جرت نقاشات، خلال الأيام الأولى للحرب ربيع 2003، بين عدد كبير من الإعلاميين العرب والعراقيين وبعض الأجانب، عن دافع الرئيس الأميركي لإجبار الإعلاميين على مغادرة العراق، واتفق غالبية هؤلاء، على رأي واحد، لم يجدوا غيره، وهو أن الإدارة الأميركية ، قررت احتلال العراق، مهما كلف ذلك، ولأنهم وضعوا في حساباتهم احتمال حصول مفاجأة في الميدان، وتتعرض قواتهم إلى أسلحة فتاكة، فإن الخطوة الأميركية، ستتجه فوراً إلى إبادة مدن بكاملها، وفي المقدمة منها العاصمة العراقية، ولتحقيق ذلك، ستستخدم القوات الأميركية أسلحة محرمة دولية، ولن تتردد عن استخدام الأسلحة النووية، وتكرر المشاهد المذهلة في ناغازاكي وهيروشيما في اليابان، عندما قررت الإدارة الأميركية حينذاك إنهاء الحرب العالمية الثانية، على الطريقة الأميركية، وأن تسبب ذلك بقتل مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء. اقتنع الكثيرون، أن الأميركيين قرروا اللجوء إلى أسلوب القتل والإبادة الجماعية للعراقيين ، إذا ما تعثر سير قواتهم البرية، التي يتم إسنادها بالقوة الجوية وبالصواريخ بعيدة المدى. ومن الملاحظ حينها أن الأميركيين قد تحدثوا عن جميع السيناريوهات المحتملة في حرب احتلال العراق ، ولم يضعوا ورقة واحدة للتراجع عن احتلال هذا البلد، ما يعني أنهم، لن يترددوا عن اللجوء إلى حرب الأرض المحروقة. إن الصور، التي تخيلها القادة في البيت الأبيض والبنتاغون، التي تخلفها تلك الحرب بخيارها الأخير، وهو أبشع الخيارات، يجب أن لا يراها العالم، من خلال وسائل الإعلام، لأنها تتناقض ببشاعتها، مع جميع المرتكزات والطروحات، التي زخر بها خطاب الديمقراطية والحرية ، وبناء المجتمعات الحديثة وفق الرؤية الأميركية المتحضرة. من هذا الفهم، أخذ الكثيرون يراقبون الخطوات الأميركية على هذا الصعيد، وتوصلنا إلى قناعة، مفادها أن الأميركيين إذا تلمسوا ملامح أخطار حقيقية تحيق بقواتهم وتمنعها من تحقيق أهدافها، سترغم وسائل الأعلام على مغادرة العراق، لتبدأ تنفيذ سيناريو التدمير الشامل والكامل لمدن عراقية، وستكون بغداد في مقدمتها، لكن وقائع الحرب سارت وفق الطريقة التي رسمتها إدارة البنتاغون، وبعد انتهاء الأسبوع الثاني من الحرب، مطلع أبريل 2003، تأكد أن العراق لا يمتلك أسلحة من تلك التي يمكن أن توقع الكوارث بالقوات الأميركية الغازية، حينها بدأ التعامل مع وسائل الإعلام بطريقة أخرى، ليتم توظيفها في نقل وقائع الانتصار الأميركي، الذين قرروا إعلانه من ساحة الفردوس جوار فندق الميريديان عصر التاسع من أبريل 2003، بإسقاط التمثال الشهير للرئيس صدام حسين. أما خلاف ذلك، فإن الأميركيين، خططوا لفعل ما يخدمهم باحتلال العراق، لكن على شرط أن لايكون هناك من يشهد على حرب الأرض المحروقة.