بعد عام على ثورة مصر و التي كانت ضمن بات ما يُعرف بالربيع العربي , فعند استعراض خريطة الثقافة السياسية المصرية خلال الأشهر المنصرمة نجد ان أسس الخطاب السياسي المصري لا زالت في معظمها على حالها ولا زالت بعيدة كل البعد عن تطلعات الجماهير وإذا كان من غير الممكن قلب المفاهيم وإحداث ثورة فعلية على مستوى الوعي بين ليلة وضحاها فإنه من غير المقبول خلع "رموز الأنظمة " والبقاء على المضامين التأسيسية للبلطجة السياسية. وبعد امتداد أكثر من نصف قرن من استحواذ فكر "التخوين" على الخطاب السياسي والثقافي للنظام الحاكم منحت "السلطة" من خلاله نفسها حق محاكمة "الآخر" ونفيه وتشريده، فإن مضامين البنية الاقصائية للخطاب لازالت قائمة ولو بشكل جزئي بعد الثورة حيث يجد من هو في موقع "القرار" المسوغات لمحاكمة من هو في الموقع "الآخر" بحج متنوعة وذرائع مختلفة. هل قامت الثورة من أجل هذه النتائج التي وصلنا إليها الآن ؟ تبديل في الوجوه دون إحداث تغيير حقيقي في بنية الوعي وترجمة عملية تستوعب قبول الآخر , و تحويل وجه الحرية إلي حرية يفرضها نظام حاكم و ما عداها فهو عميل و خائن ؟ وهل ستفترس الثورة أولادها و شبابها و تلقي بهم في غياهب مجهولة لأنهم كانوا الاقل حظا في الوصول إلى البرلمانات الجديدة ؟ إن المبشرات بدولة ما بعد الثورة آت ليست على المستوي المطلوب وأمامها استحقاقات حاسمة وأهمها إرساء التعددية ورفع المعاناة الاقتصادية؛ و إعادة هيكلة الجهات الأمنية و علي رأسها وزارة الداخلية و بخاصة قطاع أمن الدولة المسمي خطأ بالأمن الوطني - و هو يستعد الآن بجمع كل المعلومات لكي يبدأ جولة أخري في تاريخ مصر من القمع و الاستبداد – و طرح كل رؤوس الفساد خارج مواقعهم الرسمية و إعادة رسم خريطة الإعلام الحكومي ليكون إعلام يهتم بنبض الشارع و اتجاهاته و ليس مجرد بوق للحكومة الرسمية أيا كانت سياساتها , و مازالت الرشوة و الفساد تملاءان أرجاء الجهاز الإداري في الدولة , وأظن أن الثورة لم تبرح مكانها في ميدان التحرير , و إن إعادة إنتاج نظام عسكري حاكم في مصر بات شبه يقيني , خاصة و إن أخر قلاع مصر و هو القضاء مازال غربان الفساد تعشش في أركانه باعتراف عدد من رموزه الشرفاء.