احتمالات الحرب مع العرب تتزايد بعد تحول نخب اليسار والوسط الإسرائيلى إلى اليمين الدينى المتطرف كشفت نتائج الانتخابات الإسرائيلية عن تراجع اليمين الصهيونى فى الانتخابات التشريعية التى جرت فى الكيان مؤخرا؛ فقد فاز حزب رئيس الوزراء الصهيونى بنيامين نتنياهو اليمينى المتطرف بالانتخابات البرلمانية بفارق ضئيل، وتعهد بتشكيل حكومة ائتلافية. الانتخابات تنافس فيها 32 حزبا على مقاعد الكنيست وعددها 120 مقعدا،ولا يحصل أى حزب على مقعد ما لم يحصل على 2% من أصوات الناخبين كحد أدنى. جاءت النتائج لتعلن فوز كتلة «الليكود بيتنا» ب 31 مقعدا فى البرلمان، مقابل 42 مقعدا كان يملكها فى الفترة البرلمانية المنقضية، وأحدث حزب «يش أتيد» من تيار الوسط المفاجأة بحصوله على المرتبة الثانية ب 18 إلى 19 مقعدا، بينما حل حزب «العمل» ثالثا ب17 مقعدا. فى ضوء هذه النتائج نستطيع أن نتلمس العديد من المؤشرات والملاحظات الهامة الجديرة بتسليط الضوء عليها، منها: نتائج الانتخابات تعكس حالة الهزيمة التى منيت بها إسرائيل فى حرب غزة الأخيرة، وأن الخسارة التى منى بها نتنياهو فى الانتخابات، ما هى إلا تصويت عقابى على فشله فى حرب غزة، و هو ما يعكس حالة الإحباط والشعور بالهزيمة لدى مواطنى دولة الاحتلال. جنرالات الحرب لم يعودوا مقنعين للشعب الإسرائيلى، فالغالبية الكاسحة من حكومات الكيان كانت تأتى جلها من قيادات الجيش الإسرائيلى، لكن المتغير فى نتائج هذه الانتخابات أن يفوز الممثل والصحفى «يائير لبيد» بالمركز الثانى فى الانتخابات ب 19 مقعدا مقابل 31 مقعدا لتحالف نتنياهو -ليبرمان، رغم أن الصحفى المذكور لم يشارك فى تأسيس الكيان ولا فى الحروب التى خاضتها إسرائيل مع العرب؛ إذ لم يتجاوز عمره 4 سنوات فى حرب 1967. تصوير حالة التخبط التى يعيشها الشعب الإسرائيلى، فهو نفسه الذى كان قد صوّت لحزب «كاديما» وأعطاه الحصة الأكبر فى انتخابات الكنيست 2009 بسبب شدة الإرهاب الذى مارسه الحزب على قطاع غزة؛ إذ استشهد أكثر من 1400 فلسطينى وأضعاف مضاعفة من الجرحى وآلاف البيوت المهدمة بفعل الأسلحة المحرمة دوليا، أما فى الحرب الأخيرة (عمود السحاب) فقد هُزم الجيش الإسرائيلى ودب الرعب فى نصف سكان دولة الاحتلال بشكل غير مسبوق فى ظل حكومة يقودها تحالف (الليكود- بيتنا) الذى دفع الثمن وخسر 30% من شعبيته. انقسام الشارع الصهيونى و تفتته. وقد اتضح فى هذه الانتخابات بشكل كبير، فعلى سبيل المثال فى مدينة (تل أبيب)، والتى تعتبر أقل تدينا من القدس، تعادل فيها حزب «العمل» الذى حصل على 15 مقعدا فقط مع حزب «الليكود – بيتنا»، ليحصل كل من الحزبين العتيدين على 17% من أصوات المدينة، بينما حصل حزب «يوجد مستقبل» بزعامة مائير لبيد، على نسبة 20% من أصوات سكان (تل أبيب). هذا فى حين أن القدسالمحتلة صوتت لصالح حزب «يهدوت هتوارة»، لتحصل بذلك أحزاب اليمين على نسبة 68% من الصوت الانتخابى ليهود المدينة، ولم يحصل معسكر الوسط واليسار فى المدينة نفسها إلا على 52% فقط من أصوات اليهود المغتصبين القدس، وهذا يؤكد أن التطرف السياسى يتغذى على التطرف الدينى.
هذا الانقسام، كما يقول الكاتب الفلسطينى «فايز أبوشمّالة»: إن الخلاف الحزبى والأيديولوجى قد تجاوز فى السنوات الأخيرة خلاف الرأى، وصار يتجسد فى التعبير عن مواقف ميدانية متطرفة، وصلت حد المواجهة لقرار إخلاء البؤر الاستيطانية، والدعوة لتمرد الجنود، ووصلت حد المواجهة فى تطبيق شرائع الدين اليهودى فى الشوارع، وكان وراء تهديد الحاخام «عوباديا يوسف» بالهجرة من ( إسرائيل )، وكان وراء هجرة عشرات آلاف العلمانيين مدينة القدس إلى مدن صهيونية أخرى). أمام هذه الحالة من التشرذم لا ينبغى أن نقع فى الفخ الذى دائما ما نقع فيه مع الأسف؛ فوجود أحزاب الوسط و اليسار فى الحكومة سوف يساعد فى استمرار عملية السلام، وهذا بالطبع من القراءات الخاطئة للموقف، فيكفى أن نتذكر أن حزب العمل المحسوب على اليسار قد استلم السلطة بزعامة باراك فى عام 1999، إلا أن السياسة التى انتهجها باراك، خلال فترة رئاسته والتى كانت قصيرة، لم تختلف عن سياسات نتنياهو؛ إذ عنون دعوته الفلسطينيين إلى مفاوضات مباشرة حول الحل الدائم بلاءاته المشهورة: «لا عودة عن حدود 4 حزيران 1967»، و«لا لتفكيك المستوطنات»، و «لا للانسحاب من القدس»، و«لا عودة للاجئين».
كذلك من الأمور اللافتة فى هذه الانتخابات، غياب موضوع السلام، الذى ظل لنحو عقدين المحور الرئيسى فى الخطاب الانتخابى بشكل شبه كامل، فمنذ انتخابات عام 1992، كانت العملية السياسية مع الفلسطينيين فى مركز كل حملة انتخابية للأحزاب الكبرى فى إسرائيل، بما فى ذلك الليكود الذى -برغم موقفه المتحفظ إزاءها- وجد نفسه مضطرا إلى أن يركب موجتها، لكن من باب الادعاء أنه الأقدر على صنع السلام بالشروط المناسبة لإسرائيل.
ويذكر المتابعون كيف أن الشعار الانتخابى ل«أرييل شارون» فى إحدى حملاته الانتخابية السابقة كان «فقط شارون سيجلب السلام»، فيما تظلل نتنياهو بشعار «نتنياهو.. صناعة السلام الآمن».
من اللافت أيضا فى هذه الانتخابات صعود نجم «المتدينين القوميين» وتنامى حضورهم السياسى والشعبى. ومن المعلوم أن هذه الشريحة من المجتمع الإسرائيلى تمثل بشكل رئيسى جمهور المستوطنين ذوى الميول اليمينية المتطرفة. ولا يقتصر التعبير عن القوة المتصاعدة لهؤلاء على التزايد المطّرد للحظوظ الانتخابية ل«البيت اليهودى» بزعامة «نفتالى بينيت»، بل يتعدى إلى انتشارهم المتسع داخل حزب الليكود نفسه، فضلا عن تسللهم إلى أكثر من مؤسسة وراء الخط الأخضر، كانت تعد فى الماضى من قلاع الوسط واليسار العلمانيين، مثل محكمة العدل العليا، ورئاستى الشاباك ومجلس الأمن القومى، وسلك القيادة فى الجيش، فضلا عن السلك الأكاديمى (الاعتراف بمعهد «بار إيلان» الموجود فى مستوطنات الضفة كجامعة) واقتحام دائرة السيطرة على الإعلام من خلال شراء صحيفة «معاريف». هذا الواقع يعكس تحول نخبوى من اليسار والوسط الإسرائيلى إلى اليمين الدينى المتطرف داخل الكيان، وهو ما يجعل احتمالات الصراع بين الكيان الصهيونى والفلسطينيين والعرب أكثر احتمالية، خاصة مع شعور هؤلاء بالخطر من وصول الإسلاميين إلى السلطة فى مصر وباقى دول الربيع العربى. الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة