لعل المحاولات الشريرة الآثمة لتهميش دور مصر وعزلها عن محيطها الإقليمي العربي والإسلامي وتقليم أظافرها وإزاحتها تماما بسوء نية عن المشهد السياسيي تعد من أشد النكبات والإخفاقات والهزائم التي ألمت بالوطن من خلال حقبة مبارك اللعينة وكانت النتائج إنتكاسات كارثية أودت بنا الي مستنقعات الإفلاس وغياهب النسيان. بعدما نجح أعداء مصر من قبل في إقصائها أو قل تأنيثها في قضية الصراع العربي الاسرائيلي عبر إتفاق حقير شائن نصوصه وملاحقه تجلجل بقداسة أمن الدولة اليهودية المغتصبة وتفرط بصورة غير مسبوقة في سيناء التي كانت عبر التاريخ مطمعا شهيا لكل المغامرين وكأننا نقدمها لهم هذه المرة بالهناء والشفاء وجبة دسمة علي أطباق من ذهب. إسرائيل المدججة بأسلحة الدمار الشامل وسيناء اليتيمه المفرغة من أي أنواع السلاح علي الجانب المقابل تذكرني بمكر الذئب ووداعة الحمل، إسرائيل قادرة علي إلتهام كل سيناء في وجبة واحدة لن يستغرق إعدادها سوي بضع ساعات متي شاءت إبتلاعها ولعل ذلك كان جليا واضحا في رأس مناحم بيجن وهو يفاوض الرئيس المسطول الذي تخلي عنه تقريبا كل معاونيه ولم يتبقي منهم الا القليل علي رأسهم القبطي بطرس بطرس غالي إحتجاجا علي النصوص الجائرة في معاهدة الخيانة والخضوع المسماه بإتفاقية كامب ديفيد. وأستقبل الشعب المغيب رئيسه السادات العائد من كامب ديفيد استقبال الفاتحين أو هكذا رتبت البطانة الفاسدة آنذاك ولم يستطع أحدا كان قريبا من الرجل أن يقرأ لنا ما كان يدور في رأسه وقلبه لماذا وكيف باع سيناء للصهيونية. ومن عجائب القدر أن المصريون وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود من الزمان علي الإتفاقية لا يعلمون تماما ماتخبأه الأوراق والمفردات التي لم يكن ليوافق عليها إلا عميل خائن لوطنه وحانث ليمين قسمه ومن أجل ذلك دفع حياته لاحقا عقابا علي جريمته. في أحد المؤتمرات التي دعيت إليها عن حوار الأديان في مدينة برلين لسماع أحد المحاضرات عن مخاوف الشعب اليهودي من البرنامج النووي الإيراني المرتقب محاضرنا كان صحفيا يهوديا إيرانيا وكاد الحاضرون يزرفون الدمع علي كلمات الرجل الذي أستغرق طويلا في تصوير المعاناة الكارثية التي ستحدق بإليهود جراء برنامج إيران وأشهد أن عواطفي بقيت جامدة لم تنخدع فأنا أعلم جيدا الأسلوب اليهودي الذي يلعب بالعواطف والمشاعر الإنسانية وقدرته علي تزوير الحقائق ليقلب الأمور رأسا علي عقب يردد الإفتراء والكذب حتي يجعلوك أخيرا تصفق وتقف في صف القاتل وتدعوه ليخرج ضحاياه من أجداثها لتقتلها نيابة عنه مرة أخري. وبعد ان انتهي صاحبنا طلبت الكلمة معقبا فسألته قائلا كدت ومن معي أن نحزم حقائبنا للذهاب الي اسرائيل لنشارك في حمايتها من أخطار برنامج نووي ايراني محتمل ولكنك ياسيدي نسيت شيئا واحدا وهو أن إسرائيل هذه تملك الآن أكثر من مئتين رأس نووية قادرة علي تدمير كوكب الارض ومعه المريخ والمشتري العديد من المرات، هذا هو أسلوبهم لا يرون إلا همومهم وأوجاعهم ومعاناتهم ولتذهب باقي شعوب الارض الي الجحيم. وخاب من يظن أن الحديث عن هموم مصر الأمنية الآن ومحاولة قراءة أسباب التفوق الكامل لميزان القوة الصهيوني هو محاولة لقرع طبول الحرب مع إسرائيل العكس تماما هو الصحيح، فإسرائيل وكلنا يعلم أنها الدولة العبرانية العدوانية في صميم إنشائها وممارساتها مايجعلها مستقبلا لتفكر ألف مرة قبل أن تضرب مصر إذا ماكانت مصر قوية, ضعفنا وهواننا هو الذي يفتح شهية اسرائيل علي أغتصابنا واذلالنا. ميزان القوة الذي يجب أن يكون إستعادته لصالحنا هو معركة البقاء وهو الوحيد القادرعلي حفظ الإستقرار والسلام والعدل لشعوب المنطقة أما سلام الضعفاء المبني علي إستئناسنا وخضوعنا والمقامرة علي مستقبل بلادنا فهذا سلوك المنبطحين وهذا مهين في الحقيقة لكل مصري حر غيور. مصر التي كانت بالأمس القريب الرائدة عربيا وإسلاميا في كل المحافل والمتواجدة والفاعلة في قلب الاحداث تحالفت قوي عدوانية مع عملاء مصريون خونة لحرق كل ملفات القوة الاقليمية الرابحة لتصبح مصر في أذهان الجميع اليوم دولة فقيرة مرتعشه تابعة لا حول لها ولا قوة. أعدوا لنا هذه المرة أدوارا أخري جبانة كمثل ان نكون مرتزقة في بحر الباطن نقاتل أشقاء لنا أو أن نجند مخابراتنا وجيوشنا للحفاظ علي أمن اسرائيل بدءا بالتواطؤ في ضرب غزة وصولا الي حصارها وتجويعها. للخروج من الوضع المأساوي وعبور النفق المظلم الذي وضعنا فيه الرئيس السادات بكفاءة بتوقيعه منفردا إتفاقية العار والمذلة والغبن لنا ولأجيالنا من بعدنا هي إستغلال الفرصة الذهبية الآن وليس غدا في قبول دعوات ايران المتكررة بالتعاون والتقارب وفتح صفحة جديدة من المشاركة عندها نستطيع أن نستعيد الوعي المفقود ونخطو أول خطوة علي الطريق الصحيح. إيران عندها الكثير، لديها تجربة غير مسبوقة في القدرة الفائقة في إنتاج سلاحها بنفسها هنا يمكن نتعلم نحن أيضا علي كيف نستطيع أن نعتمد ذاتيا في صناعة الآليات والمدرعات والقاذفات والصواريخ وغيرها بأيدينا، بالله عليك تخيل شعورك وقواتك المسلحة تجرب صاروخا عابرا للقارات أو تطلق سفينة تحمل قمرا صناعيا الي الفضاء مكتوبا عليها صنع في مصر. بطبيعة الأمر دائما مايصاحب التطور التكنولوجي في إنتاج السلاح ثورة عارمة في كل الصناعات الغير عسكرية يكفي أن نعلم أن أغلب وسائل الإنتاج الحديثة المطبقة الآن في مجال الصناعات المدنية جاءت في الأصل من الأبحاث والتجارب في المؤسسات العسكرية وهذا يحدث في أمريكا وكل العالم الرائد في هذا المجال.
إستطاعت إيران المسلمة وفي فترة وجيزة جدا في إستيعاب المناهج والطرق العلمية والتكنولوجية الغربية مامكنها من إنتاج كل تشكيلات الأسلحة الحديثة الذكية القادرة علي إحداث توازن عسكري حقيقي مع إسرائيل وغيرها في البر والبحر والجو وهاهي إيران تتحداهم جميعا بملئ الفم وهانحن محلك سر كالولايا نبكي ضعفنا ونندب حظنا لن نستطيع أن ننطق مكبلون مستسلمون ذليلون منكسرون وهذا بالطبع له أسوأ الأثر في نفوس وآداء الشعوب، شعورنا بالخيبة والهزيمة وقلة الحيلة أفقدنا الإرادة والوعي ومعها المعني والحياة. إذا بقينا هكذا محلك سر ذيولا وتيوسا في ركب أمريكا فليس أمامنا الكثير من الخيارات ليس هناك الا الركوع والإنحناء وتقبيل الأيادي والأرجل أحيانا والرضوخ طوعا أو كرها خانعون لشروط ومخططات إسرائيل والتدخل المستمر في شئوننا وعندها الاستسلام الكامل للإملاءات لتصبح بلادنا مسرحا لكل ملاحم الفتن والوقيعة والاقتتال لتكون حياتنا أسيرة الحروب والضغانات المفتعلة والمدبرة بين أبناء الأمة الواحدة تحت عباءات الطائفية والمذهبية والأصولية والعرقية وحدث عندها ولا حرج عن المزيد من التدهور والتخلف والجهل والجوع والتآكل. ماذا فعلت لنا إيران المسلمة التي تقف معنا في خندق واحد نعبد معا إلها واحد وتؤمن برسالة نبي واحد ولنا عدو واحد وننتمي إلي أمة واحدة أمة يتربص بها علي مدار الساعة الأعداء وهم كثر يريدون تركيعها وسحقها، أيعقل أن تتشتت وتتشرذم أمة بين خلافات السنة والشيعة لأن خناقة حدثت من ألف وربعمائة عام كل روادها ماتوا وشبعوا موتا،أيها الناس التاريخ لا يتوقف ولكن يبدو أن قلوبنا قست وعقولنا هي التي توقفت.
شاركنا عبر سنين طويلة في معارك العراق الطاحنة ضد ايران بالإمداد والعتاد الحربي والبشري والدعم الاعلامي والمعنوي لضرب الثورة الايرانية رغم اننا كنا نعلم انها حرب جائرة وكنا في جانب الظالم المعتدي ورغم ذلك لم يبادلنا الايرانيون العداء وظلوا ينتهجون تجاه مصر سياسة حكيمة عاقلة مسئولة بعيدة عن لغة التعالي والوعيد ولم تهدد كما كان يهدد مسؤولونا ايران في عهد السادات ومبارك بمناسبة وبدون مناسبة لمجرد ان امريكا واسرائيل اعلنت الحرب علي ايران المسلمة وهذه خسة وعمالة ودعارة سياسية بكل المقاييس.
استقبلنا الطاغية شاهنشاه ايران استقبال الابطال عندما تبرأ منه العالم بأسره, حتي من تخابر وعمل لهم طوال حياته لفظوه واداروا له الظهور, استقبلناه نحن وهو الذي قامت الثورة الاسلامية لاقتلاع ظلمه وجبروته ونظامه الفاسد ورغم ذلك لم تعادينا الثورة الايرانية.
استخدمنا اعلامنا الفاجر لتشويه صورة ايران لا لشيء إلا لأنها تدعم الضعفاء المقهورين المحاصرين في غزة بينما نحن كنا نشارك في خنقهم وابادتهم, الاتهام طال ايران لأنها تدعم حزب الله في لبنان الذي يقف بكل بطولة وجسارة في وجه الامتداد الصهيوني في الشام, ولأن ايران تفعل ما ينبغي ان نفعله نحن هي عدوة لنا, كل ذلك إرضاء لإسرائيل وامريكا ورغم هذه السياسة الغاية في الحقارة لم تناصبنا ايران العداء.
بالغ السادات في معاداته للثورة الايرانية وزعيمها أية الله الخميني لإرضاء اسياده الامريكان الذين لا يقيمون لنا اي احترام ويعرضون عروبتنا وعقيدتنا ليل نهار لكل الاخطار, اي سياسة رخيصة عميلة حمقاء هذه.
عندما تمتلك اسرائيل اعتي الترسانات الحربية التقليدية والنووية في العالم وعلي بعد امتار من سيناءنا المنزوعة السلاح, في بضع دقائق يمكن لها وفي أي لحظة تشاء احتلال كل سيناء ونحن الذين اقمنا الدنيا ولم نقعدها في استردادها وراحت دماء واموال باهظة في تحريرها ويبدو اننا حمقي مغفلون لم نتعلم شيئا من حروب 56 و 67 عندما ابتلعت اسرائيل سيناء كل مرة في بضع ساعات, اذا ليست ايران هي التي تهدد امن مصر القومي لتصنف من اعداءنا واسرائيل وهي السرطان الخبيث القاتل المزروع في اجسادنا نعتبرها حليفنا.
اسرائيل في زمن فقدان الارادة المصرية وزمن حكامنا العملاء الذين تخابروا وعملوا للموساد والسي اي ايه ومن خلالهم لم تنتصر علينا اسرائيل عسكريا فقط ولكنها أيضا فرضت وصايتها وامرها الواقع وانتصرت علينا نفسيا استطاعت ان تلعب بعقولنا تدخلها وترتبها حسب هواها والدليل علي ذلك مثلا هناك الكثيرين في مصر يصدقون رغم المرارة ان اسرائيل يمكن لها يوما أن تكون صديقا لنا او ان المصريون مثلا لم يعد يفزعهم عندما يتهم مسئول عسكري صهيوني وهو المحتل والمغتصب عندما يتهم حماس المقاومة بالإرهاب, خربوا عقولنا وهممنا حتي اصبحنا نردد اليوم ما كانوا يخططونه لنا بالأمس. تحالفنا مع قاتلتنا اسرائيل التي قسمت أوطاننا وظهورنا واقامت دولتها علي انقاض كبريائنا وتاريخنا وهي التي كسرت عظامنا وشموخنا واذاقتنا المر والهوان علي مدي اكثر من قرن من الزمان اشكالا والوانا وهي التي تهدد هويتنا وعقيدتنا ووجودنا وهي التي احالتنا الي دويلات متخلفة تمزقها الفتن والأحقاد وهي التي احالت حياتنا الي فقر وبؤس وتخلف وهي التي قلبت العالم علينا وصورتنا له اننا مجموعة من الرعاع والقتلة الارهابيون الذين لا يستحقوا ان يعاملوا كآدميين وهي التي قسمت العرب الي شطرين منفصلين جغرافيا، فتشوا التاريخ والكتب والوثائق لتقرأوا كم العدوانية التي تقتلنا بها إسرائيل.
عززنا تبعيتنا وانبطاحنا لأمريكا سنين طويلة رغم أن أمريكا تعاملنا بكل إستحقار وإستخفاف وتؤكد بكل فجور وفي كل مناسبة دعمها اللانهائي الغير مشروط للإرهاب الصهيوني وهي تعلم أن هذا الدعم هو بمثابة طعنات قاتلة في قلب الحق والمواطن العربي أنظر مبعوثيها لدي الاممالمتحدة يقفون في كل مرة وبكل وقاحة في وجه اي حق عربي مشروع غير مكترثة بنا تجاهرنا العداء في كل المحافل ومع كل الأحداث وأدرنا ظهورنا لا شقائنا وشركائنا في العقيدة والدم والمصيرالذين يمدون إلينا بكل الإحترام جسور التعاضد والتضافر فهل من عاقل رشيد ؟. د.م. صبري عمار [email protected]