أظهرت ثورة يناير حوادث كثيرة ما كان أحد يتوقع حدوثها ، فمن المعلوم أن الثورات يعقبها الإضطربات ،ويكثر فيها التخوين ويُخرج الناس الكبت والقهر الذي عندهم وهذا معلوم في تاريخ الثورات في العالم القديم والحديث ، لكن أن يمتد هذا إلى من يحملون منهج الإسلام الصحيح البعيد عن التحريف والتبديل فهذا يحتاج إلى أن يقف الجميع ويدركوا أهمية الخطر المحدق بهم ، المنهج السلفي معلوم أنه امتداد لما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام رضي الله عنهم جميعا و معلوم أن السلفية ليست جماعة لها بيعة تقاتل من أجلها بل السلفية أعظم من أن تتحول إلى جماعة أو يمثلها طائفة أو مجموعة أو فرد من الناس لأنها منهج رباني عظيم لابد من أن نعرف أن مجرد اختزالها في ذلك خطأ جسيم ، السلفية التي تربينا عليها هي سلفية التعصب للدليل الصحيح والمنهج الإسلامي أما سلفية التعصب إلى الجماعة والأفراد فهذا كلنا منه براء بل من أهم ثوابت السلفية أنه لا بيعة فيها ولا قتال من أجل هذه البيعة ، وقد نجح جزء من السلفيين في بعض العمل المنظم الذي يحث عليه الإسلام و يأمر به لكن أن يتحول العمل المنظم إلى جلباب شخص يوالي ويعادى عليه فهذا أول طريق الهدم ، لا ننكر أن لبعض العلماء والدعاة السبق في المنهج والعمل ، أما أن يظن من قام بهذا أن له الحق في حمل الناس على الولاء والبراء له فهذا لا تقره السلفية ولا الإسلام ، الجميع يدرك أن الكل يخطأ ويصيب لكن أن تبدو بعض النجاحات لتصبح عنوان الولاء والبراء و أصبح بعض الشباب يولي ويعادي على جلباب الشيخ أو الداعية فذلك بداية الفساد حتى ظهر مصطلح "القول ما قاله فلان" . يا عباد الله السلفية لا بيعة فيها إلا بيعة الإسلام والخليفة الممكن له ، وليس فيها مغالاة في الأفراد والشيوخ ، لقد أظهرت الثورة عورات التربية المنهجية الغير صافية وأظهرت خطأ كثير من أقوال بعض الشيوخ الذين جعلوا ما لا يجوز قبل الثورة جائز بعدها وما هو من الثوابت أصبح متغيرات لا يظن كبار المنهج أن الدنيا دانت لهم وأن المدينة الفاضلة قد أتت وأن قربهم من صناعة القرار جعلهم في مأمن من شر الحكام وزبانية السلطة و ما جاء زمان إلا والذي بعده أشر منه ، وقال المصطفي صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني ثم الذين يولونهم ثم الذين يولونهم" . وهكذا حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك و كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه في مكه مضهطدون ومعذبون لكن كان عدوهم واحد معلوم لهم فلما هاجروا إلى المدينة أقاموا دولة الإسلام ويمكن أن تتخيل أنهم استراحوا من الاضطهاد والتعذيب والتنكيل ولكن أتاهم العدو من كل مكان من حيث لم يحتسبوا وأصبح الأمر أصعب مما كان في مكة فقد رمتهم العرب عن قوس واحدة ، وأظهرت اليهود عداوتها للنبي وصحبه وظهرت شوكة المنافقين بل وظهرت بينهم بعض جرائم المجتمع التي على أثارها نزلت أحكام الله الشرعية في الحدود وكيفية تطبيقها ، هذا كله يجعلنا ننظر حولنا لنعلم أنه كان قبل الثورة عدو واحد هو مبارك وأمن دولته و أعوانه من اللصوص وكان مجال الدعوة هو الطريق الوحيد أمامنا مع كثرة ما لاقى الدعاة دون أن يختلطوا بالسياسة أو بحياة العوام ، لكن بعد الثورة مختلف لقد دب بيننا الحسد والبغضاء وكثر الاعداء وقل احترام المنتسبين إلى السلفية لبعض وأعجب كل واحد برأيه واجتهاده وجمع كل دليل على قوله حتى ولو كان قولاً سياسياً والإجتهاد فيه مباح بل وصل الأمر لتسفيه الرأي الآخر ونسي أن الاجتهاد لا ينقد اجتهادا آخر ، و أن الاعتصام و التعاون على البر والتقوى هو من الفرائض ، وصار التنافس على الرأي والحكم والسياسة هو رأس مال المرحلة . أيها السلفيون أعبدوا الله ما لكم من إله غيره ، لن تقيموا دولة العدل إلا بعد أن تكفوا الأذى عن بعضكم وتضيعوا الأنا بينكم ويذوب البعض في الكل ويعترف كل واحد بخطأه وتعود المولاة والمعاداة على الإسلام لا على الأشخاص و الأسماء والهيئات ، لقد رسبتهم في أول اختبار حقيقي في مواجهة الباطل جملة واحدة وظهر فيكم أعجاب كل ذي رأي برايه ، لقد كنتم في مثالية قبل الثورة فلما خرجتم للحياة العملية كانت النتيجة صفراً لأنكم أفنيتم أعماركم بين الكتب لبثتم ثوب العفاف والترفع عن مخالطة الناس فلما اختلطتم بالناس ومارستم السياسة ظهر العور واستبان لكل عاقل أن الأمر يحتاج إلى مجاهدة ومحاسبة ومراقبة للنفس ، وأن ننكر الذات ولا نتعصب للأشخاص الذين هم يخطئون ويعصون و يستغفرون و يطيعيون . لابد للخروج من هذا المأزق ولابد أن يكون هناك مخرج من الفتنة لأن القادم أصعب بكثير مما فات ، فالدعاة الأن ما بين مؤيد للأعتزال ولازم لبيته عند الفتن وما بين مشتشرف لها لا يبالي بغمارها ، وبين معتدل يريد أن يجمع الجميع ، فالسلامة قبل فوات الأوان وقبل أن تضيع الفرصة والمرحلة من أيدينا ، لقد أصبح سمة هذه المرحلة الكذب والتخوين والولاءات لغير دين وهذا داء عضال والمخرج منه العودة إلى المنهج الصحيح وعدم الأخذ برأي عالم واحد ، بل يجب أن يكون هناك مجموع العلماء حتى نخرج من هذه الفتنة وأن يعذر بعضنا بعضا ، وأن يتوجه الجميع نحو قضية واحدة الكل يعمل من أجلها ونتوحد عليها وأن نوقر كبيرنا ونحترم صغيرنا ولا نسفه بعضنا و يكون الاختيار على الكفاءة والدين حتى وإن لم يتربي بيننا ، ولا يكون الإختيار على الولاء الذي يؤدي إلى وجود ضعفاء في كثير من الأماكن التي تضعف قوة الصف الإسلامي وتؤدي إلى ظهور العجز عن تأدية الواجب في هذه المرحلة ، ليعلم الجميع أن الكل موقوف أمام الله ومسئول عما يقول ويفعل ، ونسأل الله العفو و العافية في الدنيا والآخرة . [email protected]