المنصب مهما كان رفيعا فهو لا يعنى حتمية احترام من يتولاه. فقد يبدوا المرء وقورا ومحترما فى هيئته وحديثه بين العامة من غير ذوى المؤهلات الخاصة. فإذا تقلد منصبا رفيعا يتطلب أكثر مما عليه العامة وهو لا يملك أكثر من العامة شيئا انكشف أمره وظهر أن المنصب أكبر منه. فإذا تنحى طواعية عن المنصب يبقى الاحترام والوقار له مختلطا باحاسيس الشفقة والتعاطف. أما إذا استمرأ المنصب وأتى بالمصائب عن جهل ضاع الاحترام والوقار. وإذا أتى بالمصائب عن سوء قصد وخيانة فإن الاحترام والوقار يتحول إلى اشمئزاز واحتقار. وقصة حاكم مصر المخلوع مع شعبها مثل واضح تمام الوضوح فى مثل تلك القضية. وكذلك قصة مؤسسة الجامع الأزهر الشريف وشيوخه طوال حكم المخلوع. بل ومن قبل حكم المخلوع. بالتحديد منذ تخلى الحكم فى مصر عن قضايا التحرير والاستقلال والتنمية واستبدلها بسياسات الاستسلام والتبعية والتدمير لأرض مصر ونهب ثرواتها. وتعريض شعبها لطوفان من الافقار و التجويع والتجهيل، ومهاجمته بشبكة شيطانية من الامراض الفتاكة أصابت منه الجسد وكادت تحطم منه الروح، لولا فضل من الله ورحمته. لعقود من الزمان ظل شيوخ الأزهر والافتاء فى مصر يرقصون على نغمات نشاز يعزفها الحاكم الخائن ولا تمت لهذا الشعب ولا لتاريخه ولا لدينه بصلة ما. جعلوا من الاستسلام سلاما ينبغى الحفاظ عليه ولو كان الثمن هو التفريط فى الأرض والعرض. وتدمير الحاضر وضياع المستقبل. ألم يخرجوا علينا بفتاوى تجعل الاستسلام لإرادة العدو الذى كان لا يزال يحتل ارضنا ويرفض الخروج منها إلا بشروط مذلة يستبيح معها كل الارض العربية وأولها ارض مصر يعيث فيها من الفساد تحت دعاوى السلام المزعوم مالم يستطع فعله بالحرب؟ فكانت النتيجة هى التدمير الحاصل لمصرالآن ومنذ عقود من الزمان؟ حينئذ خرجوا علينا بقول :" وإن جنحوا للسلم فاجنح له ". وهل جنح العدو الاسرائيلى يوما للسلم حقا ؟ وبأى أمارة ؟ كانوا بفتواهم تلك يحرفون الكلم عن مواضعه تماما كما فعل ويفعل بنو اسرائيل، فقالوا على الله الكذب وهم يعلمون. وكتموا قوله تعالى:" واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم". وغيرها من آيات القتال حين يجب القتال. وهل يجب القتال فى حال أكبر من احتلال الأرض واستباحة العرض والمسجد الأقصى؟ لذلك وجب عليهم قوله تعالى : " إن الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون". وكان العدو الاسرائيلى أشد رهبة فى صدورهم من الله فكانوا شيوخا لا يفقهون. ولم تصدق فتواهم وعد الله سبحانه: " وكان حقا علينا نصر المؤمنين". وذلك ليس حال المؤمنين ولكنه حال المنافقين. لن أنسى يوم كان العدو الاسرائيلى يستبيح المسجد الأقصى بالحفر تحت أساساته فى سعيه لهدمه. يومها استغاثت إحدى مذيعات الفضائيات بشيخ الجامع الأزهر لعله يتلفظ بكلمة تستنكر فعل الصهاينة. فإذا به ينهرها أن قامت بالإتصال به. وقال لها فى غلظة: " وبتتصلى بى ليه؟ وأنا ها أعملك إيه؟ ما تروحوا تحاربوا". شيخ الأزهر يكرر حرفيا ما قاله بنو اسرائيل:" إذهب انت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون". ثم إنهم جعلوا من العدو الذى قتل رجالنا ونساءنا واطفالنا، واستحل مقدساتنا وما يزال يريق عليها كل يوم دماء أخوتنا فى الاسلام والعروبة والنسب، جعلوه صديقا حميما يلقونه بالترحاب. وصور لقاءات شيوخ الازهر بقادة إسرائيل بالترحاب والابتسام ومصافحة أيديهم الملوثة بدمائنا ودماء أبنائنا شاهد عليهم أمامنا لا ننساه، وشاهد عليهم أمام الله يوم القيامة " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا، ويحذركم الله نفسه". هذا قول نسوه كما نسوا قوله تعالى " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه والى الله المصير". لقد اتخذ شيوخ الازهر فى زماننا هذا من العدو الاسرائيلى ومن والاه وسب نبينا الكريم أولياء من دون المؤمنين. فنراهم يزحفون على بطونهم سعيا وتسولا لحوار بينهم. حوار بين الاديان كما يزعمون. ونرى الشيوخ لا ينطقون بكلمة تغضبهم مهما تجبروا واستكبروا. هل استنكروا يوما مولد أبو حصيرة؟ حيث كان يجىء الى أرضنا الطاهرة فى الريف من يقيم احتفالا يهوديا بالرقص والعربدة والصياح وشرب الخمر تحت حماية جنود الخائن. نعم اتخذوا من العدو الاسرائيلى ومن ولاه وسب نبينا الكريم وحرق المصحف الشريف والقى به فى القاذورات أولياء من دون المؤمنين. ليس ذلك فحسب بل هم يعادون المؤمنين الذين يمدون الينا اليد بالود والرحمة. هم يعادون أخوتنا فى الاسلام من أهل إيران وحكامها. ويفتعلون الأزمات لزرع الفتنة والفرقة بين المسلمين فى إيران والمنطقة العربية. وذلك تنفيذا واتباعا لسياسات الصهاينة وخدمتها. منذ متى وهناك خطر شيعى يهدد مصر والمصريين؟ وهل تخرج إيران الينا لنشر المذهب الشيعى وهناك على أرضها ملايين السنة لا تسعى لتشيعهم؟ فى إيران مسجد واحد لكل أربعة آلاف مسلم شيعى، بينما هناك مسجد لكل أربعة مائة مسلم سنى. وهناك أيضا كنيسة مسيحية لكل أربعين مسيحى. هل تترك إيران أولئك السنة والمسيحيين يتعبدون فى سلام على أرضها ثم تقفز عبر الحدود لنشر المذهب الشيعى؟ أى فائدة تعود عليها من ذلك الزعم؟ وهل المذاهب السنية بهذا الضعف الذى يجعلها عرضة للإنسحاب والضياع أمام المد الشيعى أو أى مد آخر؟ ولماذا لا يطمح شيوخنا الى نشر المذاهب السنية فى حال الاحتكاك الأخوى بين المسلمين سنة وشيعة ؟ ما الذى يجعل من الأمة الاسلامية خير أمة أخرجت للناس سوى أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. هل يتخلى شيوخ الأزهر عن واجبهم الدعوى؟ ( وتبقى إيه لازمتهم؟ ) أم أن إيمانهم وعلمهم أضعف من أن يواجه المذاهب الأخرى؟ ثم يرفعون عقيرتهم فى تذلل استجداءا لحوار بين الاديان دفاعا عن الاسلام تجاه من يستهزؤن به وبالمسلمين. إننى كمسلم أعبد الله كما علمنى كتابه العظيم وسنة نبيه الكريم لا أخشى أن أجادل فى دينى بالتى هى أحسن مع أى من كان بشرط ألا يكون عدوا فى حال قتال. أقاتل العدو واثقا فى إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة. وأقبل النقاش مع أى مذهب وأى دين واثقا فى إيمانى وعقيدتى وبأن رأيى - وليس عقيدتى فيقينى أنها الحق- هو الصواب وإن احتمل الخطأ. وأن رأى من يجادلنى هو خطأ وإن احتمل الصواب. وهذا قول الإمام الشافعى رضى الله عنه. من يشهد بأن لا إله إلا الله، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله وخاتم النبيين، ويقيم الصلاة وقبلته المسجد الحرام، ويصوم شهر رمضان،ويؤتى الزكاة، ويحج الى بيت الله الحرام فى مكة إن استطاع لذلك سبيلا، فهو أخى فى الاسلام. هو وأنا أخوة فى أمة واحدة. انصره على من عاداه من غير ديننا وانتظر منه أن ينصرنى. هو وأنا نعبد الها واحدا لا يحب المعتدين. وأنا لا أفهم كيف يتخلى شيوخ الأزهر الشريف فى زماننا هذا عن تقاليد ترسخت عبر مئات السنين بين اعمدته حين كان المذهب الشيعى الاثنى عشرى مذهبا يدرس ضمن علوم الاسلام، ولم تتشيع مصر. إن الشيعة يهيمون حبا لآل بيت رسول الله، والمصريون من السنة وصل حبهم لآل بيت رسول الله الى درجة العشق ويشهد له كل من يزور اضرحتهم فى ربوع مصر. بل يشهد له أن كثير من آل البيت أختار أهل مصر يعيش ويموت بينهم. وهل يرغب المرء أن يعيش وأن يموت إلا بين من يحبهم ويحبونه. وأنا أيضا لا أفهم أن يتطوع شيوخ الأزهر فى زماننا هذا بخدمة العدو الاسرائيلى بنشر الكراهية والعداء بين المسلمين سنة وشيعة. المستفيد الوحيد من هذا كله هو اسرائيل التى تعادى إيران وتتمنى تدميرها وسيخيب رجاؤها، وتعاديها إيران وتتمنى محوها كما نتمناه نحن وسيحدث يوما لعله قريب. إيران تعادى اسرائيل لأن اسرائيل تحتل وتدنس المسجد الأقصى وتستبيح أرض وعرض المسلمين السنة فى فلسطين. حين كانت إيران الشاه أكبر حليف لإسرائيل فى المنطقة لم نكن نسمع عن سنة وشيعة. بل كانت اسرائيل شريك ومعاون لإيران الشاه فى الحصول على الطاقة النووية. وبعد أن قامت الثورة الشعبية الاسلامية وأطاحت بحليف الصهاينة، قامت إيران الاسلامية بطرد السفير الصهيونى وسلمت مقر السفارة الاسرائيلية للفلسطنيين كمقر للسفارة الفلسطينية فى إيران. عندئذ بدأنا نسمع عن عداء يتولد بين السنة والشيعة. برغم أن الفلسطينيين هم من السنة ولم يتشيعوا. شيخ الأزهر الذى يصدع ادمغتنا بكلام عن الحوار بين الاديان وسماحة الاسلام كتبرير لانهزامه أمام أعداء الاسلام يأخذ موقفا عنتريا عنجهيا تجاه الشيعة فى إيران. وكأن شيعة إيران يعدون العدة لاحتلال مصر. بينما إيران منذ اضحت دولة اسلامية مستقلة لم تخرج أبدا عن حدود ارضها. بل إن كل ما تطمح فيه إيران هو توحيد الصف الإسلامى فى مواجهة العدو الصهيونى لتحرير فلسطين والقدس الشريف. شيخ الأزهر يأخذ موقفا عنتريا وعنجهيا ضد إيران كأن المذهب الشيعى هو مرض معد ينتقل بين الناس بالمصافحة. ولا يفكر حتى كيف أن ملايين السنة فى إيران نفسها لم تصبهم تلك العدوى. وشيخ الأزهر يتطوع بترديد أكاذيب عن سب الصحابة وامهات المؤمنين وكأن الإيرانيين ليس لديهم ما يفعلونه فى حياتهم سوى سب الصحابة وأمهات المؤمنين. وهى الاكاذيب وأساليب الوقيعة بين عباد الله والتى اشتهر بها اليهود ولطالما أخبرنا بها الله فى كتابه الكريم. ألا يقرأ شيخ الأزهر كتاب الله ؟ ويأتى القائم بالأعمال الايرانى الى شيخ الأزهر امتثالا لما يريده الله من عباده المؤمنين أن يكونوا اشداء على الكافرين رحماء بينهم، ويبين للشيخ أن إيران لا دخل لها بتلك الادعاءات وأن هناك عملاء لإسرائيل وحلفائها ينشرون هذه الادعاءات لبث الفتنة والوقيعة بين أخوة الاسلام. حينئذ يزيد الشيخ من عنتريته وعنجهيته ويقول أن الفتوى الصادرة من مرشد الثورة الايرانية على خامنئى بتحريم سب الصحابة وأمهات المؤمنين غير كافية ويعتبرها فتوى سياسية. ألا يعلم شيخ الأزهر أن مرشد الثورة الايرانية هو مرشد دينى فى الاساس ولا يتدخل فى السياسة إلا فى إطار ضمان ألا تخرج الممارسة السياسية عن المرجعية الاسلامية للدولة. وأن السياسة يقوم برسمها وممارستها رئيس الجمهورية والوزراء وتخضع للمساءلة من قبل البرلمان المنتخب؟ إن كان لا يعلم فلماذا يجادل فيما ليس له به علم. التعنت والاستكبار هو جوهر مطالبة شيخ الازهر أن يصدر مراجع الشيعة المعتبرين فى قم والنجف فتاوى ملزمة لكل أتباع المذهب الشيعى تحرم سب الصحابة والسيدة عائشة وتحرم نشر المذهب الشيعى فى بلاد السنة. أفهم تحريم سب الصحابة والسيدة عائشة كما افهم تحريم سب الدين. واطالب شيخ الازهر بالكشف عن موقف واحد اتخذه من سب الدين الذى يقتحم اذننا ليل نهار فى شوارع القاهرة، بل وفى ربوع مصر كلها. هل يدعى شيخ الازهر انه لا يسمع سب الدين من السفهاء والدهماء فى طرقات مصر. وإن كان هو يقيم فى برج عاجى عال ولا يختلط بالناس ولا يمشى فى الاسواق، هل يملك أن يدعى أنه لا يعلم أن سب الدين من قبل السفهاء والدهماء يحدث كل يوم وكل ساعة فى بلد الازهر الشريف ومن حوله. وهل يملك أن يمنعه. إن كان يملك أن يمنع سب الدين من قبل السفهاء والدهماء فى شوارع وحوارى وأزقة مصر، وأسواقها وحوانيتها ومقاهيها، ثم لا يفعل فهو آثم. وإن كان لا يملك أن يمنع سب الدين من قبل السفهاء والدهماء فى مصر فكيف يطالب علماء ايران وحكامها بما لا يستطيعه هو فى بلده وحول جامعه الازهر. هل يملك إلا أن يفتى بتحريم هذا الفعل؟ وهم قد حرموه وجاءت الفتوى من أكبر مرجعية دينية فى البلاد؟ وهل نطالب مفتى مصر بأن يجمع كل كبار علماء الدين فى الكليات الازهرية والمؤسسات الدينية كى يصدقوا على فتواه حين يفتى بشىء ؟ أم نقبل فتواه كفتوى شرعية برغم أن من يعينه فى منصبه هو الحاكم السياسى للبلاد ؟ ولكن شيخ الأزهر قد شق عن قلب مرشد الثورة الايرانية الذى لا يختاره إلا علماء الدين ولا سلطان عليه من قبل أى حاكم سياسى فى إيران، شق عن قلبه فعلم أنه أفتى بفتوى سياسية. وشيخ الازهر يطالب بفتوى بتحريم نشر المذهب الشيعى فى بلاد أهل السنة والجماعة. فهل يصدر هو أيضا فتوى بتحريم نشر المذاهب السنية فى البلاد التى يقطنها الشيعة. أن أصدر شيخ الأزهر تلك الفتوى فأنا كمسلم سنى أبشره بمقعده فى النار. وإن لم يصدرها فكيف له أن يطالب من هم على غير مذهبه بما يعتبر فى فقه هذا المذهب أنه طريق الى النار؟ بل أكثر من ذلك، هل يجرؤ شيخ الأزهر أن يطالب الاقباط بإصدار فتوى تحرم نشر المسيحية فى مصر؟ هل يجرؤ أن يطالب شركاءه فى الحوار بين الاديان بتحريم نشر كل منهم لدينه؟ أم هى العنترية والعنجهية . والمستفيد الوحيد هى اسرائيل. لا نحمل احتراما ولا توقيرا لحاكم مصر المخلوع وقد وضحت خيانته لنا ولبلدنا، بل لا نحمل له إلا إشمئزازا وتحقيرا. ولا ننسى أنه هو الذى أتى بهؤلاء الى مقاعدهم. فهم على شاكلته. فلا يطالبنا أحد بالاحترام والتوقير لهم. فلا الكرسى ولا المنصب يصنع الاحترام والتوقير. ولا الكرسى ولا المنصب يمنع الاشمئزاز والتحقير. ولكنه الموقف الذى يصنع هذا ويمنع ذاك. الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة