ماريانا بيلينكايا وافقت كل من الولاياتالمتحدةوروسيا مؤخراً على الحد من تصعيد اللهجة الخطابية بينهما والتي تجري في أروقة الجدال العام مع توجيه التركيز الى القضايا الجوهرية. والواقع فإن ذلك هو أقصى ما يمكن توقع أن تثمر عنه المحادثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس. ومن الناحية الرسمية فقد توجهت رايس بالزيارة الى موسكو لمناقشة اجندة الاجتماع القادم بين الرئيسين جورج بوش وبوتين المقرر خلال قمة مجموعة الثماني التي ستعقد خلال الشهر الجاري في ألمانيا. إلا أنه كان متوقعا أن تغطي زيارة رايس الى موسكو نطاقا اوسع من القضايا خاصة في ظل نقطة الإنكسار التي وصلت اليها مؤخرا العلاقات الأميركية الروسية وخوض وسائل الإعلام في الحديث عن حرب باردة جديدة. وكانت رايس قد عبرت قبيل توجهها الى موسكو عن قلقها إزاء السلوك الروسي بما في ذلك تعاملها مع الجمهوريات السوفيتية السابقة خاصة اوكرانيا وجورجيا وسياستها الخاصة بالطاقة ووتيرة التقدم الذي تقطعه روسيا على طريق الديموقراطية. اما موسكو فهي تبدي استياءها تجاه خطط واشنطن لنشر انظمة الدفاع الصاروخي في أوروبا وكذا سياستها في المنطقة التقليدية للنفوذ الروسي والشراكة غير الفاعلة بين روسيا والناتو. كما أن موسكو لا تقبل بالنقد الذي توجهه واشنطن لطريقة تعاملها مع الجمهوريات السوفيتية السابقة وكذا سياستها الداخلية وعلى الأخص ملف حقوق الإنسان. ويعتبر السياسيون الروس أن هذا الانتقاد هو مثال على المنافسة غير العادلة وإقحام التوجه الأيديولوجي في الشئون الدولية. وقد ساهم إعلان بوتين أواخر ابريل الماضي عن انسحاب روسيا من معاهدة الأسلحة التقليدية في زيادة تعقيد الموقف حيث اعتبر الغرب أن هذه الخطوة من قبل روسيا تمثل ردا منها على خطط نشر الدرع الصاروخي للولايات المتحدة في أوروبا. ومن جانبها ترفض موسكو مثل هذا التفسير كما ترفض الإدعاءات التي خرجت بها وسائل الإعلام لتقول بأن العلاقات الروسية الأميركية تتجه متسارعة نحو حرب باردة جديدة. وقد صرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عقب محادثاته مع رايس انه لا يعتقد أن موقف روسيا تجاه الولاياتالمتحدة يجب ان يوصف بأنه خطاب عدائي. وقال: إن التقييم الأصوب هو أن تلك دعوة لحوار أكثر انفتاحا حول جميع القضايا خاصة تلك التي تتباين في وجهات النظر بين البلدين. وأشار لافروف إلى أن وزارة الخارجية تدرك أن عليها أن تعمل بجد لحل الخلافات، وهو يشير في ذلك الى التباين حول خطط واشنطن الخاصة بنشر الدرع الصاروخي في اوروبا وانسحاب روسيا من معاهدة الأسلحة التقليدية ومعارضتها كذلك لخطة الأمم المحدة لإستقلال كوسوفوز وتتوقع رايس أن الدولتين ستتوصلان الى إتفاق حول كوسوفو في غضون أسابيع على الرغم من أن طريقة الوصول الى مثل هذا الإتفاق ما تزال مبهمة. وعن انظمة الصورايخ الباليستية الأميريكة قالت رايس انها يمكن أن تقوم بزيارة موسكو ومعها وزير الدفاع روبرت غيتس لإجراء محادثات مع نظيريهما الروسيين في الخريف القادم وهو ما قد يسهم في تقليص حالة سوء الفهم بين البلدين. وقالت رايس: إن الاختلافات لا تهدد العلاقات الثنائية. وفي حديثه امام الصحفيين قال لافروف: إنه لا مناص أن تظل روسياوالولاياتالمتحدة شريكتين إذا ما كانتا تدركان مسؤولياتهما على الساحة الدولية. وذكر لافروف أن بوتين وبوش قد وافقا على قائمة تضم عددا من القضايا التي يجب أن يجري تعاونا مشتركا بين الدولتين فيها وتشمل التعاون لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل والحرب ضد الإرهاب الدولي والجريمة المنظمة وتطوير برامج أكثر فعالية وكفاءة للاستخدام السلمي للطاقة النووية. واضافت رايس الى قائمة التعاون الروسي الأميركي ملفي البرنامج النووي في كل من إيران وكوريا الشمالية. وتشمل تلك القائمة الى جانب ذلك أوجه التعاون القائمة بين الدولتين في المجالات الثقافية والعلمية والتقنية والاقتصادية وهو ما يعطي انطباعا مثيرا للإعجاب إلا أن ذلك لا يعني أنه لا توجد مشاكل تهدد العلاقات الثنائية بين البلدين. ومن أسف أن نمط تطور العلاقات الثنائية في مجالات بعيدة عن الحرب لمواجهة التحديات الراهنة مثل الإرهاب الدولي غالبا ما يأخذ صورة كما لو ان الحرب ما تزال قائمة. والمثير للدهشة أن أشباح الحرب الباردة لم يتم دفنها بعد على الرغم من الصداقات الشخصية بين الأميركيين والروس على كافة المستويات. ومن ناحية أخرى فحالة الغضب العامة التي عبر عنها السياسيون في كلا البلدين كانت موجهة في القمام الأول للاستهلاك الداخلي. ولم يكن مفاجأ أن يقول لافروف :إن بوتين ورايس لا يريدان لروسياوالولاياتالمتحدة أن تصبحا رهائن للحملات الانتخابية في كلتا الدولتين حيث من المقرر أن يشهد العام القادم إجراء الانتخابات الرئاسية في البلدين. وعلى بوتين وبوش أن يتركا وراءهما أساسا راسخا للصداقة يمكَن خليفتيهما أن يسيرا قدما نحو المزيد من التعاون الثنائي. وتوجد قناعة بين السياسيين البارزين في الدولتين أن هذا الأساس قد تم إرساء قواعده بالفعل.
معلقة سياسية لوكالة أنباء نوفستي الروسية خدمة ام سي تي خاص بالوطن