"مسخ مبارك الله يباركله الحياة السياسية فى مصر، وقضى على ملامحها تماما، فلم تكن مصر فى عهده دولة بالمعنى السياسي بعد أن حولها إلى سيرك كبير قدمت على مسرحه ألطف وأظرف الفقرات السياسية، وشارك فى تقديم بروجرامه الدائم بهلوانات الحزب الوطنى الكبار، ولاعبوه الصغار، أما مبارك فقد ظل لسنوات متقمصاً لدور المهراجان الهندى الذى كان يتدرب بصفة مستمرة على فقرته الخاصة استعدادا للدخول على الجماهير بفيل التوريث". هذه فقرة من كتاب "شفاء الموجوع فى أحوال دولة المخلوع" وهو كتاب جديد للشاعر والصحفى جمال فتحى صدر مؤخرا عن دار الرواق للنشر والتوزيع، وقد تخيل مؤلفه الذى يقوم بدور المؤرخ أن الثورة قد مر عليها مائة عام كما يوحى زمن صدور الكتاب المتخيل 2111، وهى كما يبدو وسيلة فنية ابتكرها المؤلف ولجأ إليها لصنع مسافة زمنية وهمية بين الزمن الحقيقى الذى نعيشه وبين عصر مبارك الذى يتناوله الكتاب والذى طبقا لهذا المنطق يكون قد مر عليه قرن من الزمان وهو ما أوجد له المبرر الفنى للعودة مرة أخرى لتفاصيل وأحداث دارت أغلبها فى السنوات العشر الأخيرة من حكم المخلوع ليعيد تأريخها مرة أخرى تأريخا ساخرا كاشفا عبر طريقته الخاصة جدا فى السخرية أبعادا جديدة ربما لم تخطر ببال لها القارئ الذى عاش ورأى بنفسه كثيرا من هذه الأحداث. وقد مزج جمال الواقعى بالخيالى، ولم يتوقف عند حد إعادة النظر فى بعض الأحداث والشخصيات والمواقف ولكنه وضع سيناريوهات مختلفة وجديدة لم تحدث أصلا لأحداث حصلت بالفعل وعرفت نهايتها، ورغم أن الكثير من التفاصيل التى تعرضت لها فصول الكتاب ليست غريبة على القارئ الذى ربما كان عاشها على أرض الواقع ورآها بعينيه لكن تظل الإضافة هى إعادة تأويل هذه التفاصيل مرة أخرى بشكل يحمل من المرارة بالتساوى القدر الذى يحمله من السخرية، كاشفاً عبرها عن أحوال المصريين فى السنوات العشر الأخيرة من حكم المخلوع. يبقى الإشارة إلى العنوان الذى التزم فى وضعه المؤلف بمعايير لعبته مع القارئ حيث قرر أن تأتى صياغة العنوان على شاكلة عناوين كتب التراث الشهيرة التى تتكئ على السجع اللغوى إمعانا فى التأكيد على تاريخية الكتاب ساعده على ذلك غلاف يبدو أنه صنع خصيصا ليكون معادلا فنيا لمضمون الكتاب .