رأى المحلل السياسي الصهيوني "يوآف كرني" في مقال تحليلي نشره موقع "جلوبس" الصهيوني أن هناك أوجه شبه كبيرة بين تركيا 1980 ومصر 2012. وقال:"إلا أن هناك فارقا كبيرا وهو أن جنرالات المجلس العسكري المصري يخشون انتهاج أسلوب القمع السياسي واستخدام يد من حديد للسيطرة على مجرى الأمور في مصر للحيلولة دون صعود الإسلاميين لسدة الحكم حتى لا يكون مصيرهم كمصير الجنرال التركى "كنعان ايفرين،" مشيراً إلى أن الوضع الجديد السائد في مصر الآن هو نفس الوضع التركي، وهو "معسكر علماني" تحكمه أغلبية إسلامية متشددة. وأضاف:"إن الجميع في تركيا على قناعة تامة بأن الجنرال "كنعان إيفرين" لم يفعل إلا الصواب وأنه أنقذ تركيا من نفسها في 12 سبتمبر 1980، وأنه برغم عمله بيد من حديد وحملات الاعتقالات الجماعية، والتعذيب والقتل ومصادرة الممتلكات وفرض دستور جديد يتضمن بنوداً بشعة، إلا أنه ضمن لنفسه منصب رئيس الجمهورية لمدة سبع سنوات. وتابع الكاتب الصهيوني "يوآف كرني" بأن النتائج رغم كل هذا لم تكن سيئة، حيث تم تنظيف الشوارع من الثوار اليساريين الراديكاليين والفاشيين العدوانيين، والبطش باليسار واليمين بلا رحمة وبدون تفرقة، الأمر الذي أدى إلى عودة الأمن إلى الشارع وانتعاش الاقتصاد لدرجة أن تركيا لازالت تقطف ثمار تلك السياسات حتى يومنا هذا، وفي نهاية المطاف عادت الساحة السياسية للعمل مرة أخرى. وأضاف "كرني": من حسن الطالع أن باب السياسة في تركيا لم يفتح في حينه على مصراعيه، حيث كان يجب حماية الوطن من الأرواح الشريرة المنفلتة، مشيراً إلى أنه بعد مرور نصف قرن على الأب المؤسس "كمال آتاتورك"، إلا أنه لازال يجب حماية الجمهورية العلمانية من مؤامرات الإسلاميين، الذين يتآمرون من أجل إعادة الدولة العثمانية، مشيراً إلى أن الدستور كان ذو أنياب حادة ضد الإسلاميين. يذكر أن العسكريين الأتراك أطاحوا بحكومات منتخبة ثلاث مرات في 1960 و1971 و1980 في تركيا ، بحجة وفائهم لمهمتهم المتمثلة في حماية المبادئ التي أرساها مؤسس الجمهورية التركية الحديثة "مصطفى كمال أتاتورك"، كما أقال العسكريون الذين اعتبروا أنفسهم حماة المبادئ العلمانية في الدولة ، حكومة إسلامية من السلطة في 1997، وكان انقلاب الثاني عشر من سبتمبر 1980 الأكثر دموية، حيث اعتقل خلاله مئات الآلاف من الأشخاص، وحوكم حوالي 250 ألفًا آخرين، وأعدم خمسون معتقلاً ومئات العشرات من الآخرين تحت التعذيب في السجون، وحينها برر العسكريون تدخلهم بأن تركيا كانت على حافة حرب أهلية وتشهد يوميًّا مواجهات بين مجموعات متطرفة من اليسار واليمين على حد سواء، مع الشرطة أو بينها. وتابع "كرني" أن الجنرال "أفرين" انسحب من الحياة السياسية وترك التركة للجيش الذي أدار الحياة بشكل مستنير، دون القفز على السلطة، ودون إرسال دبابات للشوارع، حتى وصل الإسلاميون إلى سدة الحكم في النهاية بأساليبهم المعروفة، والتي تتمثل في التصرفات الجيدة واحترام الجيش في البداية وانتهاز الفرصة للقفز على السلطة عن طريق الانقلاب الهادئ على الجنرالات، على حد وصف الكاتب. وقال "كرني" بأن الأسبوع الماضي، قبل عيد ميلاده ال 85، تم استدعاء الجنرال "ايفرين" وإجلاسه على مقعد الاتهام في المحكمة بأنقرة هو وشركاته في انقلاب 1980 بسبب الجرائم التي ارتكبها ضد الإنسانية، والتي قد تصل عقوبتها إلى السجن مدى الحياة، مشيراً إلى أن النهاية المخزية لكنعان إيفرين هي صافرة الإنذار التي تدوي أصدائها في آذان كل حاكم عسكري، لاسيما الجنرالات في مصر، على تحد تعبير الكاتب. وأضاف الكاتب الصهيوني أنه منذ سقوط "حسنى مبارك" والسؤال المطروح هو كيف سيتصرف الجنرالات المصريون في نهاية الأمر، مشيراً إلى أن كل الأدلة تشير إلى أن قيادات الجيش المصري خصصوا لأنفسهم مهمة مراقبين محليين، وهو الدور الذي قام به الجيش التركي حتى الآونة الأخيرة، وهو نفس الدور الذي يقوم أيضاً الجيش الباكستاني الآن. وتابع "كرني" أن التجربة التركية هي الأهم في هذا المقام، وهي بحسبه الأقرب لأن الجيش في الدولتين هو الذي تلقى على كاهله مهمة مصحح الطريق، مشيراً إلى أن الجيش في الحالتين صعد إلى سدة الحكم لتصحيح أنظمة فاشلة وحاول إقصاء الإسلاميين من السياسة، إلا أن تلك المحاولات في النهاية كللت بالفشل. وأضاف الكاتب أن تركيا هي نسخة معدلة لصعود الإخوان المسلمين لسدة الحكم، حيث وضعت اللبنة تلو الأخرى لبناء تركيا الإسلامية، مشيراً إلى أن رغبة "رجب طيب أردوجان" رئيس الوزراء التركى في الطعام تتزايد مع الأكل، الأمر الذي تجلى بوضوح في خطاب فوزه بعد تبني قانون التعليم الذي أعاد حصص الدين للمدارس التركية، مؤكداً أن أسس الجمهورية العلمانية تحت مجهر بندقيته الآن حيث يحاول التخلص من المبادئ التي أرساها "كمال آتاتورك"، والتي يكرهها كل فصيل للإخوان المسلمين في مختلف أنحاء العالم لأنه الرجل الذي قضى على دولة الخلافة العثمانية. وتابع كرني أن سقوط الجيش في الحالة التركية هو أحد أكبر الأحداث المأساوية التي شهدها الشرق الأوسط، حيث جعل الساحة السياسية في تركيا "قطيع علماني" تقوده أغلبية إسلامية. وأضاف الكاتب الصهيوني أنه رغم وجود فروق كبيرة بين تركيا ومصر، إلا أن التجربة التركية تستحق الدراسة بسبب قلة صبر الإخوان المسلمين في مصر، والذين حاول "أردوجان" خلال زيارته للقاهرة في العام الماضي أن ينصحهم بضبط النفس وتحدث معهم عن ضرورة الترويج للصورة العلمانية للدولة، وحذرهم من خطورة التسرع في القفز على السلطة، إلا أنهم حنثوا وعودهم بعدم السعي لاكتساح الأغلبية بمجلس الشعب، وسعوا للسيطرة التامة على تأسيسية الدستور، وفي النهاية قرروا الدفع بمرشح منهم للانتخابات الرئاسية، ناهيك عن محاولات السيطرة على كل مراكز القوى المدنية في البلاد. وأردف الكاتب أن سرعة تقدم الإخوان المسلمين يجب أن تثير مخاوف الجنرالات في مصر، فالشيء الذي حققه "أردوجان" على مدى 15 سنة، حققه الإخوان خلال أسابيع، مشيراً إلى أنه ليس من الواضح ما يستطيع جنرالات العسكري فعله للهروب من مصير "كنعان إيفرين"، ولكنهم بالقطع سيحاولون تأخير الميعاد. وتساءل الكاتب: هل لنا أن نتناول بجدية قرار الجنرال "عمر سليمان" بالترشح للرئاسة؟ إن نائب "مبارك" هو ابن النظام القديم، وفوزه في انتخابات ديمقراطية لا يبدو منطقياً. وتابع الكاتب الصهيوني: مهما يكون سبب دخوله المفاجئ للمعركة الانتخابية، فإن "سليمان" يعبر عن الأزمة التي تواجهها النخبة العسكرية، مشيراً إلى أن مساحة المناورة أصبحت ضيقة، واقتربت ساعة الحسم، ومؤكداً أن محاولة الجيش الحيلولة دون احتكار الإخوان المسلمين للسلطة قد تؤدي إلى نتائج إيرانية، أي ربما يكون مصير العسكري مثل مصير شاه إيران.