في المدينة المقدسة، يستبدل الاحتلال المعالم الأثرية العربية والإسلامية، ويقوم باوسع واخطر عملية تزييف في التاريخ، فهناك لافتات كبيرة من الحجارة تحمل أسماء عبرية ثبتها الاحتلال بمسعى منه لخلق واقع جديد على حساب تغييب حاضر المكان الفلسطيني، كما يرفرف العلم الإسرائيلي وبشكل استفزازي فوق عقارات سلبت من أهلها وحُوّل بعضها لكنيس أو مدرسة تلمودية، ويغطي نتنياهو كل ذلك بالاعلان "إن القدس لليهود منذ 3000 عام وستبقى لليهود"، ففي حفل وداع لوزير خارجيته اقيم عند حائط المبكى على طريقة الدعاية الانتخابية، قال نتنياهو في شريط بثه التلفزيون الاسرائيلي-15 / 12 / 2012-: "قبل ايام قال ابو مازن في الاممالمتحدة ان القدس والحرم القدسي مناطق فلسطينية محتلة، وقالوا قبل ايام- في اشارة لمشعل- انهم سيطردون اليهود من هنا، وانا اقول لهم اني اتحدث اليكم من هنا، من هذا المكان واقول: ان هذا المكان منذ 3000 عام لنا والان هو بايدينا وسيبقى بايدينا". فنتنياهو يعلن بذلك تأبيد احتلال وتهويد المدينة المقدسة، في ظل احوال عربية تزداد تفككا وضعفا بسبب الحروب الداخلية والاجندات الخاصة والقطرية، لذلك يبقى السؤال الكبير دائما: كيف يمكن ان ينقذ العرب القدس، فالقضية ليست فلسطينية ونقطة، القضية عربية واسلامية ودولية، غير انه اذا لم يتحرك العرب على نحو مسؤول وبمنتهى الجدية، فلن يتحرك احد في العالم، فان جدّ العرب حقا، فالخطة المعلنة منذ سنوات لانقاذ القدس، وهي ترتكز على ثلاثة محاور سياسية وقانونية ومالية تحتاج الى تفعيل، غير انها ايضا لا تكفي لوحدها. فماليا، المبلغ الذي رصد وفق الخطة العربية لانقاذ القدس، هو نصف مليار دولار أميركي، لمواجهة خطط الاستيطان الصهيوني في المدينة المقدسة-تصوروا حجم المهزلة العربية، نصف مليار فقط، ومع ذلك فان العرب لم يلتزموا بهذا المبلغ، الذي لن يساهم في تغيير الموازين الجارية على الارض، وان قرروا التوجه إلى محكمة العدل الدولية لمواجهة الجرائم الصهيونية في المدينة ، فهذا التوجه ينطوي على اهمية كبيرة في ضوء التحولات الجارية على مستوى القناعات الشعبية والدولية تجاه "اسرائيل"، باعتبارها دولة تقترف جرائم الحرب على مدار الساعة ضد شعب اعزل، منتهكة بذلك كافة القرارات والمواثيق الاممية، ولكن العرب يحتاجون في ذلك الى وحدة رؤية وموقف وارادة وخطة استراتيجية اعلامية ومالية، فهل هم جادون في الاعداد لكل ذلك وهم يمتلكون الامكانات ...؟. اما على مستوى مشاريع القرارات المتعلقة بعملية السلام والصراع العربي الإسرائيلي، بما في ذلك مبادرة السلام العربية التي نلاحظ في الايام الاخيرة اشارات لاستحضارها من غرفة الانعاش،، فتؤكد أن السلام العادل والشامل هو الخيار الاستراتيجي وان عملية السلام عملية شاملة لا يمكن تجزئتها، وتؤكد أن السلام العادل والشامل في المنطقة لا يتحقق إلا من خلال الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، بما في ذلك الجولان العربي السوري المحتل وحتى الخط الرابع من حزيران (يونيو) 1967، والأراضي التي ما زالت محتلة في الجنوب اللبناني/ والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين استنادا إلى مبادرة السلام العربية ووفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ,194؟، ولكن يعلم الجميع ان "اسرائيل" لا تريد وليس واردا في خططها وحساباتها على الاطلاق ان تنسحب من الاراضي المحتلة، وان تسمح باقامة دولة فلسطينية سيادية... فالحقيقة الكبيرة بالنسبة لدولة الاحتلال والمدينة المقدسة، انه في اعقاب هزيمة العرب في حزيران 1967 واحتلال سيناء والجولان والضفة وغزة، والجزء الشرقي من القدس، بدأت مرحلة جديدة من الصراع، ودخلت "اسرائيل" فيما يسمونه هم مرحلة تحرير وتهويد ما تبقى من"ارض اسرائيل"، مع التركيز الاستراتيجي على المدينة المقدسة بوصفها "مدينة الآباء والاجداد" و"مدينة يهودية حيث يقع الهيكل في قلبها" و "عاصمة القدس الى الابد".... الباحث الاسرائيلي المعروف ميرون بنفنستي يذهب ابعد واعمق من ذلك، حينما يكثف المشهد المقدسي وما يحلم به المستعمرون الجدد قائلا: "في هذا المشهد الذي تكشف أمام ناظريهم، بحثوا عن بقايا لا تزال موجودة من حلمهم، ورويداً رويداً رسموا لأنفسهم خريطة جديدة، غطت المشهد المهدد، ولكن لم يكن هذا مجرد خريطة من الورق والاوهام، فقد أصروا على أن يصمموا الواقع، المشهد المادي، وفقاً لرؤياهم وأحلامهم، فقد حطموا المشهد الفلسطيني وبنوا مكانه مشهدهم الخاص، حيث تشكل الاسطورة العتيقة مبرراً وذريعة". نعتقد انه يتوجب على الفلسطينيين والعرب -ان ارادوا حقا- ان يفتحوا معركتها على كافة الصعد والمستويات، وأن يوظفوا في خدمتها كافة الأسلحة والوسائل المتاحة فلسطينياً عربياً إسلامياً مسيحياً دولياً، فالمتوقع ان يكون عام 2013 الاصعب والاخطر على القدس والاقصى. ومستقبل الصراع. الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة