى والبلدات لشراء ما يحتاجه أبناؤهم من مستلزمات السنة الدراسية الجديدة من حقائب وقرطاسية. وقد بدت المنافسة شديدة بين بائعي مستلزمات المدرسة، الذين حاول كل منهم جذب الزبائن لمحله التجاري من خلال العروضات التي قدمها على البضائع، بينما تبدو وطأة الأحوال الاقتصادية الصعبة على السلوك الشرائي للمواطنين. زبائن معسرون وتقول المواطنة "أم أمجد"، التي لديها خمسة أطفال، إنّ كثرة المنافسة تحدث انخفاضاً في الأسعار، لذلك "فإنّ عليّ أن استفسر عن الأسعار لدى جميع البائعين، فاشتري ممن يبيع أرخص، فالوضع الاقتصادي الصعب يدفعنا لذلك"، ومع ذلك تضيف أنّ الأسعار "غالية ومرتفعه جداً وخيالية"، مقارنة بالعام الماضي. وتبدي المواطنة "أم إياد" من مخيم بلاطه المحاذي لشرقي مدينة نابلس، حزنها الشديد لعدم مقدرتها على تلبية كل طلبات أطفالها الثلاثة مع افتتاح المدارس، لأنّ زوجها عاطل عن العمل منذ عام، حيث اضطرت لاقتراض مبلغ من المال من أحد أقاربها لتتمكن من شراء اللوازم المدرسية، وهي الآن تبحث عن أحد التجار الذي يقبل التعامل بالديْن لاستكمال ما نقص من مستلزمات المدرسة. أما التاجر أبو محمد المصري، وهو صاحب معرض للحقائب المدرسية، فيشرح "من يرى السوق وهي تغصّ بالمواطنين يظنّ أنّ الحركة الشرائية أُنشئت لهذا، لكنّ المواطنين على كثرتهم لا يشترون إلاّ المتطلبات الضرورية، ويُتعِبون البائعين في المفاصلة على الأسعار"، وفق شكواه. وفي ما تكتظ الأسواق؛ فإنّ ما بدا ملحوظاً على غير العادة؛ أنّ شوارع نابلس وجنين وسلفيت لم تفترشها البسطات وبضائعها التي تجذب الزبائن، بسبب قيام بلدية نابلس بتنظيم البسطات وإنهاء "حالة الفوضى"، وبسبب ارتفاع الأسعار مع اقتراب العودة للمدارس، واقتراب حلول شهر رمضان، والمواطنون يشكون في العادة من أنّ ما يسمونه "جشع بعض التجار" قد ساهم أيضاً في خفض القوة الشرائية والارتفاع الخيالي للأسعار. وكما هو الحال مع الجميع ممن لديهم أطفال في المدارس؛ تعاني المواطنة خولة جبريل، من ارتفاع الأسعار والتكاليف، من ملابس وتجهيزات مدرسية وصولاً إلى أقساط المدارس والمواصلات، وتقول "الوضع صعب للغاية، وأنا لوحدي، لكني لا أنكر وقوف أهلي معي، لكن كل واحد همّه يكفيه"، وفق ما تشرح الأم الفلسطينية. فقر .. وبيع مصاغ من بين الذين اكتظت بهم الأسواق المواطنة "أم معاذ"، التي لم تتوقع أن تبيع عقد الذهب الذي أهدي لها من إخوتها بمناسبة زواجها، والذي يقدر ثمنه بحوالي مائتي دينار. وقد فعلت الأم الفلسطينية ذلك حتى تتمكن من توفير المستلزمات المدرسية لأبنائها, بينما أبقت على مهرها من الذهب للأيام الآتية، حيث فقد ربّ الأسرة مصدر رزقه نتيجة الحصار والإغلاق المطبق على المناطق الفلسطينية المحتلة سنة 1967، ورفض الاحتلال إعطاء تصريح عمل لزوجها في الأراضي المحتلة سنة 1948، وتتساءل "الكلّ يبكي لحال الموظفين عند تأخير رواتبهم، أما العمّال العاطلون عن العمل فلا بواكي لهم". وأضافت "أم معاذ" شارحة "بعد عدة أيام سيبدأ العام الدراسي الجديد, ونحن مطالَبون بتوفير كافة لوازم المدرسة من ألبسة وكتب وقرطاسية ورسوم مدرسية وخلافه, ولكن لا يوجد لدينا مقابل مادي لهذه الأشياء, فاضطررت إلى بيع العقد (الذهبي) لأوفِّر هذه الأشياء". ومن المقرّر أن يبدأ العام الدراسي الجديد في الضفة الغربية وقطاع غزة، في الثاني من سبتمبر وسط أوضاع اقتصادية صعبة تعيشها الأسر الفلسطينية، الملقى على عاتقها كافة متطلبات أبنائها، رغم شح المصادر المالية وندرة فرص العمل. وسيلتحق هذا العام نحو مليون ومائة وخمسين ألف تلميذ وتلميذة بمدارس الضفة والقطاع، بينما يمثِّل عدد طلبة قطاع غزة منهم نحو 40 في المائة (455 ألف طالب وطالبة). ارتفاع نسبة البطالة وتشير التقارير إلى استفحال ظاهرة البطالة في المجتمع الفلسطيني، مع ازدياد كبير في حجم الأسر التي تعيش تحت خط الفقر, خاصة في ظل الأزمة الخانقة التي يعيشها الاقتصاد الفلسطيني، وعدم القدرة على تحقيق الأمن الاقتصادي عند شرائح المجتمع الفلسطيني المختلفة، في ضوء الممارسات العدوانية التي ينتهجها الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني وفرض سياسات الحصار الخانق والعقوبات الجائرة عليه. وتفكر المواطنة رحمة عطا الله، في كيفية توفير المال لشراء المستلزمات الدراسية لأبنائها الأربعة، منذ أن انتهى العام الدراسي المنصرم قبل نحو ثلاثة شهور, لأنها كانت على يقين أنه لن يطرأ تغير على وضع زوجها المالي, الذي انضم إلى جيوش العاطلين عن العمل منذ أكثر من ستة عشر شهراً، فكان لا بد من بيع جزء من مصاغها كما فعلت العام الماضي، حسب ما ذكرت لمراسل "المركز الفلسطيني للإعلام". وتضيف الأم الفلسطينية "رغم الوضع الاقتصادي المزري الذي نعيشه؛ إلاّ أنني مصرّة على أن يكمل أبنائي تحصيلهم العلمي مهما كلفني ذلك, وسأبيع كل ما أملك وأستدين من أجل أن أراهم يجلسون على مقاعد الدراسة كغيرهم من الطلاب، لأنهم بعلمهم سيستطيعون إن شاء الله من تحرير أرضنا وقدسنا"، وفق ما تقول. الجمعيات الخيرية أما "أم حسن"، فتنتظر الفرج الذي تبدو واثقة أنه قريب، حيث يقوم بعض الخيرين وميسوري الحال والجمعيات الخيرية بإرسال بعض المستلزمات المدرسية كل عام للعائلة، وتضيف "شعبنا فيه الخيِّرون الكثيرون، وأنا لن أيأس من روح الله، وإن بقيت بعض الأشياء من لوازم مدرسية فسنقوم باستدانتها، فهناك بعض التجار الذين يتفهّمون وضعنا ويقبلون بالتعامل معنا بالديْن، الى أن يفرِّجها الله على الجميع". ولكنّ "أبا أحمد"، الذي يعمل في جمعية خيرية، فيقول إنّ ما تقوم به هذه الجمعيات لا يمكن أن يغطي حاجيات المدارس للعائلات التي تضمّ أكثر من ثلاثة تلاميذ، حسب تقديره. ورغم الوضع القاسي الذي تمرّ به الأسر الفلسطينية خلال هذه الأيام، حيث تتزامن مستلزمات افتتاح المدارس مع مستلزمات شهر رمضان الفضيل؛ إلاّ أنّ الأم الفلسطينية تثبت من جديد قدرتها على بعث ديمومة حياة سوية لأبنائها، من خلال بذلها الغالي والنفيس، حتى تستمر مثابرتهم وتبقى عجلة عطاء الشعب الفلسطيني تدور في اتجاهها الصحيح.