توتال إنيرجيز توافق على بيع نصف مشروعاتها للطاقة الشمسية في أمريكا الشمالية    السلطة الفلسطينية ترحب بخطة ترامب لإنهاء حرب غزة    الأمم المتحدة تؤكد استعدادها لدعم خطة ترامب للسلام    فيضان النيل الأزرق .. المياه تدفقت أعلى سد النهضة والخطر يحدق بالسودان و يقترب من مصر    انخفاض اليوريا العادي، أسعار الأسمدة اليوم في الأسواق    برشلونة يستهدف التعاقد مع ألفاريز قاهر ريال مدريد    "شنكار الشحات" اللقطة الذهبية في القمة 131    في ظهور نونو سانتو الأول.. وست هام يتعادل مع إيفرتون    الشحات: تعاهدنا خلال عزومة ياسر إبراهيم على الفوز بالقمة    5 أطعمة تنظف شرايين القلب وتحسن الدورة الدموية    الرئيس الفرنسي يرحب بخطة ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة    مصادر ل«أهل مصر»: 8 مقاعد لحزب العدل بالقائمة الوطنية لانتخابات «النواب»    «مهزوز وشخصيته ضعيفة».. شكيابالا يفتح النار على فيريرا    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم دراجتين ناريتين بالدقهلية    الأسواق العشوائية والتعديات تخنق شوارع الفيوم.. ومطالبات بتدخل عاجل من المحليات    ترقب الأسواق لاجتماع البنك المركزي المصري.. ماذا ينتظر الدولار والذهب؟    النوم بعد الأربعين.. السر المنسي لصحة الدماغ والقلب    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 في مرسى مطروح    البيزنس الأسود لجماعة الأخوان «الإرهابية» تستخدم التبرعات وحصيلة الاستثمارات لتمويل المنصات الإعلامية الموجهة ضد مصر    وزير البترول يكشف ل أحمد موسى موقف زيادة أسعار الوقود    مجدي عبدالغني يحذر الأهلي بسبب بيراميدز.. ويؤكد: «الزمالك على استحياء هيكون تالت الدوري»    بعد هزيمة الزمالك.. لميس الحديدي ساخرة: قلبي يقطر دما    الأهلي يهزم الزمالك في القمة 131 ويشعل صراع الصدارة في الدوري المصري    عاجل - ترامب: خطتي للسلام في الشرق الأوسط قد تشمل إيران    السفير محمد كامل عمرو: خطة ترامب قد تكون بذرة صالحة للتسوية في غزة إذا ما نُفذت بنزاهة    أحمد داش يشاهد فيلم لا مؤاخذة بعد 11 عامًا من عرضه الأول    جيريمي سترونج يجسد مارك زوكربيرج في الجزء الثاني من The Social Network    جنات تتألق في ظهور عائلي نادر مع منى الشاذلي وتكشف أسرار ألبومها الجديد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-9-2025 في محافظة الأقصر    وزير الطيران يبحث مع نظيره البولندي تعزيز التعاون في مجالات النقل الجوي    وزير الإسكان يزف بشرى سارة للمصريين: طرح 25 ألف وحدة جديدة    سر بسيط من الطبيعة هيساعدك في تنظيم سكر الدم وتعزيز الطاقة    وزير الري الأسبق: إثيوبيا مررت 5 مليارات متر مكعب من سد النهضة خلال الأسبوع الماضي    بعد تعميق الهجوم الإسرائيلي: نزوح 800 ألف فلسطيني من مدينة غزة    3 أيام عطلة رسمية.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 في مصر للقطاع العام والخاص بعد ترحيلها    أول حفل مباشر لمغنيات "K-pop Demon Hunters" الحقيقيات على مسرح جيمي فالون    اليوم، الحكم في دعوى التعويض ضد الفنان أحمد صلاح حسني    الأرصاد تحذر: موجة تقلبات جوية تضرب البلاد خلال الأيام القادمة    الداخلية الكويتية: ضبط مقيم عربي خطط لعملية إرهابية تستهدف دور العبادة    فيضان النيل يحاصر «جزيرة داوود» بالمنوفية.. والأهالى: «نستخدم القوارب»    راحة فورية وطويلة المدى.. 7 أطعمة تخلص من الإمساك    غير الحمل.. 7 أسباب لانقطاع الدورة الشهرية    ترحيب «مصرى- إماراتى» بمبادرة «ترامب» لوقف الحرب في غزة    الأردن: جماعة الإخوان أنفقت 1% من التبرعات على جهات إغاثية والباقي على أنشطتها المحظورة    37 عامًا على رحيل فتحي رضوان «المثقف الشامل»    احتكاكات غير لطيفة مع بعض زملاء العمل.. توقعات برج الحمل اليوم 30 سبتمبر    موظف بسيط دخل التاريخ صدفة.. حكاية أول وجه ظهر على شاشة التلفزيون    "التعليم في مصر الفرعونية" ضمن أنشطة ثقافة الغربية للتوعية بمخاطر الأمية    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 30 سبتمبر 2025    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم الثلاثاء 3092025    تعرف على مواقيت الصلاة غدا الثلاثاء 30سبتمبر2025 في المنيا    اسعار الحديد فى أسيوط اليوم الثلاثاء 3092025    بسبب خلافات مالية.. تجديد حبس المتهم بقتل صديقه في مصر الجديدة    إلغاء «طموح جارية» من مناهج الإعدادية 2026.. توزيع منهج اللغة العربية والدرجات وخطة التدريس كاملة    قرار جديد بشأن بلوغ المعلمين سن المعاش 2025.. (تعليمات عاجلة للمديريات والتأمينات الاجتماعية)    الرئيس السيسي يدعو مجلس الشيوخ للانعقاد الخميس 2 أكتوبر    عضو مركز الأزهر: الزكاة طهارة للنفس والمال وعقوبة مانعها شديدة    خالد الجندي: آيات القتال مقصورة على الكافر المقاتل وليس الدعوة للعنف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجمهور مش عايز كده!
نشر في الشعب يوم 21 - 04 - 2007


بقلم: د. فيصل القاسم

غالباً ما نتحدث عن الديكتاتورية السياسية والدينية، علماً بأن هناك ديكتاتورية لا تقل بشاعة وإرهاباً وفتكاً، ألا وهي الديكتاتورية الإعلامية، فوسائل الإعلام، في الشرق والغرب، على حد سواء، تمارس استبداداً خطيراً، حتى لو بدا أقل فجاجة من السياسي والديني. ماذا يمكن أن نقول عن التحكم الإعلامي بأذواق الجماهير وبرمجتها ووتوجيهها وتعويدها على أنماط ونماذج معينة، ثقافياً وفنياً واجتماعياً، رغماً عنها؟

ألا يمارس الإعلام نفس الدور الذي يمارسه الطغاة في فرض توجهاتهم ورؤاهم ومعاييرهم ووجهات نظرهم على الناس، دون أن يكونوا راضين أو متقبلين لتلك التوجهات؟ ولا أبالغ إذا قلت إن الطغيان الإعلامي يكاد يكون أكثر خطورة على المجتمعات من الطغيان السياسي، لأن الأخير أشبه بالدمل الخارجي، فهو، على حد تعبير الطبيب المفكر خالص جلبي،على الأقل، واضح ومؤلم ومقاومته سهلة. أما الطغيان الإعلامي فهو غير مؤلم ومقاومته معقدة، وهو في هذا يشبه السرطان. فإذا كانت الديكتاتورية السياسية أشبه بالخرّاج، فإن الهيمنة الإعلامية ورم خبيث. الأول سطحي، والثاني خفي. ما أسهل أن تقاوم الديكتاتور السياسي، لكن ما أصعب أن تقاوم الديكتاتور الإعلامي، فهو أكثر قدرة على خداعك والتقرب منك وتخديرك بوسائله الماكرة والإغرائية.

وبما أن المجتمعات العربية تقبع تحت استبداد مقيت يفرض نوعاً واحداً من كل شيء، فإن قدرتها على مقاومة الطغيان الإعلامي ظلت محدودة، إن لم نقل معدومة، حتى انبثق عصر السماوات المفتوحة الذي بدأ يحطم القبضة الحديدة للأنظمة الطغيانية ويحرر المجتمعات من هيمنتها بأشكالها كافة. لكن الكثير من وسائل الإعلام التي انطلقت مع الثورة الإعلامية الحديثة راحت، من سخرية القدر، بدورها تمارس الاستبداد الإعلامي بحجة التعددية الإعلامية بدهاء أكبر وتأثير أخطر، وكأنك "يا بو زيد ما غزيت"!

صحيح أن من حق الجميع أن يطلقوا وسائل إعلام تعبر عن توجهاتهم وميولهم ومصالحهم المختلفة في عصر الانفتاح الإعلامي، وصحيح أيضاً أن هذا التعدد الموجود في الفضاء دليل ديموقراطية إعلامية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً بفضل التطور الخطير الذي وصلت إليه تكنولوجيا المعلومات، إلا أن الديكتاتورية، على ما يبدو، متجذرة في النفس الإنسانية حتى لو اتيحت لها ممارسة أقصى حالات الديموقراطية.

لم يستفد الإعلام العربي مثلاً من نعمة التعددية الإعلامية التي وفرتها ثورة الاتصالات الحديثة، إلا ما ندر. صحيح أننا أطلقنا مئات القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية، إلا أننا بقينا ندور في فلك الاستبداد. ماذا يمكن أن نسمي هذه الموجة الجارفة من الفضائيات الغنائية والفنية والترفيهية التي تجتاح الفضاءات العربية من المحيط إلى الخليج؟ أليست ديكتاتورية من نوع ما؟ لماذا ظل التعدد الإعلامي خجولاً في مجتمعاتنا العربية؟ فإذا قارنا عدد الفضائيات التنويرية بالشعبوية نجد أن الأخيرة تفوقها بأضعاف مضاعفة.

قد يقول البعض إن الأمر ذاته ينطبق على البلدان الغربية الديموقراطية، حيث يزيد عدد وسائل الإعلام الشعبية الصفراء على وسائل الإعلام التنويرية بنفس القدر أو أكثر. وهذا صحيح. لكن الفرق بيننا وبينهم أنهم قطعوا أشواطاً هائلة على طريق التقدم التكنولوجي والصناعي والعلمي والثقافي، وقد يكون من حقهم أن يأخذوا استراحة محارب حتى لو كانت استراحة ماجنة، بينما ما زلنا نحن العرب نعيش في مرحلة ما قبل عصر التصنيع تكنولوجياً، وفي العصر القبلي سياسياً وثقافياً واجتماعياً. بكلمات أخرى، فإن ما ينطبق على المجتمعات الغربية لا ينطبق على المجتمعات العربية، لا من حيث العقلية والثقافة، ولا من من حيث مدى التقدم. بعبارة أخرى، فقد قفزنا إلى المرحلة الغربية دون أن نمر في مخاضها، أي أننا أخذنا قشورها من دون أن نعيش جوهرها. ناهيك عن أن تلك القشورالإعلامية التي أخذناها من الغرب ضارة جداً حتى بالنسبة للمجتمعات الغربية ذاتها، فهي أسوأ ما أنتجته تلك المجتمعات؟ هل يمكن أن نسمي التعهير والانحلال الإعلامي الغربي تقدماً مثلاً، أم هبوطاً؟

إن الإعلام الغربي شعبوي وتسطيحي وتخديري وحتى منحط إلى حد كبير، فهو يصنع النماذج الساقطة والسخيفة والهابطة، ويفرضها على المجتمعات الغربية، كأن يركز ليل نهار على مطربة أو فنانة أو لاعب كرة، بينما يتجاهل المفكرين والمثقفين والكتاب والأدباء، بحجة أن "الجمهور عايز كده"، وأن علينا أن نساير رغبات الجمهور ومتطلباته وأهواءه، بينما هو في الواقع، إعلام ديكتاتوري إلى حد بعيد من ناحية فرض نماذج وأنماط معينة دون غيرها على الجمهور، ثم يدّعي أن الجمهور يريد ذلك، ناهيك عن أن "الديموقراطية" الإعلامية الغربية المزعومة ليست مقياساً ولا حتى مثالاً يُحتذى، فهي، كما أسلفت، أقرب إلى الاستبداد عندما يتعلق الأمر بتوجيه الشعوب وتسييرها وبرمجتها وتخديرها، بالرغم من ادعائها التحرر والتنوع والاستقلالية. مع ذلك، فقد ضربت وسائل الإعلام العربية عرض الحائط بكل تلك الحقائق البشعة عن الإعلام الغربي الأصفر، وراحت تقلده على طريقة القرود.

ولعل السمة المشتركة الأبرز بين وسائل الإعلام العالمية، ومنها العربية، أنها قهرية وقسرية إلى حد كبير. ولو أخذنا الإعلام العربي الشعبي الذي يزعم التحرر والديموقراطية ومسايرة الشعوب تحديداً، لوجدنا أنه ديكتاتوري إلى أبعد الحدود، بحيث لا يختلف عن الإعلام السياسي التابع للأنظمة الشمولية، فالاثنان ينصّبان نفسيهما موجهين للجماهير وقيمين على أذوقها، الأول ثقافياً وفنياً واجتماعياً، والثاني سياسياً.

ما النماذج التي يحاول الإعلام العربي فرضها على ملايين المشاهدين العرب، أليس نموذج المغنيات والمؤديات والراقصات الماجنات؟ هل يُعقل أن مؤدية ساقطة أجرت لجسدها عشرات عمليات التجميل، وحقنت جسمها بكيولات من السيليكون وقد أصبحت المثل الأعلى للجمهور العربي؟ بالطبع لا. قد تحاول الفضائيات العربية أن توهمنا بأن هذه الفنانة الماجنة أو تلك قد غدت النموذج الأمثل للمشاهدين والمشاهدات، لكن الحقيقة غير ذلك تماماً. ليس صحيحاً أن النماذج التي تروج لها التلفزيونات العربية الغنائية والاجتماعية هي المأمولة أو المرجوة أو المطلوب احتذاؤها. ولا أبالغ إذا قلت إن العكس قد يكون صحيحاً.

لقد شعرت بفرحة كبرى لظهور قناة فضائية عربية فنية شعبية تسعى إلى معاكسة التيار الإعلامي السائد والمهيمن على الساحة. هذه القناة تشن منذ انطلاقها قبل فترة حملة شعواء على نماذج التعهير التي تتبناها الفضائيات المسيطرة الأخرى وتصنعها. واللافت أن السواد الأعظم من الذين يتصلون ببرامج تلك القناة الخارجة على السرب يمطرون الفنانات والمؤديات والراقصات والساقطات اللواتي ظنن أنهن أصبحن ملهمات المجتمعات العربية وأيقوناتها ومبتغاها ومثلها الأعلى، يمطرونهن بوابل من السباب والشتائم والإهانات، مما يعني أن تلك النماذج هي نماذج مرفوضة، لكنها مفروضة بقوة الإعلام الديكتاتوري، لا أكثر ولا أقل، وهن قد لا يمثلن إلا شريحة صغيرة جداً من المجتمعات. بعبارة أخرى، "الجمهور مش عايز كده"، بل هو ضحية التسلط الإعلامي البغيض.

وحتى لو تعود الجمهور على بعض الأنماط التي يصنعها الإعلام فليس لأنه اقتنع بها، بل لأنه لا يرى غيرها أمامه. إن الإنسان أشبه بالكومبيوتر، فنظرية الحاسب الآلي تقوم على مبدأ: rubbish in, rubbish out ، أي ضع في الكومبيوتر معطيات جيدة يُخرج لك معطيات جيدة، وأعطه معطيات سيئة يُخرج معطيات سيئة. وكذلك الأمر بالنسبة للمستهلك الإعلامي، قدم له مادة صالحة، تصنع منه مستهلكاًً صالحاً. ما أصعب أن ترتقي بالجماهير، وما أسهل أن تهبط بها إلى أسفل السافلين!

وكما عانينا ومازلنا نعاني سياسياً من ظاهرة الزعيم الأوحد، فقد بدأنا نعاني الآن من ظاهرة النموذج الاجتماعي والغنائي والفني الأوحد الذي يمثله بعض الفنانين والفنانات، والذي تروجه فضائيات "الهشك بيشك"،على الرغم من محدودية أتباعه. لا شك أننا بحاجة إلى عشرات القنوات لمواجهة استبداد الإعلام الجديد الذي يحاول أن يفرض على مجتمعاتنا أشكالاً وأنماطاً معينة، لهذا فإن القناة آنفة الذكر قد لا تستطيع أن تتصدى لهذا المد الإعلامي الطغياني الذي يجتاح عالمنا العربي كاجتياح النار للهشيم، رغم جرأتها الرائعة في تسخيف النماذج الرائجة وتعريتها وفضحها، وربما تبقى صرخة في واد. وأخشى أن تكون كمن يتصدى لدبابة بحصوة. فالسلعة الرديئة في بلادنا العربية يبدو أنها تطرد السلعة الجيدة، وليس العكس، خاصة أن المتمولين وأصحاب الملايين القائمين على بعض الامبراطوريات الإعلامية العربية لا يحبون المتاجرة إلا بالسلع الرديئة، كما يظهر من نوعية فضائياتهم ونماذجها الساقطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.