المجزرة الأخيرة التي ارتكبها العدو الصهيوني في غزة وذهب ضحيتها ما ينوف على 28 شهيداً وعشرات الجرحى، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في سلسلة العدوان على القطاع. نعم هي سياسة "إسرائيلية" دائمة، فما بين الفينة والأخرى تقوم قوات الاحتلال باغتيال الناشطين الفلسطينيين في ظل التهدئة غير الرسمية بين الجانبين والتي تتم عادة بوساطة طرف ثالث. الجديد هذه المرة أن الصواريخ البدائية التي تطلقها فصائل المقاومة رداً على العدوان "الإسرائيلي" الدائم، رأى نتنياهو أنها تأتي من أجل خدمة أهداف إيرانية! بمعنى أنه لا يرى فيها رداً على المجزرة التي ترتكبها قواته، وهي أبسط وسائل الرد للمحتلة أرضهم، الذين إضافة إلى كل ذلك يعانون حصاراً خانقاً للعام الرابع على التوالي. ما يلفت النظر في التهدئات جميعاً التي تمت بين الطرفين منذ سنوات، أن "إسرائيل" لا تلتزم بها، فتقوم طائراتها باغتيال الناشطين الفلسطينيين في قلب القطاع، وتقوم المقاومة بقصف المستعمرات القريبة من غزة، ومن ثم تقوم "إسرائيل" بالتصعيد وبعد ذلك تبدأ الوساطة لسريان تهدئة جديدة، وهكذا دواليك. أي أن "إسرائيل" تقترف كل ما تريد وتغتال من تغتاله، وتقصف الأهداف التي ترتئيها وتدرك بأن التهدئة هي الخطوة القادمة. بصراحة مطلقة نقول، وإن كان في كلامنا ما يُغضب البعض ويرتئي فيه "فلسفة من بعيد" انطلاقاً من المثل العربي "من يأكل العصيّ ليس كمن يعدّها" نقول: أن لا تهدئة بين قوات احتلال غاشم ترتكب المجازر دوماً وبشر يعانون احتلالاً قسرياً، وحصاراً طويلاً، وقتلاً دائماً، ومنعاً من إعادة إعمار ما دمرته "إسرائيل" في عدوانها على القطاع في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009. التهدئة والحالة هذه لا تجوز ما بقي احتلال، هذا هو القانون الطبيعي منذ بداية سن القوانين في عهد حمورابي وصولاً إلى اللحظة الراهنة. وأمام هذا القانون الطبيعي وقفت الشرعية الدولية ممثّلةً بالأمم المتحدة صاغرة وأيدته، في قراراتها المعروفة للقاصي والداني حين اعترفت بالمقاومة المشروعة للشعوب المحتلة أراضيها، وزادت على ذلك قراراً بشرعية المقاومة المسلحة (بالتحديد). التهدئة تكون في العادة بين دولتين أو طرفين ندّين، يتنازعان على مسألة حدودية على سبيل المثال وليس الحصر، فالوسطاء والحالة هذه يسعون إلى وقف الحرب بإعلان الهدنة بين الجانبين مقدمة لتفاوضهما من أجل حل النزاع سلمياً. لم نسمع يوماً عن هدنة أو تهدئة لجأت إليها حركة تحرر وطني لشعب ضد محتلي أرضها أو مغتصبي إرادتها. هناك بعض الحالات للهدنة بين بعض فصائل التحرر وأعدائها، وقد كانت الأولى في مركز القوة حيث استطاعت فرضها على أعدائها فرضاً، لإلزام العدو باتخاذ خطوات ملموسة لتلبية مطالب هذه الحركات التحررية، وإن لم يتم التزام العدو، تعود المقاومة إلى سابق عهدها، بهذه الصورة فقط يمكن فهم التهدئة التي تأتي لفرض مطلب سياسي لحركة التحرر. وبصراحة أيضاً نقول، إن التهدئة في قطاع غزة جاءت بعد تسلم حركة حماس لمقاليد الأمور في غزة، حماس التي كانت شعلة للمقاومة حين كانت في المعارضة.نعم رغم بدائية الصواريخ التي تطلقها فصائل المقاومة الفلسطينية، فإنها تزعج العدو الصهيوني أيما إزعاج، أقلّه رحيل المستوطنين في المناطق "الإسرائيلية" التي يطالها القصف إلى مناطق أكثر أمناً عدا عن الخسائر في البشر والممتلكات، كذلك تؤدي إلى تعطيل الحياة في تلك المستوطنات. لا ندعو إلى الانتحار باقتصار المقاومة على إطلاق الصواريخ فقط، وإنما بأشكال أخرى مسلحة، إضافة بالطبع إلى إطلاق الصواريخ بمعنى إبقاء حالة الاشتباك قائمة مع قوات الاحتلال. الملاحظ:أنه ومنذ مجيء حماس إلى(السلطة) في القطاع، خَفَتَ صوت المقاومة المسلحة من غزة، وكذلك تم منع فصائل المقاومة الأخرى، كالجهاد الإسلامي وغيرها من إطلاق الصواريخ وعبور مناطق التماس مع العدو تحت طائلة المسؤولية والسجن لمن يقوم بذلك. لا ندعو إلى المقاومة من قطاع غزة فقط، وإنما من الضفة الغربية أيضاً حيث عدت السلطة الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة (بما فيها حركة فتح) منظمات غير مشروعة، وحيث يتم اعتقال المقاومين ومصادرة أسلحتهم، وحيث يتم التنسيق أمنياً مع العدو الصهيوني، وحيث السلطة تؤمن أن المفاوضات فقط هي الطريق الوحيد لنيل الحقوق الوطنية الفلسطينية، مع العلم أن عشرين سنة من المفاوضات لم تزد العدو الصهيوني إلاّ صلفاً وعنجهية ومزيداً من التعنت لرفض الحقوق الوطنية لشعبنا، وفرض المزيد من الاشتراطات عليه. "القبة الحديدية" التي بنتها "إسرائيل" لمواجهة الصواريخ الفلسطينية أثبتت فشلها، ويطلق عليها العميد احتياط في الجيش الصهيوني شموئيل زكاي "قبة الأوهام". "إسرائيل" فهمت التهدئة الحالية كما تريد، فوفقاً لتصريح عاموس جلعاد الناطق الرسمي باسمها "إن "إسرائيل" سيكون لها مطلق الحرية في القيام بالضربات الاستباقية"، تصريح نضعه برسم كل المعتقدين بالتهدئة. المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية