نحمد الله تعالى على نعمته وفضله، فقد عادت الثورة إلى مسارها الصحيح بفوز الدكتور محمد مرسي برئاسة المحروسة.. هذه أول مرة يقود البلاد عالم وأستاذ جامعي، لقد حان الوقت لإصلاح ما أفسده الجهل والطغيان، وجاءت الفرصة لتطبيق المنهج العلمي في إدارة الدولة.. لتعود مصر إلى الريادة التي تستحقها. هذه أحلى ثمرة لثورة 25 يناير، ولنزاهة الانتخابات، وحرية الرأي. التهنئة لشعب مصر، وللربيع العربي، وللدكتور مرسي. لا شك أن انتشار آليات ووسائل تحقيق النزاهة في الانتخابات كان له أبلغ الأثر في تحقيق الاستقرار السياسي وانتشار فكرة قبول الآخر في كافة الدول الحرة التي تستمتع بالديمقراطية. فالانتخابات النزيهة هي سر قبول نتائجها، واعتراف الأقلية بأحقية الأغلبية في تقرير مصير الوطن وسياساته. ولا تقتصر آليات النزاهة على عملية التصويت.. فهذه تكون محصلة لعمليات أخرى متعددة؛ تبدأ بتهيئة الفرصة لكل من يرغب في الترشح دون تعقيدات سياسية أو إدارية، وتوفير الفرص المناسبة للمساواة بين المرشحين في كل شيء. وقد توصلت الديمقراطيات الحديثة إلى ضرورة الاستقلال الكامل للجنة المشرفة على الانتخابات، ضمانا لنزاهتها وحيدتها.. مع تسليمها ملف الانتخابات كاملا، بدءا من إعداد كشوف الناخبين، وفتح باب الترشيح، ومرورا بتنظيم الدعاية، وضبط عمليات التصويت، وانتهاء بإعلان النتيجة كما أرادها الناخبون. وينبغي أن تكون هذه اللجنة المستقلة من القوة (المستمدة من القانون والدستور) بما يمكنها من مقاومة تغول السلطات الحاكمة، بدعم مرشحيها علنا أو سرا، بطريق مباشر أو غير مباشر.. لأن من يملك السلطة التنفيذية، يملك ذهب المعز وسيفه، ويستطيع التأثير في الانتخابات بوسائل متعددة. ومن أهم وسائل التأثير على الانتخابات، بل وتزييفها، الاستخدام السيء وغير المتوازن لوسائل الإعلام. فالإعلام المتخصص واسع الانتشار، عندما يفتقد الرشد والحيادية والضمير والأخلاق، يمكن أن يخلط الأمور ويسمم الأجواء ويقلب الحق إلى باطل ويحول الأسود إلى أبيض. وعندما يستخدم الإعلام بقصد تشويه مرشح بالباطل، أو تبييض صفحة سوداء لمرشح دون وجه حق، بما يؤثر على الناخبين ويصيبهم بالحيرة.. فهذا عين التزوير لأنه إخلال بالمساواة بين المرشحين، وتضليل للناخبين. لذا ينبغي أن تكون اللجنة المشرفة على الانتخابات لديها من القدرات والآليات ما يمكنها من منع هذا العبث، وفرض الحيادية على وسائل الإعلام.. وأن يكون لديها الحق في إغلاق أية وسيلة إعلامية تتعمد تشويه العملية الانتخابية بالاستغلال السيء للحرية الإعلامية. وبناء على ذلك فمن الواجب أن نتساءل: هل الانتخابات الرئاسية كانت حرة؟. لا شك أن الممارسة الإعلامية خلال الانتخابات الرئاسية كانت رديئة ومتحيزة وبعضها مأجور وبعضها متعصب، وبعضها منافق، وبعضها حاقد على من يتمتعون بالقبول الشعبي. من غير المعقول أن يترك أولي الأمر أو القائمون على العملية الانتخابية هذه الممارسات المتخلفة التي لا تتوافق مع الأخلاق، ولا القانون، ولا حتى العقل.. لأن نتائجها ومردوداتها لا تنعكس فقط على صحة ونزاهة الانتخابات ولكنها تتعداها إلى التأثير السلبي على الشعب؛ خلقيا واجتماعيا وسلوكيا بل واقتصادية. إن كثرة الكذب المكشوف وسيادة مبدأ تزييف الحقائق والتعصب الأعمى ضد المخالفين وانعدام القدوة الصالحة، ونشر الشائعات، والتناقض في المواقف والآراء، لا يمكن أن ينجب مواطنا صالحا، أو شعبا يتوافق مع قياداته.. بعد أن أصبح الشك في كل الناس وكل القيادات هو سيد الموقف. ومن المعروف أن أنجح النظم السياسية هي تلك التي تحظى بالرضا الشعبي، ويلتف الناس حولها، فيطيعونها ويتعاونون معها.. لأن الشعب هو الذي اختار هذه القيادات. فهل الأوضاع في مصر الآن- بعد هذه الحملة الإعلامية القذرة- يمكن أن تصل إلى هذا المستوى الراقي من التآلف بين الشعب وقياداته؟. لمصلحة من وجود هذا الانقسام الخطير بين أفراد الشعب الذين تعرضوا للماكينة الإعلامية غير العاقلة وغير المسئولة؟، ولمصلحة من التشكيك غير المنطقي في القيادات التي أفرزتها الانتخابات الحرة؟، لماذا يوحي الإعلام غير المسئول للشعب بأنه شعب قاصر لا يجيد الاختيار.. علما بأن هذا الشعب أذكى منهم ألف مرة، وأكثر وعيا من هذه الأبواق المتعصبة الجاهلة؟. نحن ندرك أن أبناء وتلاميذ صفوت الشريف الذين تم فرزهم أمنيا قبل تعيينهم؛ لابد أن يكونوا كذلك.. ولكن ألم تصلهم عدوى الثورة؟، ألم يعتذروا ويتظاهروا بالتوبة فور نجاح الثورة في خلع الطاغية؟، هل تصعب عليهم التوبة الصادقة؟.. إذا كان الأمر كذلك؛ فأين المسئولون بالدولة؟، أم أن هؤلاء المسئولون هم الذين طلبوا منهم القيام بهذه الحملة الدنيئة غير المسبوقة؟!. لقد بلغت ضراوة الحملة مبلغا يجعل الحليم حيران، ولقد فوجئت بأساتذة جامعيون محترمون وقد وقعوا ضحية للإعلام الكذوب، ويردد بعضهم أقاويل وإشاعات لا تتفق مع المنطق السليم لكثرة تكرارها وانتشارها في مختلف الوسائل.. فما بال المواطن البسيط العادي؟!. إن نجاح مرشح الثورة الدكتور محمد مرسي رغم هذه الحملة غير المسبوقة يدل أولا على توفيق الله تبارك وتعالى الذي يقول (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)، كما يدل على بطولة هذا الرجل ومن التفوا حوله فلم ييأسوا ولم ينهاروا أمام هذه الحرب الضروس، غير المتكافئة.. ولكن الأهم أنه يدل على عظمة هذا الشعب الذي صمد أكثر من نصفه أمام أعتى وأضخم آلة إعلامية مضللة. وعلى الرغم من ذلك؛ فما زلنا ننادي بتدعيم حرية الإعلام وعدم انتقاصها.. ولكن الإعلام الكذوب لا ينتمي إلى الحرية ولا إلى الوطن، ويجب وضع الآليات التي تمنع هذا السفه، فالإعلامي الكذوب ينبغي أن يكون مكانه السجن، وينبغي منعه من مخاطبة الرأي العام. همسات: • العسكري يتمسك بالدستور الذي أسقطته الثورة للتخلص من البرلمان المنتخب، ثم يتجاهله بالإعلان الدستوري (المكبل).. لماذا الكيل بمكيالين؟، ألم يكن من الأوفق ترك صلاحيات الرئيس كما هي لحين إعداد الدستور الجديد؟!. • نحمد الله أن الشعب ذكي، وواع لألاعيب النظام (الذي لم يخلع بعد).. كنت حزينا لضياع الطاقة الثورية قبل الاستفادة منها في إنهاض الوطن؛ ولكن بفضل الله فقد أدت أخطاء العسكر إلى عودة هذه الطاقة الفاعلة، ونتمنى ونتوقع أن يتمكن الرئيس محمد مرسي من استثمار هذه الطاقة الثورية واستكمال الثورة مع الثوار وإعادة الأخلاق الثورية. • الشعب الذكي والجماهير الواعية التي تدفقت على الميادين قبل إعلان نتيجة الانتخاب هي التي فرضت نزاهة الانتخابات ومنعت التزوير.. تحية إلى هذا الشعب العظيم. [email protected] الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة