منذ أن قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير وكل الآمال معلقة بها وجميع القلوب واجفة تخفق خوفا على مستقبلها وتنبض إشفاقا على مصيرها. كل الآراء تطرح: الصريحة والملتبسة. الخائنة والمخلصة. الشجاعة والجبانة. المتحمسة والمتخاذلة. لكنها تطرح إما مسكوبة على الورق أو مبثوثة من فم الشاشات أو طائرة على موجات الأثير. لكن فى كل الحالات يعلو الصراخ. يجأر البعض ويعوى البعض ويتشنج البعض فى سوق الكلام. الكل يحاول أن يحشد وأن يجمع وأن يجند لا يهم بالصوت. بالطوب. بالمولتوف والنيران وبالأسلحة مما تيسر. الأصوات الهادئة تضيع والطيبة تضل والراشدة تتحشرج وتبّح بها حلوق أصحابها فتتلاشى وسط ضجة الغوغائية وصرخات الديماجوجية وتشنجات محترفى الشوشرة وتجار الكلام وسمساسرة المزايدات. ميادين مصر وشوارعها تحولت إلى اعتصامات وتظاهرات وعصيان مدنى هو الشلل التام والخمود بلا حركة والموت انتحارا كبديل. وكل ذلك يسمى شاهدا على شىء واحد فقط أصبح هو الحقيقة ولا حقيقة غيره ألا وهو أننا فى مبارزة الصراخ هذه سوف نظل نصرخ ونصرخ ونتساقط تباعا كل حسب طاقته ووفق قدرته على المواصلة ولكن إلى حين. إلى اللحظة التى سوف يسقط فيها الجميع والتى عندها يعلنون عن بدء تقسيم الوطن. والمسرح.. الفن الوحيد الديمقراطى فى ذاته وبذاته. بنشأته وبمسيرته ودوامه وأصول فنيته وقواعده كان دائما مقلقا للطغاة مهددا لراحة الفاسدين ونذيرا لكارهى الديمقراطية وأعدائها. كما أنه كاشف للصوص فاضح للمرتشين مروع للجناة ولذلك يخشونه جميعا ويتفقون معا على الحذر منه. مثلما يحاربه سدنة الجهالة ودعاة الظلام وأصحاب اليد المرتعشة والأميون.حيث يبدو أنهم جميعا فى مصر قد اتفقوا عليه وتآمروا فعرضوا له الموظفين وعرضوه لهم ثم تركوه لغبائهم وأسلموه لجهالتهم وائتمنوا عليه مكرهم وارتجافهم فكانت النتيجة أن أغلقت أبوابه القليلة التى بقيت مفتوحة بعد أن التهم الحريق مسرح الأزبكية وأغلقت التحسينات التى لا تنتهى مسرح السلام مثلما أوصدت أبواب بقية المسارح الفقيرة فى الإسكندرية وعواصم المحافظات. كما أتى التجريبى المفتعل فى أعوامه الثلاثة والعشرين على ملايين الدولة وعلى ذائقة الجمهور وعلى مواهب الكتاب أصحاب الرأى وجنود الكلمة. والآن يواصل ورثة الوزارة القديمة وحماة الدولة البائدة الفاسدة وأعداء الثقافة البالية رسالة سادتهم وأربابهم وكهانهم فى ضرورة ووجوب تنكيس أعلام المسرح المصرى بالمبادرة السريعة إلى إظلام العروض الناجحة حتى ولو لم تتكلف سوى رواتب أصحابها وعرقهم وسهر لياليهم. لأن المسرح المظلم يسعد أبصارهم ويشرح قلوبهم. ولأنهم يمارسون لذة تعذيب المبدعين وشهوة اضطهاد وترصد الموهوبين فلم يتركوا منهم أحدا دون أن يصيبوا أمنياته ويدموا أحلامه بأيدى موظفيهم / عملائهم المرتعشة وبأفكارهم المريضة وأمزجتهم المتسلطة ورءوسهم الفارغة وعقولهم المجدبة من أى خيال. ذلك هو واقع المسرح المصرى الآن , منكس الأعلام..مطفأ المصابيح. معلنا حالة الحداد ولسان حاله يقول لهم كما قال الشاعر: خلا لك الجو فبيضى وصفرى. فهل يعلن المسرحيون غضبتهم وهل لفنّهم ينتفضون ؟! وعذرا لعدم الكتابة عن كل تلك العروض البديعة الموقوفة التى لم يمكننا حجم الصفحة من الكتابة عنها بمفردها والتى لا يتقاضى فرسانها عنها مكافأة ولا حافزا ولا مقابل سوى أنهم بدونها يموتون. وأيضا لم يكن القصد كتابة نقد بل إطلاق النذر تعلن أنهم يطفئون أضواء المسرح..وينكسون راياته متعمدين!