يشترك صيادو الإسكندرية مع غيرهم من الصيادين فى كافة أنحاء البلاد، فى ألوان التعاسة والشقاء التى يتجرعها المستضعفون جميعا من إفقار بشع وغلاء فاحش ومن تخلى المسئولين عن ضمان الأمن الإنسانى لعامة الناس، فيشتكون من ضعف الأجور والمعاشات فى مواجهة تصاعد الغلاء. ولما كان عدد الصيادين فى مصر ما يربو على ثلاثة ملايين صياد، أى حوالى ربع عدد العاملين بالحكومة... إلا أن الحجم الحقيقى لمظلمة الصيادين فى مصر لا يظهر بكامله إلا عند مراعاة أن كلا منهم يعول أسرة تضم فى المتوسط أربعة أفراد غير العائل، فإن مجتمع الصيادين يضم ما يزيد على خمسة عشر مليونا من المواطنين، أو ما يقارب سدس سكان بر مصر وبحرها. وللصيادين نصيب أكبر من التعاسة تتمخض عن مشكلة تختص بها مهنتهم وأنماط حياتهم؛ فغنى عن البيان أن «ركوب البحر» سعيا وراء الرزق ينطوى فى حد ذاته على أخطار تحدق بالصيادين، كثيرا ما تنتهى بإصابات عمل لا تجد علاجا شافيا أو تعويضا مناسبا عند الحاجة، نظرا إلى قصور نظم التأمين وغياب التنظيم النقابى الفعال. وقد تفضى حادثة عمل إلى الوفاة، وهنا تصيب الطامة الكبرى عائلة بأكملها تصبح بلا عائل ولا معين. ومن أفدح أشكال المخاطر التى يتعرض لها الصيادون هو اختفاء مراكب صيد بمن عليها من صيادين شهورا عديدة! والوضع السليم فى حال وجود شبكة أمان اجتماعى كفء أو تنظيمات تعاونية أو نقابية صالحة وفعالة أن توضع ترتيبات لضمان الوفاء بحاجات العيش الكريم لأسر الصيادين المحتاجين فى فترات توقف الصيد والنوات التى تصيب مصدر رزقهم الوحيد بالشلل الجبرى. و كان اللقاء مع ناصر أبو اليزيد –أحد صيادى أبو قير– والذى أكد أن معاش الصياد هو 203 جنيهات، كما أن سن المعاش هو 65 عاما، ويبدى تعجبه الشديد من التأمينات والضرائب والطريقة التى يحاسب بها أصحاب المراكب.. فالمركب يحاسب على 500 يوم فى السنة رغم أن السنة 365 يوما ورغم أن المركب يُمنع من نزول البحر لمدة شهرين فى الشتاء بالإضافة إلى الصيانة، وثلاثة أيام بين كل «سرحة» وأخرى تستعد خلالها للرحلة التالية، ولا تضع الضرائب فى حساباتها أو الأعطال أوالتأمينات وغيرها... ويتساءل أبو اليزيد عن الدور الغائب لهيئة السلامة البحرية والتى لا تعنى بأحوال الصيادين وبتدريبهم، كما نصت القوانين فحسب تقوم بتحصيل «إتاوات» قهرية من الصيادين بمسمى تراخيص. ويؤكد جابر العدوى – صياد - أن هناك بالفعل أنواعا من الصيد الجائر يفعله بعض الصيادين، وآخرون يصطادون الزريعة لحسابهم الخاص ويبيعونها لأصحاب المزارع السمكية الخاصة، ويطالب بتطبيق صارم للقانون على هذه النوعية من المخالفة التى تهدد الثروة السمكية وإحالة المخالفين إلى النيابة ومحاكمتهم على الجرم الذى يرتكبونه فى حق الثروة السمكية، مشيرا إلى أن الصيادين هم من يعنيهم بشدة الحفاظ على الثروة السمكية للبلاد، والتى يستنزفها بعض ضعاف النفوس فى وضح النهار ب«أبو قير»، وهو ما يقعد أغلب صيادى «أبو قير» على المقاهى بلا عمل أو تعويض، فلا يجدون ما يوفون به احتياجات أسرهم. ويشدد حسين أحمد، (55سنة) أحد صيادى المكس، على أن الصيادين مغلوبون على أمرهم ولا يتحكمون فى الأسعار أبدا، وخاصة أصحاب المراكب منهم، لا يتدخلون فى الحلقة أو التصدير، بل على العكس تماما معظمهم يشتكى من زيادة الضرائب والرسوم والتأمينات الاجتماعية المفروضة عليهم، ويؤكدون أن رحلات الصيد أصبحت لا تؤتى ثمارها، خاصة بعد إغلاق مناطق عديدة من البحر لدواعٍ أمنية واضطرارهم إلى الصيد فى أعالى البحار وزيادة تكلفة الرحلة الواحدة لتغطية أجور البحارة والصيادين والسولار ومعدات الصيد والثلج وتموين وتأمين إعاشة طاقم المركب والتى تغيب فى عرض البحر لأيام تصل إلى أسبوعين، بجانب أن بعضا منهم يتعرض لحوادث الغرق أو القبض عليه إذا اقتربت المركب من الحدود الليبية؛ إذ يتم مصادرة المركب والأسماك ويلقى بالطاقم فى السجن! كل هذا يدخل فى تكلفة السمك وطبعا يؤثر على رفع السعر. ويضيف: يوجد صيادون ينزلون البحر بشباك ضيقة الفتحات ويصطادون كل الأسماك؛ الكبيرة مع الصغيرة، وهذا بالطبع «يحرق البحر» لأن الغزل الضيق يقضى على الزريعة، ومن ثم تختفى الثروة السمكية ولا نجد إنتاجا يكفى التصدير أو السوق المحلى، بجانب انتشار التلوث والردم لمساحات كبيرة من الميناء الشرقى، وأيضا عدم وصول طمى النيل بعد إنشاء السد العالى إلى البحر أيام الفيضان جعل السمك لا يجد العناصر الغذائية التى يعيش عليها، ولا يبقى أمامه غير الهجرة من سواحلنا أو الموت (ودا حالنا فى بحرى أو فى المكس). أما عاشور أحمد الشيخ، (64 عاما) أحد صيادى بحيرة مريوط، فيقول: «زمان» كانت توجد مراكب ضخمة للصيد فى أعالى النيل تصطاد وتعود بالصيد المحفوظ فى نظام تخزين عالى المستوى، وكانت هذه الأسماك تباع فى الأسواق بأسعار زهيدة، ولكن اليوم اختفى أسطولنا للصيد ومعه اختفت الأنواع الممتازة من السمك وارتفعت أسعاره، إلى جانب أن سوق السمك اختلف عن أمس؛ المهنة اندثرت والدخلاء عرفوا طريقهم إليها، ونسى الجميع أن السوق يحكمه العرض والطلب وأن الرزق فى مهنة السمك لا يبيت للغد - بمعنى أن الرزق يوم بيوم - لأن الصياد والتاجر والبائع يفضل أن يبيع سمكه فى اليوم نفسه ليسدد ما عليه من التزامات مالية، لأن كل واحد منهم خلفه (جيش) من العمالة والشيالين، والكل يعيش على يوميته ورزقه!. يقول حسن محمود، (55 عاما) صياد بالبحيرة: ضربتنا الأمراض ومن حقنا التأمين الصحى الشامل للصياد وأسرته، وخفض سن المعاش من 65 سنة إلى 55 سنة، لطبيعة عمل الصياد التى تقعده عن العمل مبكرا مقارنة بالمهن الأخرى، ورفع الحد الأدنى للمعاش من 203 جنيهات شهريا ليتساوى مع الحد الأدنى للأجور. ويوافقه الرأى مسعد السيد، 40 عاما، طالبا ضرورة إنشاء وزارة للثروة السمكية تعنى بكافة نواحى الثروة السمكية وتشمل كافة أحوال الصيادين وتعمل على الارتقاء بهم، لأنها تصب فى مصلحة البلد كله، على أن تعنى الوزارة بتطوير البحيرات، وإقامة المفرخات السمكية لزيادة الإنتاج، ويطالب مسعد -فضلا عن تطهير بحيرة مريوط وتعميقها- اعتبارها محمية طبيعية، وهو ما يعنى منع إلقاء مخلفات الصرف الصحى فيها، وكذلك إزالة التعديات عن مسطح البحيرة.