فى 14 أبريل عام 2000، كتب «بول سوينى» فى مجلة «POLITICS السياسة» تحت عنوان «تأثيرات الدومينوز» أو «ما وراء الدومينوز» The Domino"s Effect، يكشف عن خلل كبير فى دور مؤسسة التمويل الدوليةThe International Finance Corporation التابعة للبنك الدولى، يتعلق بدعمها مشاريع للأثرياء بدل دورها الأساسى فى محاربة الفقر حول العالم، بل ويؤكد أن منتجع الجونة الذى يشبه مستعمرة أو دولة مستقلة بالمعنى الحقيقى للكلمة فى الغردقة؛ أخذ قروضا كبيرة من البنك الدولى بدلا من أن تذهب هذه الأموال إلى الفقراء!. قد يبدو عنوان المقال الذى نشرته المجلة غريبا، لكنه يحمل بين طياته الكثير؛ فمؤسسة التمويل الدولية المفترض أنها تابعة للبنك الدولى، ووظيفتها محاربة الفقر فى العالم؛ تصب ملايينها بدلا من ذلك فى الفنادق الفخمة، وتطور مطاعم «دومينوز بيتزا» لزيادة امتيازاتها حول العالم!. «الجونة» هو مشروع ساويرس الذى كلفت إقامته 500 مليون دولار، وهو منتجع فاخر على ساحل البحر الأحمر، وبه مجمع يضم ستة فنادق فاخرة (شيراتون ميرامار) وحمامات سباحة، كما يشمل ملعبا للجولف به 18 حفرة، يصل النزيل إليه من طريق خاص عبر اليخت، ومرفأ قادرا على استيعاب 66 قاربا و«لانشا» بحريا، وبه ملعب من الطراز الأول خاص بالأثرياء. لكن المفارقة هى أن هذا المنتجع الفاخر (الجونة) يشارك دافعو الضرائب حول العالم كما تقول مجلة «POLITICS» فى تمويله؛ إذ إن «الجونة» قد تلقى قرضا مباشرا بقيمة عشرين مليونا و37 ألف دولار دعما آخر من كل فروع مؤسسة التمويل العالمية التابعة للبنك الدولى، التى تكرس نفسها لتعزيز استثمارات القطاع الخاص فى الأسواق الناشئة!!. مؤسسة التمويل الدولية لم تكتف بهذا، بل أعطت مشاريع أوراسكوم والتنمية السياحية والشركة المصرية للتنمية الذى تدير فنادق لها فى الجونة؛ حصة قدرها 4 ملايين دولار، منذ سنوات.
أولويات منحرفة بالطبع، هذا نوع من الأولويات المنحرفة كما يقول «بول سوينى» وهى التى تجلب آلاف المحتجين إلى شوارع واشنطن؛ فالمديرون التنفيذيون للبنك الدولى يجتمعون فى 16 و17 أبريل من كل عام، وفى الوقت ذاته تصل التقارير إلى البنك تؤكد أن أكثر من ثلث السكان فى العالم يعيش الفرد منهم بأقل من دولارين فى اليوم، كما أن نصف سكان العالم البالغين لا يُجرى الفرد منهم اتصالا هاتفيا فى اليوم؛ لهذا نجد أعدادا متزايدة من النقاد والمحتجين، ومنهم منظمات غير حكومية، ونرى أن مجموعات للتجارة الدولية وأعضاء من الكونجرس وبعض الحقوقيين، يتساءلون مستنكرين عما إذا كانت مثل هذه المشاريع (الجونة) هى أفضل استخدام لتنمية المال فى العالم!.
تمويل الأثرياء لتقليل الفقر! زعمت بعثة تابعة لمؤسسة التمويل الدولية مكونة من 1500 شخص.. زعمت مرة أن هذه المشاريع هى «لتشجيع استثمارات القطاع الخاص فى البلدان النامية؛ الأمر الذى سيقلل الفقر ويحسن حياة الناس»، واعتبروا هذا «هدفا ساميا»!. وفى المقابل، نجد ردود النقاد على المؤسسة الدولية تؤكد أنه لا مانع من إقامة هذه المشاريع، لكن بمستوى أقل رفاهية مما هى عليه، وأنه تختص وكالة للشركات المتعددة الجنسيات فى البلدان النامية، بأعمال الترف والرفاهية تلك، وهى مزدهرة من تلقاء نفسها. وكان يجب على محفظة مؤسسة التمويل أن تدعم وتمول محطات استخراج البترول والتنقية والتعدين ومشاريع البنية التحتية فى إفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية. ويقول منتقدو أمريكا وأوروبا الشرقية، إنه من المرجح ألا تفعل شيئا يذكر للضرر الذى يلحق بالبيئة أو لمساعدة الفقراء. وتقدمت وكالة بشكوى ضدهم تقول فيها: «يجب على مؤسسة التمويل أن تحظر الإقراض للصناعات والشركات المريبة والفظيعة، مثل صانعى الأسلحة، ومصانع الذخائر، ومزارعى التبغ والتقطير»، لكن يبدو أن مؤسسة التمويل الدولية لديها موهبة خارقة فى تمويل المشكوك فيهم. ويتحدث المنتقدون أيضا عن أنه يجدر بالمؤسسة أن تأخذ تعهدات على «مصانع تعبئة كوكاكولا ومصانع الجعة والبيرة، ومزارع الزهور فى إفريقيا التى دمرها الجوع للتصدير إلى أوروبا» وعلى مطاعم البيتزا. ففى عام 1998 استثمرت مؤسسة التمويل أكثر من 780 ألف دولار لمساعدة «دومينوز بيتزا» على التوسع من متجرين فقط إلى عشرين متجرا فى جنوب إفريقيا. وهنا جاء الانتقاد، وبسخرية من «أندريا دوربين» (مدير برنامج دولى لواشطن)؛ إذ قال: «لا يقدمون خدمات جديدة ولا فوائد صحية، لكنهم أصدقاء لأمريكا وللأرض؛ لهذا (هم يقدمون البيتزا)»، ويضيف «دوربين» أنه على مؤسسة التمويل أن تأخذ بزمام الأمور وتبادر بالاستثمارات التى تقدم نموذج التنمية المستدامة لتخفيف حدة الفقر. والأمر الهام هو أن مؤسسة التمويل الدولية منظمة متخصصة بالتمويل الخاص، وأرباحها متوالدة داخليا، وتدعمها الحكومات، وتستمد معظم استثماراتها من الأوراق المالية التى تستخدم لتمويل نمو المؤسسة؛ ففى عام 1999 استثمرت المؤسسة 3.5 مليارات دولار قروضا واستثمارات، و1.8 مليار دولار فى قروض المؤسسات المالية الخاصة، مثل بنك «تشيس مانهاتن» أو «كريدى سويس». وتقول المنظمة دفاعا عن نفسها على لسان مديرها «بيتر فويكى»: «بالفعل جرى توسيع نطاق الاستثمارات فى البلدان الأشد فقرا فى العالم، وضخ المال فى الشركات المحلية لتلك البلدان» (كمصنع الأسمنت فى ألبانيا الريفية، ومحالّ الحلويات فى الضفة الغربية وشركة الشاى فى فيتنام). وهناك مسئولون يصرون على وجود العديد من الامتيازات الناجمة عن بعض الاستثمارات التى تمولها مؤسسة التمويل الدولية، كالترتيبات مع كوكاكولا لتوسيع مهارات وتنظيم المشاريع، مثل تمكين السكان السود فى جنوب إفريقيا مثلا، ويبررون الاستثمار فى (الجونة) الفاخرة بأن المجمع الفندقى يخلق ما لا يقل عن 5000 فرصة عمل، وبأنها كمغناطيس للنمو فى المنطقة. وقال المدير «فويكى» إن هذه الاستثمارات ك«الجونة» هى «الخالق العملاق للعمالة وصرف العملات الأجنبية بالإضافة إلى أنها تحقق وظيفة هامة هى الرحلات السعيدة للرأسماليين»!. ومؤخرا، بدأ العمل على النحو المعتاد لمؤسسة التمويل الدولية لعدة عروض تشمل ما يلى: - 60 مليون دولار للاستثمار فى جروبو بوساداس، وهى سلاسل الفنادق الرائدة بأمريكا اللاتينية - 5 حانات جديدة فى المكسيك - اتفاقات باستثمار 55 مليون دولار ل«هاركين دى كولومبيا» فى كولومبيا المحدودة. وهى شركة للطاقة تابعة ل«هاركين العالمية» ومقرها تكساس. - تطوير أربعة حقول نفط للتصدير الأجنبى فى كولومبيا. - وفى فنزويلا، هناك اتفاق على تقديم 47 مليون دولار لمصنع بتروكيمياويات لإنتاج البروبلين الفنزويلى، وأيضا إنشاء شركة ستعمل على إنشاء وتشغيل محطة «بروبلين دى فالكون» الخاصة بشىء يتكون فى فنزويلا فقط؛ هذا بجانب شركة النفط الوطنية «بتروليوس دى فنزويلا». - إضافة إلى اتفاق لدعم «كوخ». وهى شركة متعددة الصناعات، لكنها لا تنتج السلع التى يحتاجها العامة، ومقرها الرئيسى فى ويتشيتا بولاية كانساس، وسجلها البيئى مروع، خاصة على البيئة الأمريكية، وعليها عقوبة بيئية ب30 مليون دولار؛ حيث تسربت 3 ملايين جالون من النفط الخام منها، وتآكلت خطوط أنابيب النفط من ولاية تكساس إلى ولاية ميسورى إلى ولاية ألاباما، وتمزقت أنابيب النفط قبل إجراء إصلاحات وتسرب ما فيها داخل خليج المكسيك؛ الأمر الذى تسبب بقتل آلاف الأسماك والطيور المهاجرة. والآن تلعب مؤسسة التمويل الدولية فى المجال البيئى والنفطى. وهنا يشكك النقاد فيما إذا كانت الفوائد من الثروة النفطية سوف تصل إلى الفقراء فى أى من البلدان الإفريقية. ويؤكد هذا أحد كبار الخبراء الاقتصاديين فى الدفاع عن البيئة فى واشنطن سنيور «كوررينا هورتا»؛ إذ يقول إن «كل البلدان الإفريقية تحتاج التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسى، وإن حكوماتها ليس لديهم سجل يذكر لحماية البيئة أو حتى محاولة التخفيف من الفقر»، وأضاف: «وجب على الشركات الضخمة أن تضع مخططات للرعاية الاجتماعية هناك، لكن من غير المرجح أن تفعل شيئا حيال هذا، بدليل ما حدث فى الجونة»!. الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة