محافظ الجيزة يُدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب 2025    ضبط شخص بتهمة فبركة فيديو توزيع أغذية بانتخابات النواب 2025 بمنشأة القناطر    الأطباء تحقق في شكاوى ضد طبيب بشأن نشر محتوى طبي مخالف للقواعد العلمية الثابتة    وزارة البيئة وصندوق رعاية المبتكرين يوقعان بروتوكول تعاون لدعم الابتكار والعمل المناخي    أسعار الكتاكيت والبط في بورصة الدواجن اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    نائب لبناني: "قيادة حزب الله إيرانية بالكامل".. وإيران تنفي التدخل    وفاة فلسطيني بسبب السيول في مخيم الشاطئ بغزة    الأهلي يصدم برشلونة بشأن حمزة عبد الكريم    خسارة أبو قير بثلاثية، نتائج مباريات اليوم الخميس في دوري المحترفين    ميدو: صلاح يجب أن يغادر ليفربول.. وأشجعه على خطوة الدوري السعودي    تأجيل محاكمة سرقة أسورة فرعونية بالتحرير    الشابو يقوده للإعدام، إحالة قاتل زوجته بالغربية للمفتي    الحكومة تكشف حقيقة انتشار جنيهات ذهبية مغشوشة في الأسواق    وزير الثقافة يهدي سلوى بكر درع الوزارة احتفاءً بفوزها بجائزة "البريكس الأدبية"    الأزهر يدعو طلابه للمشاركة في جائزة الدولة للمبدع الصغير    وزير الصحة يوجه باستخدام أحدث الأدوات التكنولوجية في رصد الشائعات والرد عليها    «صحة قنا» تعقد اجتماعًا بمديرى المستشفيات لتعزيز جاهزية منظومة الطوارئ والرعاية الحرجة    يزن النعيمات صفقة الأهلي المحتملة في الميركاتو الشتوي    تسليم 5 أجهزة تعويضية وكراسي متحركة للمرضى غير القادرين بسوهاج    ضبط شخص بحوزته كروت دعائية وأموال لشراء أصوات الناخبين في الأقصر    حبس عاطل بتهمة التحرش بفنانة شهيرة أثناء سيرها بالشارع في النزهة    حادث مأساوي على طريق الإسماعيلية طريق القاهرة الصحراوي..وفاه شابين وإصابة ثالث في انقلاب سيارة ملاكي    تطورات الوضع في غزة تتصدر مباحيات الرئيس السيسي وملك البحرين    وزير البترول: التعاون مع الشركاء ساهم في تجاوز مصر لتحديات تأمين إمدادات الطاقة    مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يعلن موعد دورته السابعة والأربعين    مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يعلن موعد دورته ال47    محافظ كفر الشيخ: الانتهاء من تدريب وفد من 10 دول أفريقية على تقنيات تحسين تقاوى الأرز    «المشاط» تبحث مع بنك الاستثمار الأوروبي نتائج زيارته لمصر    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن فوز مصطفى البنا وحسام خليل بالدائرة الثانية بأطسا    بعد 7 أيام بحث.. لحظة اصطياد «تمساح الزوامل» بالشرقية    المشدد 7 سنوات لرئيس حي شرق الإسكندرية السابق في قضية رشوة    الضباب الكثيف يلغي عددا من الرحلات الجوية إلى مطار حلب بشمال سوريا    قائمة تونس - بن رمضان والجزيري ومعلول على رأس اختيارات الطرابلسي في كأس إفريقيا    الرئيس السيسي وملك البحرين: القضية الفلسطينية ستظل في صدارة الاهتمام العربي والدولي    منشور مثير من نجل سائق محمد صبحي بعد انفعال الفنان على والده    الليلة.. قناة الوثائقية تعرض فيلم محفوظ وهي    هدى المفتي ضيفة برنامج آبلة فاهيتا.. السبت المقبل    حكم كتابة الأب ممتلكاته لبناته فقط خلال حياته    مدير «تعليم الجيزة» يفاجئ عددًا من المدارس ويشيد بمستوى الأداء    بروتوكول تعاون بين «القابضة للصوامع» و«الوكالة الإيطالية»    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمشروع تطوير مدينة النيل الطبية    الصحة العالمية: ارتفاع حالات الأنفلونزا بالعالم لكن لم نصل بعد لمرحلة الوباء    ضربات أمنية لضبط الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي    الخارجية السورية: إلغاء قانون قيصر يمثل انتصارا    53 مترشحًا يتنافسون على 3 مقاعد فردية فى دوائر أسوان المعاد الاقتراع بها    القوات الروسية تسيطر على بلدة بخاركيف    سباليتي: أداء يوفنتوس أمام بافوس كان محرجا في الشوط الأول    رئيس هيئة الاستثمار يشارك في احتفالية شركة «قرة إنرجي» بمناسبة مرور 25 عامًا على تأسيسها    مؤسسة هولندية تتبرع بأجهزة ومعدات قيمتها 200 مليون جنيه لدعم مستشفى شفاء الأطفال بسوهاج    تقييم مرموش أمام ريال مدريد من الصحف الإنجليزية    «الوطنية للانتخابات» تعلن تخصيص الخط الساخن 19826 لتلقي الشكاوى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11-12-2025 في محافظة الأقصر    الدفاع المدني بغزة: تلقينا 2500 مناشدة من نازحين غمرت الأمطار خيامهم    كأس العرب| طموحات فلسطين تصطدم برغبة السعودية في ربع النهائي    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    توقيت أذان الفجر اليوم الخميس 11ديسمبر 2025.. ودعاء مأثور يُقال بعد الانتهاء من الصلاة    بانا مشتاق: إبراهيم عبد المجيد كاتب مثقف ومشتبك مع قضايا الناس    الأوقاف تختتم فعاليات المسابقة العالمية الثانية والثلاثين للقرآن من مسجد مصر الكبير بالعاصمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دكتور أسامة أبوطالب يكتب عن: مصر العظيمة ومصر العبيطة!
نشر في الشعب يوم 06 - 02 - 2013

هذه ليست دراسة نقدية لرائعة الأديب «السيد حافظ». فلمثل هذه الدراسة يستحقّ جهد ووقت ومكان آخر، وإنما هى استلهام –أستأذنه فيه- من عنوان وجسد روايته الرائعة «نسكافيه». استلهام لم أستطع الفكاك منه وأنا أرى المشهد المفجع المحيّر المربك لما يحدث فى مصر، «أم الدنيا» كما سماها المؤرخون وأطلق عليها الشهود العدول المنبهرون بها، والكنانة أو «كنانة الله فى أرضه» كما سماها الرسول الكريم ووصف رجالها بأنهم «خير أجناد الأرض». وقال عنها القرآن «ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ» حسب تكريم الله لها.
ولكنها أيضا من هجاها الشاعر العربى الكبير «أبو الطيب المتنبى» قائلا: «يا أمة ضحكت من جهلها الأمم» بعد أن تعذب بلوعة التقرب منها وضنّ عليه مملوكها الغبى الخصى «كافور الإخشيدى» ببعض خيرها –جاهلا قدره- فوصفها بأبرع وصف ليدخله ويدخل حكامها اللصوص من أدنى البوابات الخلفية للتاريخ هاجيا بقوله:
نامت نواطير مصر عن ثعالبها ** وقد بشمن وما تفنى العناقيد
أى لا تنفد ولا تنتهى... إلى آخر القصيدة الشهيرة!
وهى كذلك من ذمها ابنها الشاعر الكبير «حافظ إبراهيم» فى لحظة أسى مفرط حينما تجاهلت قدره قائلا:
فما أنت يا مصر دار الأديب ** وما أنت بالبلد الطيب
ذمّها من شدة العتاب ومن قسوة التجاهل الذى لا يستحقه وهو من رآها حقيقة ووصفها صدقا فى مصر تتحدث عن نفسها، قائلا:
وقف الخلق ينظرون جميعا ** كيف أبنى قواعد المجد وحدى
لكنه ذمها مثل كل من ذمّوها من فرط المحبة، وهجاها عاتبا مثل كل من هجوها معاتبين من شدة العشق والجنون بها كما فعل المتيّم «نجيب سرور» حين غلبته شقوته فنادها باكيا متحسر نازفا وضائعا بقوله: «يا بلد فاتحه رجليكى على الخريطة». وقد سبق أبونا «نجيب محفوظ» العظيم ورآها فى صورة «بسيمة عمران»!
لكنها أيضا مصر المحيرة الملغزة التى مهما جوِّعت لا تجوع. ومهما روِّعت لا تروع. ومهما نامت وأطالت النوم تستفيق. ومهما سرقت يظل خيرها كامنا، ينابيعه لا تنضب ونيلها لا يزمّ وكأنه بئر زمزم التى ستظل إلى آخر الدهر بقدرة الله ومشيئته تفيض؛ فأى سرّ كامن فيها إذن لا يُكشف.. وأى تناقض لا يتّضح.. وأيّة مفارقات تتوالى وتتكرر منذ القدم وحتى ثورة الخامس والعشرين من يناير التى فتحت على المشهد عيون العالم ذهولا وإعجابا وانبهارا، بل وأيضا خوفا وإشفاقا عليها مثلما فتحت عيون آخرين تنمُّرا بها وتلمّظا كالكلاب يسيل لعابها عليها. وفى ذلك بالطبع تلتمع أمنيات بل توقعات السقوط كى تصبح فريسة لهم.
إنها مصر التى يتآمر عليها الآن كارهوها مثلما يعجز عن تجسيد المحبة لها محبوها.. ومثلما يضلّ -من فرط الرغبة فى الاسئثار بها– عاشقوها، وإلا فليقل لنا أحد كيف يجتمع الكارهون المتآمرون والخونة التاريخيون والمشكوك فى وطنيتهم وصدقهم ونزاهتهم مع الثائرين والمخلصين والراغبين فى خيرها بالفعل فى لحظة واحدة؟.. وكيف يوقعون بالقلم نفسه معا ويرفعون ذات الأيادى معا ويحاولون تأليف أصواتهم المتنافرة معا كى تخرج فى صوت واحد وهم يعلمون أن كل ذلك مؤقت وأن ما بينهم من فرقة أوسع من اتفاق؟
وما بينهم من تفرّق أشد وأصدق مما يبدونه من لقاء! وأن ما يضمرونهم لبعضهم من نوايا ظاهر بيّن مهما حاولوا إخفاءه وتجميله وستره!.. فأى تناقض يدمر مصر إذن بأيديهم كى يتركها نهيبة مستباحة ليوم –لا قدر الله- يقتسمونها فيه فلا يضبطهم ضابط ولا يسمحون بتزعّمهم زعيم ولا يوافقون لهم –ولا لنا– على قائد!.. وإن أجل ذلك لقريب وإن موعده لوشيك إن لم ينتهوا وإن لم نستيقظ وإن لم ننتبه!
إنهم يقتلونها الآن فعلا.. يقتلون مصر مرة بالمحبة ومرات ومرات ومرات بالكره. يظن كل منهم أنه وحده فارسها.. وأنه خيّالها القادر على ترويضها وسياستها بينما هى أكبر منه ومنهم.. أعظم منه ومنهم. وهم يعرفون ذلك فى أنفسهم – ما لم يكن جنون العظمة / البارانويا – قد أصابهم فرأوا ذواتهم فى مراياهم الكاذبة المضخمة أسمق وأرفع وأقدر. ورأونا بعيونهم الضيقة أصغر وأضأل. فليتحملوا إذن كل قطرة دم تسيل، فلن تغسل أياديهم منها. وليتقبلوا حكم الحقيقة الناصع حين يفتضح الأمر وتنكشف الغمة. وليستعدوا لحرب بينهم طويلة الأمد إذا ما نجحوا فى تملكها وحرب أفظع حينما يخذلون. أما مصر«سيد حافظ» العظيمة فستنسلخ من ثوب مصر العبيطة قريبا، وستمزقه وتحرقه وتضع فيه بخورها الطيب الذى ستنشر أريجه بدلا من الدخان الذى لن يعمى سوى أبصارهم، ولن تزهق به سوى أرواحهم.. وإن نصر الله قريب.

من العدد الأسبوعي ل"الشعب الجديد"

الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.