تسارعت الأحداث فى تونس بنسبة كبيرة، واختلطت الأمور فى الشارع السياسى، وأصبحت البلاد مهددة بالدخول فى موجة من العنف والقتل والتخريب؛ فقد جاء اغتيال المعارض اليسارى البارز شكرى بلعيد لينشر الشكوك نشرا ضد الحكومة وحركة النهضة، مع تعرض الحكومة الائتلافية لتصدعات مؤثرة. هناك من يزرع الفتنة فى تونس، ويفعل ذلك بحسابات دقيقة توقع أن تزلزل المشهد السياسى، وهو ما حدث؛ فقتل طرف مجهول زعيما يساريا معارضا للإسلاميين ولحركة النهضة صاحبة الأغلبية فى المجلس التأسيسى؛ رد الفعل المنطقى والطبيعى عليه هو أن تسارع وسائل الإعلام والقوى المعارضة والكارهة للإسلاميين والرافضة لهم إلى اتهام الإسلاميين بقتل الرجل. وكان منطقيا أيضا أن يكون ضمن ردود الأفعال، تعبئة كبيرة للشارع التونسى ضد حركة النهضة وحزبها، وكذلك خروج التظاهرات المنددة بحركة النهضة وبالإسلاميين جميعا، ولجوء البعض إلى إحراق بعض مقار الحركة. خطط لإسقاط «النهضة» فمن خطط للحادث خطط لأن تسارع المعارضة العلمانية إلى اتهام حركة النهضة بعد ساعات قليلة من الحادث، وقبل أن تسفر التحريات والتحقيقات عن أى نتائج، كأن الاتهام كان جاهزا وكأن القتل أيضا كان مطلوبا؛ ما يلقى بظلال كثيفة من الشك على أهداف من فعل ذلك، فكان الأليق بالمعارضة عدم الانسياق وراءها. اغتيال بلعيد زلزل تونس اغتيال بلعيد كان حادثا مزلزلا للمجتمع التونسى؛ لأن تونس منذ استقلالها عام 1956م، لم تعرف غير محاولة اغتيال سياسى واحدة تمثلت فى استهداف صالح بن يوسف الرجل الثانى فى الحزب الدستورى، الديوان السياسى، فى سويسرا سنة 1961م. وفى عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن على، تعرّض صحفى تونسى كان يعمل فى النسخة العربية من جريدة «لوموند ديبلوماتيك» الفرنسية لمحاولة اغتيال باءت بالفشل؛ لذلك فإن ردود فعل التونسيين كانت قوية بعد اغتيال بلعيد؛ لأن الاغتيال السياسى فى تونس ظاهرة غريبة على حقل الممارسة السياسية فى البلاد. ومن تداعيات الأزمة، أن خرج حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» الذى ينتمى إليه الرئيس التونسى المنصف المرزوقى، بقرارين متناقضين فى ظرف يومين متتالين بخصوص الموقف من تحالفه مع حركة النهضة. إذ أعلن حزب المؤتمر، أولاً، سحب كل وزرائه من الحكومة، فى خطوة كانت توحى بأن الحزب حاول بها القفز من السفينة الحكومية التى بدت على شفا الغرق، وإعلان رئيس الحكومة عزمه تشكيل حكومة كفاءات «تكنوقراط» غير حزبية. لكن الحزب ما لبث أن أعلن، بعد يوم واحد، أن قراره النهائى بالانسحاب من عدمه سيُعلَن عنه فيما بعد، وهى خطوة الهدف منها انتظار عقد اجتماع كان مقررا لمجلس الشورى فى حركة النهضة الذى قد يتمسك بتحالفه مع المؤتمر ويقدم له التنازلات المطلوبة. المؤكد أن موقف حركة النهضة كان له تأثير مباشر فى موقف حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» الذى تراجع عن تلويحه بالانسحاب، وفضل الاستمرار فى مشاورات التعديل الوزارى؛ فقد أعلن محمد عبو الأمين العام لحزب «المؤتمر» أن قادة من «النهضة» اتصلوا به ودعوه إلى «اجتماع من أجل المصلحة العامة للبلاد، والتزموا بتنفيذ كل ما طلبه المؤتمر». ومن ناحية أخرى، قال محمد عبو إن حزبه يعارض قرار رئيس الوزراء حمادى الجبالى تشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية، دون استشارة أحزاب الائتلاف الثلاثى الحاكم؛ «فنحن ضد حكومة تكنوقراط؛ لأنها قد تعيد عناصر من النظام السابق إلى الحكومة». ويحاول حزب المؤتمر أن يظهر فى صورة الحزب الذى يرعى مبادئ الثورة، وقدم فى وقت سابق مقترحا لتمرير قانون للعزل السياسى ضد كل من عمل مع بن على، وكان المجلس التأسيسى سيصوت عليه يوم 6 فبراير، لكن حادثة اغتيال بلعيد حالت دون ذلك. الجدل حول تشكيلة الحكومة القادمة لكن حركة النهضة حتى الآن لم تحسم أمرها بالنسبة إلى الحكومة القادمة؛ هل هى حكومة تكنوقراط؟ أم حكومة سياسية؟؛ فرئيس الوزراء حمادى الجبالى قدم مبادرة لتشكيل حكومة تكنوقراط من الكفاءات من مختلف الاتجاهات السياسية، وهو ما يرفضه زعيم الحركة راشد الغنوشى بقوله: «إن أية حكومة من التكنوقراط ليس لها مستقبل بعد أن رفضتها الأحزاب السياسية فى تونس». ويضيف الغنوشى: «إن حركة النهضة يمكن أن تغادر الحكم نهائيا إذا أصر رئيس الوزراء حمادى الجبالى على حكومة كفاءات (تكنوقراط غير سياسية)». وقد لقيت مبادرة حمادى الجبالى ترحيبا واسعا من غالبية الأحزاب السياسية التونسية، خاصة أحزاب الوسط التى رأت فيها خطوة إيجابية على طريق حل الأزمة السياسية. لكن اليسار المتشدد رفض المبادرة واعتبرها «حلا ترقيعيا» لأزمة عميقة تتعدى مجرد التعديل الحكومى وتوزيع الحقائب الوزارية، إلى المراجعة الشاملة للأسس التى ينبغى أن تقوم عليها فلسفة الحكم. وبقدر ما رحبت غالبية أحزاب المعارضة بقرار الجبالى، رفضته حركة النهضة رفضا مطلقا، بل اعتبرت أن أمينها العام اتخذ قرارا انفراديا خارج مؤسسات الحركة التى تبقى غير ملزمة به. رئيس الوزراء وأمين عام حزب النهضة حمادى الجبالى، متمسك بقراره تشكيل حكومة تكنوقراط من الكفاءات التونسية المتعددة، بعيدا عن المحاصصات الحزبية التى شلت فاعلية الحكومة الحالية، ويؤكد أنه سوف يستقيل إذا فشلت مبادرته، فيما يريد الشيخ راشد الغنوشى استمرار الحكومة الحالية للحفاظ على «الترويكا» الحاكمة، التى تضم تحالفا من الإسلاميين والعلمانيين؛ لأن تشكيل حكومة غير حزبية قد يفكك التحالف ويدخل البلاد فى فراغ حكومى؛ ما سيفضى إلى تفاقم الأزمة. ويبدو أن حزب المؤتمر اقتنع بحجج الغنوشى؛ ما اضطره إلى التراجع عن مواقفه، وأبقى وزراءه فى الحكومة؛ فقد أوضح الغنوشى للرئيس المرزوقى أن سحب الوزراء الثلاثة فى الحكومة سيسحب حتمًا منصب الرئيس من الحزب وزعيمه. ----------------------------------------------------------- «أونروا» تتسول 300 مليون دولار لإطعام وتشغيل 750 ألف فقير فلسطينى! أطلقت وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، مناشدة استغاثة طارئة بقيمة 300 مليون دولار أمريكى لإطعام وتشغيل أكثر من 750 ألف فقير فلسطينى يعيشون فى غزة والضفة الغربية. وجاءت استغاثة «أونروا» بالمجتمع الدولى لتوفير الدعم المالى اللازم لها فى ظل وجود ثلاثة أرباع مليون من المنتفعين الفقراء فى قطاع غزة يعيشون أوضاعا صعبة جدا بعد ستة أعوام من الحصار. ووفق بيان ل«أونروا»، سيُوجّه الجزء الأكبر من المناشدة (78 مليون دولار) إلى المساعدات الغذائية لصالح ما يقرب من ثلاثة أرباع مليون من المنتفعين الفقراء فى قطاع غزة. ومن جهتها، قالت مارجوت إليس نائب المفوض العام، فى مؤتمر صحفى فى القطاع: «كما يتداعى القادة السياسيون والجهات المانحة إلى الاستجابة للكوارث الطبيعية الجديدة فى جميع أنحاء العالم، إلا أن الأزمة الإنسانية التى هى من صنع الإنسان هنا فى غزة والضفة الغربية؛ لا تزال قائمة وتتفاقم مع عدم وجود أى علامة على التراجع بعد أكثر من ستة عقود». وتابعت: «إن نقص التمويل للخدمات الأساسية والضرورية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، أصبح حقيقة واقعة رغم الاحتياجات الأساسية المتزايدة للفلسطينيين، خاصة اللاجئين، مع عدم وجود حل للنزاع فى الأفق». وبدورها، تحدثت مديرة دائرة الإغاثة والخدمات فى «أونروا» مارثا مايرز: «لقد انتقل الفلسطينيون من كونهم من دول العالم الثانى على مدى السنوات ال30 الماضية ليصبحوا من بلدان العالم الثالث فى غزة وخارج مقاطعة رام الله فى الضفة الغربية. وهم فى تراجع مستمر بلا توقف، مع قدرة على الإنتاج والإبداع مقيدة بسبب الحصار وحصد الأرواح وتقويض المجتمع، وتطلعات إلى الوفاق السياسى؛ ما يقلل فرص التوصل إلى نتائج إيجابية». وقالت: «سوف تمول مناشدة (أونروا) أيضا برامج الصحة النفسية المجتمعية والتدخلات الصحية فى حالات الطوارئ، بالإضافة إلى مبادرات المياه والصرف الصحى فى قطاع غزة والضفة الغربية». وفى معرض الحديث عن الحاجة الملحة لهذا النداء، قال مدير عمليات «أونروا» فى غزة روبرت تيرنر: «تعتبر (أونروا) الملاذ الأول للعديد من المنتفعين لدينا لطلب الحصول على المساعدة؛ لذلك هناك حاجة ماسة لهذه المساعدات». تجدر الإشارة إلى أنه موّل مجتمع المانحين نصف مناشدة «أونروا» الطارئة فقط لعام 2012؛ الأمر الذى أفضى إلى مزيد من التأثير السلبى فى الفقراء الفلسطينيين من اللاجئين.