الانفصال الفلسطيني بين غزة والضفة الغربية لن يدوم إلى الأبد. هناك الكثير مما يجمع بين الفلسطينيين في الأقليمين على الرغم من اختلافات كبيرة بينهما نشأت عبر الزمن. هذه الاختلافات بدت بوضوح بعد سقوط الأراضي الفلسطينية في أيدي الإسرائيليين عام 1967. تبدأ الاختلافات بالجغرافيا. الضفة الغربية أرض مغلقة لا تطل على البحر. غزة ارض مفتوحة على البحر المتوسط. بعد حرب 1948 خضعت غزة لإدارة مصرية ، وخلال تلك الفترة شجعت مصر الهوية الفلسطينية لأهل غزة الذين ذهب كثيرون منهم للتعليم في مصر حيث تأثر بعضهم بالأزهر والإخوان المسلمين ، وعاد بعضهم فأسس حركة حماس عام 1987. بينما الضفة الغربية ضمت إلى الأردن ، ولهذا السبب باتت الهوية الفلسطينية لأهالي الضفة الغربية مزيجا من هوية فلسطينية اردنية. سافر اهل الضفة للتعليم في مجتمعات اكثر علمانية في الأردن وسوريا ولبنان. وسافر البعض الآخر الى اوروبا واميركا وعادوا بمنظور ليبرالي للعالم. وعندما وقعت الضفة وغزة في ايدي الإسرائيليين كان النظام التعليمي والقضائي والقانوني مختلفا في المنطقتين ، وظل مختلفا حتى جاءت السلطة الوطنية الفلسطينية الى الوجود في منتصف التسعينات. نحن نذكر كيف ان الجنيه المصري كان متداولا في غزة دون الضفة الغربية وكانت سجلات الزواج والطلاق والموت والميلاد وثائق مصرية في غزة واردنية في الضفة الغربية. وبعد توقيع اتفاقيات اوسلو عام 1993 كان الأمل كبيرا في ان تتوحد غزة والضفة داخل دولة فلسطينية واحدة. في هذه الاتفاقات تعهدت اسرائيل بأن تعامل المنطقتين كوحدة واحدة ، وضمنت " مرورا آمنا " للفلسطينين المسافرين بين المنطقتين. واقيم طريق خاص يربط الضفة بغزة وطوله ستون كيلومترا تقريبا. لكن هذا الطريق لم يبق مفتوحا طول الوقت ، وفي النهاية اغلقته اسرائيل بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000. وقبل اغلاق الطريق كان اتجاه المسافرين في معظمه اتجاها واحدا من غزة الى الضفة الغربية وليس بالعكس. كان اهالى غزة ، حيث نسبة الباحثين عن العمل عالية ، يسافرون الى الضفة بحثا عن عمل. في قطاع غزة يعيش 63 في المائة من الناس ، وعددهم مليون ونصف المليون ، تحت خط الفقر. هذه النسبة في الضفة الغربية هي 46 في المائة من إجمالي عدد السكان وهو مليونان ونصف المليون. وعندما انسحبت إسرائيل من غزة في سبتمبر 2005 تباعدت غزة عن الضفة الغربية بصورة ملحوظة. كانت غزة هي التي عانت بقدر اكبر من الناحية الاقتصادية ، وتحولت بصورة متزايدة إلى التدين ووقعت تحت نفوذ حماس الديني والسياسي. الحياة الثقافية والاجتماعية في غزة تتركز بالدرجة الأولى على المسجد. في الضفة الغربية هناك اقتصاد أكبر نسبيا وهناك بعض دور السينما والمعارض الفنية والمطاعم الراقية نسبيا وحتى بعض الملاهي الليلية في مدن الضفة. كان الانفصال جليا بين المنطقتين حتى أن ياسر عرفات قرر تقسيم وقته وإقامته بين غزة والضفة الغربية من أجل توثيق اواصر القرابة بين الفلسطينيين في المنطقتين. ولكن بعد سنتين من وفاق وسلام فلسطيني بدأت قوات عرفات الأمنية بقيادة محمد دحلان في قمع انصار حماس في غزة. هذه المعاملة الفظة لم تنسها حماس. هذه المعاملة تكمن اليوم وراء التوتر الراهن بين فتح وحماس. لكن هذا التوتر وهذه القطيعة لن يدوما الى الأبد. سنبحث الأسباب.