تعديلات تشريعية جديدة.. الدولة تعزز التمثيل النيابي للشباب والمرأة وذوي الهمم    توزيع لحوم أضاحي 50 رأس ماشية على الأسر المستحقة بالوادي الجديد    ترامب: العنف يجتاح كاليفورنيا وحاكمها لا يتمتع بالكفاءة    بث مباشر، مشاهدة مباراة الأهلي وباتشوكا المكسيكي الودية 2025    وزيرة التضامن توجه بصرف 100 ألف جنيه لأسرة خالد شوقي ومعاش استثنائي    ننشر مواصفات امتحان التاريخ للثانوية العامة 2025    الجاهلية المعاصرة.. الخشت: هذه شروط المراجعة الفكرية للعناصر التكفيرية    أصالة تتصدر تريند يوتيوب ب "كلام فارغ" وتُشعل أولى حفلاتها في الكويت    ريهام حجاج تؤدي مناسك الحج رفقة زوجها: "ربنا يكتبها لكل حد نفسه يروح"    الصحة الفلسطينية: مستشفيات غزة تواجه خطر التوقف خلال يومين بسبب نفاد الوقود    إنقاذ حياة توأم بعد عملية ولادة قيصرية مبكرة بمستشفى القباري    إيران: العقوبات الأمريكية الجديدة غير شرعية وتنتهك القانون الدولي    مؤسسة أبو هشيمة عضو التحالف الوطني توزع لحوم الأضاحي بمحافظة بني سويف.. صور    الوفد النقابي في جنيف: مصر نموذج للدفاع عن كرامة العمال    نصائح لتجنب الإمساك خلال فترة العيد    العودة لباريس أو البقاء مع يوفنتوس.. كولو مواني يكشف عن فريقه في كأس العالم للأندية    تقرير: بايرن ميونخ يضغط على ميلان لضم لياو    إعلام عبري: جثة السنوار في قبضة إسرائيل    المجلس الوطني الفلسطيني: إسرائيل حوّلت غزة إلى مقبرة جماعية    أكلات عيد الأضحى.. طرق تحضير الكوارع وأشهى الأطعمة    فضيلة الإمام الأكبر    في ثالث أيام العيد.. مدير معهد بحوث أمراض النباتات يتفقد محطة سدس    رونالدو يكشف: عملت مترجمًا ل ميسي!    إحياء سبع آلاف سنة    مصطفى كامل يعلن موعد انتخابات التجديد النصفي    إلهام شاهين من الساحل الشمالي.. «الله على جمالك يا مصر» | صور    براتب 10 آلاف جنيه.. الإعلان عن 90 وظيفة في مجال الوجبات السريعة    لدغة عقرب تُنهي حياة "سيف"| المئات يشيعون جثمانه.. والصحة ترد ببيان رسمي    سحب 1.7 مليون بيضة من الأسواق في أمريكا (تفاصيل)    تنسيق الجامعات 2025، قائمة الجامعات المعتمدة في مصر    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    «الحج دون تصريح».. ترحيل ومنع «المخالفين» من دخول السعودية لمدة 10 سنوات    فرحة العيد جوه النيل.. إقبال على الرحلات النيلية بكفر الشيخ ثالث أيام العيد    لماذا تتجدد الشكاوى من أسئلة امتحانات الثانوية العامة كل عام؟.. خبير يُجيب    هدف الزمالك.. خطوة واحدة تفصل زين الدين بلعيد عن الوكرة القطري    مى عز الدين تتألق في جلسة تصوير جديدة وتعلن عودتها للتفاعل مع جمهورها    تجهيز 100 وحدة رعاية أساسية في الدقهلية للاعتماد ضمن مؤشرات البنك الدولي    بقرار من رئيس جهاز المدينة ..إطلاق اسم سائق السيارة شهيد الشهامة على أحد شوارع العاشر من رمضان    الداخلية تواصل تطوير شرطة النجدة لتحقيق الإنتقال الفورى وسرعة الإستجابة لبلاغات المواطنين وفحصها    196 ناديًا ومركز شباب تستقبل 454 ألف متردد خلال احتفالات عيد الأضحى بالمنيا    وزير الخارجية يبحث مع نظيره التركى تطورات الأوضاع فى غزة وليبيا    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    ضبط عاطلين بحوزتهما حشيش ب 400 ألف جنيه    "سكاكين العيد".. حرب شوارع تنتهي بمقتل شاب في المحلة    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 996 ألفا و150 فردا    بين الحياة والموت.. الوضع الصحي لسيناتور كولومبي بعد تعرضه لإطلاق نار    العثور على جثة رضيعة داخل كيس أسود في قنا    منافذ أمان بالداخلية توفر لحوم عيد الأضحى بأسعار مخفضة.. صور    الكنيسة القبطية تحتفل ب"صلاة السجدة" في ختام الخماسين    خلال أقل من 48 ساعة .. فيديو تقديم زيزو لاعباً فى الأهلى يتجاوز ال29 مليون مشاهدة    محافظ أسيوط: لا تهاون مع مخالفات البناء خلال إجازة عيد الأضحى    أمين المجلس الأعلى للآثار يتفقد أعمال الحفائر بالأقصر    كامل الوزير يتابع حركة نقل ركاب القطارات ثالث أيام العيد، وهذا متوسط التأخيرات    أسعار الدولار اليوم الأحد 8 يونيو 2025    المواجهة الأولي بين رونالدو ويامال .. تعرف علي موعد مباراة البرتغال وإسبانيا بنهائي الأمم الأوروبية    استشهاد 11 شخصا وإصابة العشرات في قصف إسرائيلي قرب مركز توزيع مساعدات بغزة    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    النسوية الإسلامية «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» السيدة هاجر.. ومناسك الحج "128"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى ميلاده.. أحمد حسين أول المحذرين من هيمنة الدولار على العالم
نشر في الشعب يوم 09 - 03 - 2019

بالأمس كانت ذكرى ميلاد الزعيم الراحل أححمد حسين، مؤسس "مصر الفتاة" الذي ظهر كزعيم جماهيري ثوري منذ أيام دراسته في الجامعة، وتبنيه في تلك الفترة لمشروع وطني عرف ب"مشروع القرش"، ويهدف إلى تحقيق الاستقلال الوطني في ناحية الصناعة.
ومصر الفتاة هى التى حملت مشعل الثورة المصرية وحافظت على اتقاده من ثورة 1919 حتى ثورة 23 يوليو. فقد كانت نشأة مصر الفتاة عام 1933، تعبيرا عن احتياج موضوعي جارف، ففى تلك الفترة كان وهج ثورة 1919، وإشعاعها المباشر على الحياة السياسية قد بدأ يخفت ويخبو، ودخلت البلاد فى النفق المظلم لمفاوضات الجلاء، وتوارت الروح الوطنية المتأججة.
فكان من المحتم التهيئة لموجة جديدة من الهجوم الوطنى قوامها الجيل الشاب، بعيدا عن المساومات السياسية والصراعات الحزبية الضيقة، موجة جديدة من الهجوم الوطنى على الاحتلال البريطانى والعبودية للأجنبي. وشن حملة واسعة على النطاق وكفاح سافر من أجل بعث مجد مصر، والنهوض بها إلى مكانتها الطبيعية، استئنافا لدورها التاريخى كزعيمة للعالم العربى والإسلامى وكمركز حضارى متقدم يشع على العالمين.

سياسي منذ الصغر

بالأمس كانت ذكرى ميلاد الزعيم الراحل، ففي 8 ربيع الأول 1329ه الموافق 8 مارس 1911م بحي "السيدة زينب" بالقاهرة ولد أحمد حسين، وتلقى تعليمه الابتدائي في "مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية"، ثم انتقل منها إلى مدرسة "محمد علي الأميرية".
كان الحس الإسلامي موجودا عنده منذ الصغر، ففي دراسته الباكرة ألف مع صديقه "فتحي رضوان" -الذي أصبح أحد كبار الصحفيين والكتاب المصريين- جمعية مدرسية سميت ب"جمعية نصر الدين الإسلامي"، والتي استمرت فترة قصيرة، لكنها توقفت بسبب ضغوط ناظر المدرسة آنذاك.
وعندما بدأت المرحلة الثانوية كان أحمد حسين في مدرسة الخديوية الثانوية، وازداد اهتمامه بالمسرح والتمثيل، ونمت عنده موهبة الخطابة، ونما عنده الحس الوطني، وقد أنهى دراسته الثانوية في 1347 ه / 1928م، ثم التحق بكلية الحقوق، وفي أثناء دراسته ازداد شغفه بالسياسة، وبدأ في ممارستها عمليا، وكان من أبرز مشروعاته وأفكاره "مشروع القرش".
إذا كان التاريخ الرسمى لمصر الفتاة يبدأ فى أكتوبر 1933، إلا أن بذورها وإرهاصاتها كحركة تستهدف نهضة مصر كقائدة للعرب والمسلمين ترجع إلى ما قبل ذلك بسنوات.
ففى عام 1928 وقبل تخرج أحمد حسين من مدرسة الخديوية الثانوية بشهور شرع فى كتابة سلسلة من المقالات تحت عنوان "رسالتي" فى مجلة المدرسة وضع فيها بذرة مصر الفتاة الأولى وتحتوى هذه المقالات المبكرة على الخطوط العريضة للنضال الوطنى التى تعمقت مع بداية المسيرة السياسية لحركة مصر الفتاة. وفيما يلى مقتطف من إحدى هذه المقالات والتى كتبت فى أول ديسمبر عام 1928:
"نظرية واحدة تسود العالم من أقصاه إلى أقصاه، عبر عنها الفيلسوف الألمانى "نيتشه" بصراحة إذ قال "الأرض إرث القوى والمستقبل للشعب الظافر وللصالح وحده حق الحياة" فى هذا الصراع المخيف حول الموت والحياة.. فى هذا السباق الذى تشترك فيه كافة المخلوقات تتقدم مصر العتيدة كأمة قوية خالدة ما خلدت الأيام. فمن بين أمم الأرض طرا لا توجد واحدة تضارع الأمة المصرية. هاجمتها عاديات الدهور فما استطاعت أن تنال منها، وحاربتها الأقدار فارتدت عنها مخذولة واحتملت مصر التجربة بثبات وخرجت من الأعاصير ملؤها الحياة والفتوة تعلن الناس أنها معيدة مجدها القديم.
ما واجبنا نحن الطلبة؟.. تلك هى رسالتي وذلك هو ندائي، إلا أننا شباب حر، مهمتنا العمل للمستقبل القريب. تعالوا نبنى بناء جديدا.. تعالوا نشيد عظمتنا المستقبلة على أساس من الفولاذ مما تبنى عليه الأمم. الصناعة والتجارة مدنية القرن العشرين وروح الأمم الحديثة. إن اليوم الذى لا نلبس ولا نشرب ولا نأكل فيه من الخارج يجب أن يكون جد قريب وفى هذا يجب أن نعمل إن أردنا حقا مجد الوطن. الأخلاق هى التى تجعل من الإنجليزى محترما فى كل مكان. وهى التى تجعل الألمانى بمثلين من الرجال. فى المقال التالى ترون صورة لأخلاقنا. ترون الغرور والجهل والسفسطة. فى إصلاح هذه الأخلاق يجب أن نعمل إن أردنا حقا مجد الوطن. فلنحارب الخزعبلات والعقائد الفاسدة. فلنبشر بعظمة مصر ومجد مصر وتاريخ مصر، فلنزك "لنعضد" (بنك مصر) فى مشروعاته وشركاته ففى هذا رفاهية لأهل الوطن.. فلنناصر التجديد الاجتماعى والخلقى والأدبي والاقتصادى.. ولنبذر بذور الإصلاح فى كل مكان حللنا به.
قالوا قديما وما زالوا يقولون نحسب الأمة التى تريد الرفعة والسؤدد أن يقوم أفرادها بواجباتهم، كل فى دائرة عمله.. التاجر فى متجره والصانع فى مصنعه والموظف فى مكتبه والطالب فى معهده.. تلك هى رسالتي وذلك هو ندائي"

مشروع القرش

من أهم المشاريع التى اقترنت باسم أحمد حسين مشروع القرش، وكان المشروع يهدف إلى تعزيز الصناعة المصرية التى كانت تعانى فى ظل تأثير الكساد العالمي فى بداية الثلاثينات وانهيار أسعار القطن العالمية، واكتشاف المصريين لأثر الاعتماد على التصدير لمحصول القطن. وفى فبراير عام 1931 أقيم المعرض الصناعي الزراعي فى القاهرة. فى ظل المناقشات الدائمة حول الأزمة الاقتصادية وضرورة تشجيع الصناعة الوطنية.
وعمل أحمد حسين على جذب مؤيدين للمشروع ليعاونوه على إخراجه، واقتنع على باشا إبراهيم بالفكرة، وكانت الصحافة تدعو لهذا المشروع وأصدرت الهلال عددا خاصا عن المشروع وخصصت إيراد العدد للمشروع.
وكان هذا المشروع يدرس من قبل خيرة العقول فى الوطن.. وتشكلت لجنة تنفيذية للمشروع ضمت- غير "على باشا إبراهيم"- أمين الخولي ومصطفى شرف والدكتور على حسن وعبد الله العربي. وضمت سكرتارية اللجنة التنفيذية.. ثلاثة هم : أحمد حسين، فتحي رضوان، ومدحت عاصم.
وقد نجح المشروع نجاحا كبيرا، فكان أول تحرك شبابي فى الجامعة وتحمس له الشباب من الجنسين وأخذوا يجمعون القروش.. وإذا بعشرات الملاليم تتحول إلى عشرات الألوف من الجنيهات.
وقد وجه أحمد حسين بيانا إلى الأمة باعتباره السكرتير العام للجنة جاء فيه "ساهموا بقروشكم فى بناء استقلالنا الاقتصادي" .
ورغم معارضة الوفد للمشروع.. إلا أن أحمد حسين شخصيا نجح فى لقاء النحاس بمنزله بمصر الجديدة.. وتبرع النحاس للمشروع باثنين وعشرين جنيها. وقد التقى مكرم عبيد والنقراشي، وحصل على تبرع منهما.
وبذلك استطاع أحمد حسين أن يجعل من المشروع مشروعا قوميا ويبعده عن التنافسية الحزبية ويؤلف القلوب حول المشروع ويحول المعارضين إلى متبرعين.

جماعة مصر الفتاة

كانت الفترة التى أنشأ فيها أحمد حسين جمعية مصر الفتاة فترة نمو وازدياد لأعداد الشباب الذين يلتحقون بالمدارس الثانوية والجامعة.. وقد تركزت دعوة أحمد حسين على هؤلاء الشباب.
وقد نشأت جمعية مصر الفتاة مختلفة عن أحزاب القضية الوطنية. حيث حبست تلك الأحزاب نفسها فى إطار محدود الرؤية والحركة، وقد تجاوزت إطار القضية الوطنية التقليدي وأساليبه فى مواجهتها.
وقد ارتكزت الجمعية على عشرة مبادئ هى:
(1)لا تتكلم إلا باللغة العربية، ولا ترد على من لا يخاطبك بها، ولا تدخل محلا لا يكتب اسمه بالعربية.
(2)لا تشتر إلا من مصري، ولا تلبس إلا ما صنع فى مصر ولا تأكل إلا طعاما مصريا.
(3)تطهر فصل لربك، وأم المسجد يوم الجمعة إن كنت مسلما والكنيسة يوم الأحد إن كنت مسيحيا، ويوم السبت إن كنت يهوديا.
(4)تطهر فقاطع الخمور ودور اللهو الحرام والسينمات الأجنبية.
(5)أحفظ نشيد "اسلمي يا مصر" ورتله بنفسك فى كل حفل وليكن أنشودتك فى كل مكان.
(6)حاسب نفسك كل ليلة ماذا قدمت فى يومك من أجل بلادك ومجدها، وسر فى كل مكان واثقا بنفسك كمصري، وامتلئ إيمانا بمجدك وقوتك.
(7)احتقر كل ما هو أجنبي بكل نفسك، وتعصب لقوميتك حتى الجنون.
(8)بلادك هى مصر والسودان معا لا يتجزءان.. ولا ينفصلان.
(9)وغايتك أن تصبح مصر فوق الجميع، دولة شامخة تتألف من مصر والسودان، وتحالف الدول العربية، وتتزعم الإسلام.
(10)وليكن شعارك دائما الله، الوطن.
وكان برنامج جمعية مصر الفتاة الذى وضعه أحمد حسين دليلا واضحا على توجهات جيل جديد.. فقد زاوج بين الانتماء الديني والانتماء الوطني بالنهوض بكافة القطاعات الاقتصادية والزراعة والصناعة والتجارة والائتمان. وبتمصير كل القطاعات، ورفع مستوى الخدمات الاجتماعية فى كافة القطاعات.

من الجمعية إلى حزب مصر الفتاة

عندما علم أحمد حسين بأن هناك نية من الحكومة لإصدار تشريع يحدد صفة الجمعيات عموما وأغراضها، خشي أن يقضى هذا التشريع على جمعية مصر الفتاة، فكتب تحت عنوان "نحو حزب جديد".. يهيئ لدى القراء أنه بصدد تحويل جمعيته إلى حزب سياسي حتى يستطيع تحقيق أهدافه بالوسائل الدستورية. ودعا مجلس الجهاد إلى اجتماع عاجل.. وعرض عليهم هذا الأمر، ونوقش فى الاجتماع مواد القانون النظامي للحزب.. قد أقر المجلس فى النهاية القانون كما وضعه أحمد حسين.
ووافق الأعضاء على تحويل الجمعية إلى حزب سياسي وانتخب أحمد حسين رئيسا للحزب.
وقد اضطهدت "مصر الفتاة" اضطهادا لا مثيل له حتى بلغ عدد المقبوض عليهم 294 عضوا فى تلك الفترة.. وإن برئ جميع المقبوض عليهم فى النهاية.
وكان أحمد حسين من أكثر السياسيين اعتمادا على الكتابة الصحفية، وكان دائم الإصدار للصحف حتى تكون منابر تعبر عن لسان حال الحزب.
وأراد أحمد حسين أن يعقد اتفاقا مع صاحب ترخيص "جريدة السياسة" لسان حال الأحرار الدستوريين لتكون لسان حال مصر الفتاة.. فكانت هناك خلافات بين الحزب وصاحب الامتياز، وسوى فى النهاية وظلت السياسة لسان حال للأحرار الدستوريين.
واستطاع أحمد حسين أن يحصل من سليمان فوزي صاحب امتياز جريدتي "الكشكول" و"الثغر" على اتفاق بأن تكون "الثغر" تحت تصرف حزب مصر الفتاة.
حصل الحزب فى عهد وزارة محمد محمود على تصريح بجريدة "مصر الفتاة". وكانت مصر الفتاة إحدى الصحف المعبرة عن مبادئ الحزب الوطني، وأصدرها سيد على مع زملاء له يعملون فى جريدة اللواء.
إلى جانب جريدة "مصر الفتاة" أصدر فرع الحزب بالإسكندرية جريدة بعنوان الجلاء.

أحمد حسين وأمريكا

رأى أحمد حسين أن تدويل القضية محاولة لاستخدام الصراعات بين الدول لصالح مصر. إذ كان يأمل فى تأييد الولايات المتحدة لمصر ضد بريطانيا، ورأى فيها ما رآه الوفد فى ويلسون عام 1919 وما رأى مصطفى كامل فى فرنسا عام 1904. لذا سارع أحمد حسين بالسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أمضى ستة أشهر وذلك من يناير حتى يونيو عام 1947، وكان هدفه أن يعلن كلمة مصر على الملأ، وأن يندد بالسياسة الانجليزية، ويطالب بالجلاء عن مصر.
وكان أول ما صدم أحمد حسين عند وصوله للولايات المتحدة، نفوز اليهود وسيطرتهم على كل شيء، وقد حدث تصادم بينه وبين أحد اليهود فى الولايات المتحدة ووصل الصدام إلى القضاء الأمريكي.
وغير هذا.. مارس أحمد حسين نشاطا ملحوظا فى عرض القضية المصرية، فقام بإلقاء محاضرات عن القضية، ودعته إحدى الكنائس للحديث عن الإسلام. وكان لهذا النشاط- كما تقرر الباحثة- أثر ملحوظ فى الأوساط السياسية الأمريكية.. حتى أن احد المعلقين الأمريكيين الموالين للصهيونية قام بشن هجوم على أحمد حسين نشر فى خمسمائة صحيفة أمريكية.
وبعد عودة أحمد حسين من أمريكا عام 1947، أعلن عن برنامج لخمس سنوات للنهوض بمصر اقتصاديا واجتماعيا، لاعتقاده بأن فقدان الحرية والرضوخ للأجنبي لون من ألوان المرض يمكن التحصن ضده بالتعليم والبناء والإنشاء والتعمير. ولأجل ذلك تقدمت "مصر الفتاة" ببرنامج مدروس فى خمس سنوات، للطفرة بمصر من الحضيض إلى أعلى الدرجات السياسية والاقتصادية. وقد تضمن هذا البرنامج أهدافا تمثلت فى القضاء على الفقر، وذلك عن طريق استصلاح مليوني فدان، وغزل القطن المصري محليا، وتوليد الكهرباء، واستخراج الحديد وصناعة الصلب واستخراج البترول والذهب، وشق الطرق وتجديد الريف والقضاء على المرضى بالاهتمام بالصحة ورفع مستوى المعيشة. وأوضح أن تحقيق هذا البرنامج يحتاج إلى ميزانية قدرها 300 مليون جنيه، يمكن الحصول على نصفها عن طريق الضرائب التصاعدية...
وبالإضافة إلى محاولات أحمد حسين لإيجاد الحلول للخروج بمصر من السيطرة الأجنبية، اخذ فى نقد الحكومة مظهرا ضعفها أمام الاحتلال الذى تزايد بعد فشل النقراشي فى تدويل القضية، مهيبا بالطبلة أن يهبوا "أين غضبتكم؟ أين صيحتكم؟.. أعدوا أنفسكم للجهاد والتضحية".
وكان أحمد حسين يحض الطلبة على الخروج على الحكومة. وأخذ يكيل التهم للحكومة بعد مأساة كوبري عباس بعد مظاهرات 9 فبراير عام 1946.
ودفع هذا حكومة النقراشي لمصادرة أعداد "مصر الفتاة" التى كانت لا تزال تحت التجهيز والإعداد، والتي كان مقررا لها أن تصدر فى 13 فبراير، لأن الجريدة نشرت صورة للنقراشي وكتبت تحتها بيتا من الشعر لحافظ إبراهيم:
أنت الجلاد فلا تنسى أنا .. قد لبسنا على يديك الحدادا.
وكانت نتيجة الولايات المتحدة بجانب الانجليز خلال تدويل القضية المصرية والموقف السوفيتي المؤيد للقضية والمساند للمطالب المصرية.. أن كتب أحمد حسين- بحس السياسي الذى يعرف كيف يدير الصراع من أجل بلاده- فى "مصر الفتاة":
" حانت الساعة لكي نفرق بين الشيوعية كمذهب وبين روسيا كدولة يجب ألا نتجاهل قوتها".

أحمد حسين والقضية الفلسطينية

بعد أن اصدر مجلس الأمن قرارا بتقسيم فلسطين فى أواخر عام 1947، وتحدد موعد تنفيذ هذا القرار بيوم 15 مايو عام 1948، دعت الجماعات الشابة- كما يذكر أحمد حسين- والمكونة من "مصر الفتاة" والإخوان المسلمين والشبان المسلمين إلى اجتماع يعقد بالأزهر لتأييد القضية الفلسطينية.
وفى اجتماع الأزهر سالف الذكر، دعت الجبهة القومية لاجتماع حاشد، وكان مقررا أن يكون أحمد حسين من بين الخطباء فى هذا الحشد. وقد اعد خطابا لا يقف عند حد التنديد باليهود كيهود، ولا يقف عند حد المعاني والأهداف الدينية والوطنية، بل شرح القضية الصهيونية كما أصبح يفهمها: إنها حركة رجعية تعمل ضد الزمن وضد التاريخ.
وأعلن أحمد حسين فى المؤتمر: أنني مسافر غدا. أحمل بندقية للدفاع عن فلسطين.. فمن شاء الجهاد فى سبيل الله فليتبعني..
وهكذا تعهد أن يكون أول المتطوعين فى سبيل فلسطين، وإن هو إلا وقت قليل حتى لحق به الرعيل الأول من أبناء "مصر الفتاة" مؤلفين كتيبة مصطفى الوكيل.
وتوالت مقالات أحمد حسين فى جريدة "مصر الفتاة" مناشدا العرب مساندة القضية الفلسطينية، ورأى "أن فلسطين بحاجة إلى الأموال والمجاهدين والأسلحة".. أما غير ذلك من المسائل فهى أساليب رخيصة تضر ولا تنفع.. فلنتعلم قليلا من أعدائنا الاستعماريين.
ثم يؤكد أحمد حسين على أن "مصر الفتاة" لم تنظر يوما إلى القضية الفلسطينية على أنها قضية عربية، بل باعتبارها قضية مصرية بحتة، وأن الوضع فى فلسطين لم يعد يحتمل أى تهاون.. خاصة إذا نظرنا إلى الخطر الذى يمثله قيام دولة يهودية على حدود مصر.
ثم يتساءل: ماذا سيكون الحال إذا قامت هذه الدولة واستمرت لبضع سنوات، والدول الغربية تؤازرها هذه المؤازرة.. أشهد أن هذا سيكون البلاء المبين.
وقد حاول اليهود- إزاء حملة أحمد حسين على الوجود الصهيوني فى فلسطين- السيطرة على الجريدة، وطالب أحد اليهود فى مصر بنشر إعلانات فى مصر الفتاة، وعرض على أحمد حسين مبلغا ضخما من المال مقابل هذه الإعلانات.. ويعترف أحمد حسين بأنه ذهل لضخامة المبلغ.. وكان أن حاول اليهودي مناقشة أحمد حسين فى حملته ضد الصهيونية، فبادره أحمد حسين بالقول.. "من حسن الحظ أنني اكتشفت خططكم قبل فوات الأوان".
وامتنعت "مصر الفتاة" عن نشر الإعلانات والحملات والبضائع اليهودية، ونشرت تقول: "مصر الفتاة" لن تنشر لليهود.. مهما كان ثمن هذه الإعلانات. واعتبرت التعامل مع اليهود جريمة كبرى.. كما امتنعت عن نشر إعلانات عن البضائع الأمريكية بسبب موقف أمريكا من القضية الفلسطينية.

أحمد حسين والاشتراكية

في عام 1948 وضع حزب مصر الفتاة برنامجا سياسيا واجتماعيا كشف عن بعض ميوله نحو الاشتراكية، ودل برنامجه على امتداد التفكير السائد في الحركة الوطنية قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو التغيير في حدود النظام القائم مهما يكن التمرد عليه، وبدت هذه الروح المحافظة في برنامج عام 1948 في أنه أبقى على شعاره التقليدي (الله.. الوطن.. الملك)، معتبرا أن حجر الزاوية في الدستور هو "الملكية الدستورية"، كما تمثلت الروح المحافظة في برنامجه الاجتماعي، وفي محاولة تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق الاستقلال.
البرنامج حدد بعض النقاط المهمة في خط التطور الفكري للحزب، وفي تخطيه للمفهوم القديم، فقد دعا لتحريم تملك الأجانب واستئجارهم للأراضي بجميع أنواعها، وتحريم تملك الأجانب للشركات ذات المنفعة العامة، وتصفية شركة قناة السويس بوصف القناة مرفقا مصريا عاما، وطالب البرنامج بوضع حد أعلى للملكية الزراعية، وأن تلغى الضرائب المباشرة وغير المباشرة على السلع الأساسية للشعب، وطالب ببعض الإصلاحات في أجور العمال، وتحديد ساعات عملهم بثماني ساعات يوميا.
كان هناك تطور في فكر الحزب، لكنه لم يصل إلى حد الفكر الثوري، فكانت الأفكار الإصلاحية من داخل النظام، وليست خروجا عليه. في المقابل كانت أهداف مصر الفتاة مرفوضة من النظام، ووفقا للدكتور طارق البشري "برنامج الحزب كان مؤقتا"، ولكنه وضع الحزب على مفترق الطرق، وكان لا بد أن يخطو نحو الأمام للصدام مع النظام القائم.
ثم كان التغيير في حزب مصر الفتاة، ففي البداية كان شعاره (الله.. الوطن.. الملك)، و(الملك نعظمه، ونلتف حول عرشه) ثم استبدل بذلك شعار (الله.. الشعب)، وكان إسقاط الملك من الشعار واستبدال الشعب به دلالة واضحة حول الرغبة في التغيير، بل إنه تغير اسمه من "مصر الفتاة" إلى "الحزب الاشتراكي"، واعتبر أحمد حسين "أن الاشتراكية من لب الإسلام وصميمه".
حدد الحزب في برنامجه الجديد الملكية الزراعية بخمسين فدانا، وطالب بأن يحل الإنتاج الجماعي محل الإنتاج الفردي، وأن تكون الصناعات الكبرى والمرافق وغيرها مملوكة للدولة. كان هدف الحزب تحرير مصر، واستقلال وادي النيل، وتوحيد الشعوب العربية كلها في دولة واحدة على غرار الولايات المتحدة، وتأليف جيش عربي واحد. رفض الحزب مبدأ المفاوضة لتحقيق الاستقلال، وهاجم الولايات المتحدة وزحفها الاقتصادي على مصر من خلال الدولار، وكان يرى أن تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي لا يكون إلا من خلال إطلاق الحريات على أوسع نطاق.
أوضح الحزب تمايزه في تبنيه الاشتراكية عن الشيوعية، فرأى أن الشيوعية تتنكر للماضي وتتنكر للدين، في حين أن الاشتراكية ترى أن أساسها الدين، وكان أحمد حسين يؤكد دائما على مبدأ الإيمان بالله تعالى، وأن الإسلام دين ودولة، وكان يرفع شعار: "إن الإسلام يحرم الربا فهو يحرم الرأسمالية"، وأن الاستعمار هو ذروة الرأسمالية، وأن الاشتراكية هي ترياق الاستعمار.

الصدام مع الوفد والملك

كان الحزب معترفا به، وكانت له صحيفة يلتقي من خلالها بالجماهير، فكان أكثر التنظيمات تمتعا بالنشاط العلني.
شكل الحزب مجموعات من المتطوعين في أثناء حرب فلسطين عام 1948م، واشترك أنصاره في الحرب غير النظامية على العصابات الصهيونية، وكانت بعض معسكرات أتباع أحمد حسين في سوريا.
كانت رؤية الحزب الاشتراكي أنه بقدر ما يتحطم حزب الوفد ينفتح الطريق أمام الثورة القادمة، وحكم هذا المنطق سلوك الحزب الاشتراكي، فكان أحمد حسين وحزبه يشنون هجوما قاسيا على الوفد ورجاله، وكان نقده اللاذع للوفد محاولة منه لتخليص الجماهير من تراث الوفد الماضي الذي أصابه التكلس؛ حتى إن أحمد حسين نادى في 24 من يناير 1952 بإسقاط حكومة الوفد، ودعا أكثر من مرة إلى تكوين جبهة ثورية، وبذل جهدا كبيرا في التقارب مع التنظيمات الشعبية والثورية.
كانت صحيفته "الاشتراكية" توزع ما يقرب من 80 إلى 100 ألف نسخة؛ وهو ما يؤكد أن نشاط الحزب اتسم بنوع من الإيجابية والفاعلية السياسية.
في 24 يناير 1952 عقد مؤتمرا صحفيا أعلن فيه أنه قرر الانسحاب من الحياة العامة، متوقعا تردي البلاد في الكوارث، وكان ذلك قبل حريق القاهرة بيومين، وقد وجه له البعض أنه يقف هو وحزبه وراء حريق القاهرة الشهير، وقدم إلى المحاكمة، وطالبت الحكومة بإعدامه، وكاد حبل المشنقة أن يلتف حول رقبته.

الصدام مع عبدالناصر ونجيب

أفرج عن أحمد حسين بعد قيام حركة يوليو 1952م، وإسقاط النظام الملكي، وعاد لنشاطه، لكن حل الأحزاب شمل حزبه في 1373 ه / 1953م، ثم ما لبث أن تعرض للسجن والتعذيب الوحشي في السجن الحربي إبان "أزمة مارس" الشهيرة عام 1954م، والتي دار خلالها صراع على السلطة بين الرئيس محمد نجيب وجمال عبد الناصر الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء، وذلك بسبب برقية أرسلها إلى الطرفين قال فيها: "إن مصر ليست ضيعة أو عزبة تتداولونها".
عندما أفرج عنه انتقل أحمد حسين إلى منفاه الاختياري في سوريا، ثم لبنان، ثم لندن، ثم السودان، ولم يكف خلال هذا التجوال عن إرسال البرقيات إلى الرئيس جمال عبد الناصر-الذي كان عضوا سابقا في حزب مصر الفتاة- يطالبه فيها بالديمقراطية، ويحذره من الاستبداد والديكتاتورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.