كان الطريق إلى الاستقلال صعبًا للغاية ، فلم يكن هناك الكثير ممن يناضلون من أجل التحرر من تبعية الغرب وإعلاء السيادة الوطنية ، كان منهم بلا شك ، الزعيم الوطني الراحل "أحمد حسين" ، الذي دخل تاريخ الكفاح المصري والعربي والإسلامي المعاصر ، من حلقات سلسلة طويلة من الكفاح في مواجهة الاستعمار والاستبداد بداءً من محمد كريم وعمر مكرم ومرورًا بالأفغاني ثم مصطفي كامل ومحمد فريد. المناضل "أحمد حسين" وبشهادة تاريخه وتراثه قبل شهادة معاصريه ورفاقه وتلاميذه مصريًا حتى النخاع حمل في عقله ووجدانه تراث أمته وثقافتها فامتلك بذلك حسًا سياسيًا أكثر تقدما مقارنة بالمستوى الفكري للحركة الوطنية المصرية في ثلاثينيات القرن . لعل "أحمد حسين" كان يشبه بشكل شديد سواء في إمكانياته الفردية الفذة وقدراته العجيبة على الخطابة والكتابة والتحريض السياسي والإعلامي أو في سلوكه الشخصي "عبد الله النديم" ، ذلك الزعيم الوطني الفذ الذي فجر الثورة العرابية وكان قائدها السياسي وجهازها الإعلامي ، وقد وهب أحمد حسين نفسه لمصر وللعرب والمسلمين ، فلم يكترث رغم إمكانياته الفردية الجبارة بجمع الأموال مثلما فعل عبد الله النديم تمامًا فمات كل منهما فقيرًا معدما. ميلاد المناضل ولد المناضل "أحمد حسين" في 8 ربيع الأول ، عام 1329ه ، الموافق 8 مارس 1911م ، بحي "السيدة زينب" بالقاهرة ، في أسرة ميسورة الحال ، وتلقى تعليمه الابتدائي في "مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية" ، ثم انتقل منها إلى مدرسة محمد علي الأميرية. الحس الإسلامي كان موجودًا لدى "حسين" منذ الصغر، ففي دراسته الباكرة ألف مع صديقه "فتحي رضوان" جمعية مدرسية سميت ب"جمعية نصر الدين الإسلامي"، والتي استمرت فترة قصيرة، لكنها توقفت بسبب ضغوط ناظر المدرسة آنذاك. عندما بدأت المرحلة الثانوية كان أحمد حسين في مدرسة الخديوية الثانوية ، ازداد اهتمامه بالمسرح والتمثيل ونمت عنده موهبة الخطابة ونما عنده الحس الوطن وقد أنهى دراسته الثانوية ثم التحق بكلية الحقوق عام 1928 وفي أثناء دراسته ازداد شغفه بالسياسة. مشروع القرش ظهر أحمد حسين كزعيم جماهيرى ثورى منذ دراسته الجامعية ، حيث بدأ نشاطه السياسي بعدما دخل كلية الحقوق ، عن طريق الكتابة والصحافة والخطابة ، ثم دعا مع مجموعة من الشباب إلى مشروع وطني يستهدف تجميع المدخرات الوطنية لإقامة صناعة وطنية مصرية هو مشروع "القرش". تبنى المناضل أحمد حسين ، مع صديقة فتحي رضوان "مشروع القرش" عام 1931؛ وذلك لحث كل مواطن مصري على أن يتبرع بقرش واحد لإنقاذ الاقتصاد المصري الذي كان يعاني آنذاك من آثار انخفاض أسعار القطن في الأسواق، ويمكن النظر إلى المشروع من أكثر من زاوية. كان من أهدافه كما قال "أحمد حسين" نفسه: "نشر روح الصناعة الوطنية في كل مكان"، كما أنه كان بداية للأفكار الاشتراكية لدى "حسين" ، والتي تقوم على فكرة إنشاء صناعات قومية يساهم فيها الشعب نفسه ، وتكون مملوكة له، وهو ما عبر عنه بقوله: "ولما كانت الصناعة تحتاج إلى رءوس أموال، لم أشأ أن تجمع رءوس الأموال من بضعة أفراد؛ بل رأيت أن مما يحقق غايتها بكمالها أن يساهم الشعب مجتمِعا في إنشاء هذه الصناعات القومية؛ ليظل حريصا على تشجيعها فيما بعد". كما أن المشروع جاء في إطار معركة شهيرة عرفت في مصر بمعركة الطربوش، فمصر كانت تستورد الطرابيش إلى أن أنشأ محمد علي باشا مصنعًا لتصنيع الطرابيش، لكن بعد تحالف الدول الغربية ضد مشروعه في مصر عام 1840م توقفت كثير من المصانع، ومن بينها مصنع الطرابيش، وعادت مصر إلى الاستيراد مرة أخرى. من مصر الهرمة إلى "مصر الفتاة" ! بعد تخرجه من كلية الحقوق أنشأ المناضل "أحمد حسين" مع مجموعة من الشباب حديثي التخرج حركة مصر الفتاة سنة 1933 ، مسترشدين بمقولة اازعيم الوطني مصطفي كامل : "أريد أن أوقظ في مصر الهرمة، مصر الفتاة " ، وقد دعت إلى وحدة مصر والسودان وإلي الوحدة العربية والإسلامية، وإلغاء الامتيازات الأجنبية والمحاكم المختلطة، تقييد الشركات الأجنبية، وأن تكون اللغة العربية هي اللغة المستخدمة في الحياة الرسمية وغير الرسمية، واعتبار يوم الجمعة يوم عطلة رسمية، إصلاح أحوال الفلاح المصري، بناء قاعدة صناعية وطنية، فرض حماية جمركية على الصناعة الوطنية، التعليم المجاني، العلاج المجاني. في عام 1929 ظهر اسم "مصر الفتاة" لأول مرة ، ثم بدأت تتكون ملامح تلك الجمعية الوطنية إبان "مشروع القرش"، وفي أكتوبر عام 1933، تشكلت جمعية "مصر الفتاة"، وأعلنت رسميًا تحت رئاسة المناضل "أحمد حسين". كانت الجمعية ذات أهداف وطنية ، فكان من مبادئها أن على كل مصري أن يؤمن بأن مصر فوق الجميع، وأن يشعل القومية المصرية، وأن تصبح الكلمة المصرية هي العليا وما عداها لغوا، وكان من متطلباتها: "لا تتحدث إلا بالعربية"، و"لا تشتر إلا من مصري"، و"لا تلبس إلا ما صنع في مصر"، و"احتقر كل ما هو أجنبي، وتعصب لقوميتك إلى حد الجنون" ، وكانت الجمعية مقصدًا لكثير من الشباب المصريين ؛ لما تميزت به من حماسة وحب للوطن. تحولت جمعية مصر الفتاة إلى حزب سياسي في 31 ديسمبر عام 1936، فكان حزبًا يتمتع بشعبية وسط الشباب المصري، ويتبنى خطًا وطنيًا قويًا ذا تأثير سلبي على شعبية حزب الوفد بين الشباب. اعتقدت "مصر الفتاة" تعتقد أن جلاء الإنجليز عن مصر لن يتم عن طريق المفاوضات؛ بل إن بعض أعضاء الحزب تبنوا بعض الآراء الوطنية الفعالة ، فقد كانت قيادة مصر الفتاة في يد الشباب، ولم تكن في أيدي الساسة الكبار؛ ولذا كانت حماستهم عالية للغاية ، فأنشئوا تنظيما شبه عسكري كان الأول من نوعه في مصر، عرف بالقمصان الخضراء، وأصدروا جريدة شهيرة عرفت باسم "الصرخة" التي طالبت بجلاء الإنجليز عن مصر، وإلغاء نظام الامتيازات الأجنبية، وإدخال الخدمة العسكرية العامة إلى مصر، وظهرت مصر الفتاة كجمعية تريد إصلاح وتطوير البلاد والمجتمع؛ ولذا كانت تتكرر دعواتها لمقاطعة البضائع الإنجليزية، ومقاطعة منتجات ومصانع التبغ التي يديرها الأجانب، ومقاطعة الحانات ودور السكر والخمر. كانت مصر الفتاة تقوم بمسيرات، وتعقد الاجتماعات، وهو ما عرض أعضاءها للاصطدام المتكرر بالبوليس، وعرض بعض أعضائها للاضطهاد. "حسين" سياسيًا وطنيًا أنشأ أحمد حسين الحزب الوطني الإسلامي عام 1940، وطرح فكرة توحيد القوة الإسلامية في مصر والعالم العربي، ثم الحزب الاشتراكي سنة 1949، الذي أعتمد على مبادئ العدالة الاجتماعية في الإسلام، وقد اهتمت برامج هذه الأحزاب السياسية التي أنشأها وترأسها أحمد حسين بالدعوة إلى الوحدة الإسلامية وإلغاء كل ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وإنصاف الفلاحين والعمال والفقراء، وحق العمل والإضراب والتأمين الاجتماعي، وتشكيل النقابات والاتحادات للفلاحين والعمال، وحق التعليم والعلاج المجاني0 كما دعا أحمد حسين إلى إنشاء مصانع للحديد والصلب وإنشاء هيئة للطاقة الذرية وتأميم قناة السويس ، ولعب أحمد حسين دورًا كبيرًا في التحريض علي الثورات الفلاحية ضد الإقطاع في الريف المصري ، كما كان لأحمد حسين أكبر الأثر في هدم النظام الملكي في مصر، فقد ظل طوال حياته يهاجم الملك والحاشية والفساد بلا هوادة، كما نظم أحمد حسين كتائب التحرير للتدريب على السلاح وأعداد المجاهدين للقتال ضد الإنجليز في القناة، أو ضد الغزوة الصهيونية في معارك عام 1948 م. وقد دخل أحمد حسين السجن عدة مرات، وعاش فترات طويلة مطاردًا هاربًا بسبب ذلك النشاط، وقد أتهم عدة مرات بالعيب في الذات الملكية، وفي عام 1952 دبر الإنجليز والملك حريقًا كبيرًا في القاهرة وتم اتهام أحمد حسين بتدبيره، وأعتقل على ذمة التحقيق في هذه القضية تمهيدًا لصدور الحكم بإعدامه، إلا أن انقلاب الجيش في يوليو 1952 م أفسد تلك المحاولة. "حسين" الإشتراكي ! عقد المناضل "أحمد حسين" مؤتمرًا صحفيًا في في 24 يناير 1952 ، أعلن فيه أنه قرر الانسحاب من الحياة العامة، متوقعًا تردي البلاد في الكوارث، وكان ذلك قبل حريق القاهرة بيومين ، وقد وجه له البعض اتهامًا مباشرًا أنه يقف وراء حريق القاهرة الشهير، وقدم إلى المحاكمة، وطالبت الحكومة بإعدامه، وكاد حبل المشنقة أن يلتف حول رقبته. حتشية الملك كانت ترأى أن التخلص من التيار المعارض والمطالب بالاستقلال يكمن في التخلص من الزعيم أحمد حسين ، ولعل إدراك أحمد حسين نفسه لهذه النقطة هو ما أربك حساباته في فترة حريق القاهرة. أفرج عن أحمد حسين بعد قيام حركة يوليو 1952م، وإسقاط النظام الملكي، وعاد لنشاطه، لكن حل الأحزاب شمل حزبه في عام 1953، ثم ما لبث أن تعرض للسجن والتعذيب الوحشي في السجن الحربي إبان "أزمة مارس" الشهيرة عام 1954، والتي دار خلالها صراع على السلطة بين الرئيس محمد نجيب وجمال عبد الناصر الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء، وذلك بسبب برقية أرسلها إلى الطرفين قال فيها: "إن مصر ليست ضيعة أو عزبة تتداولونها". عندما أفرج عنه انتقل أحمد حسين إلى منفاه الاختياري في سوريا، ثم لبنان، ثم لندن، ثم السودان، ولم يكف خلال هذا التجوال عن إرسال البرقيات إلى الرئيس جمال عبد الناصر(الذي كان عضوًا سابقًا في حزب مصر الفتاة) يطالبه فيها بالديمقراطية، ويحذره من الاستبداد والديكتاتورية ، وعاد عام 1956، إلى مصر وأعلن اعتزاله العمل السياسي ، وعمل بالمحاماة فترة، ثم اعتزلها عام 1960، وتفرغ للكتابة. أعتزل أحمد حسين العمل السياسي بعد ثورة 1952، لأن رجال ثورة يوليو رفضوا أن يسمحوا له بالعمل السياسي أو الوطني، كما تم اعتقاله وإهانته أيضًا في عام 1954 م، ومنذ عام1954وحتى وفاته عام 1982 م تفرغ أحمد حسين للكتابة والبحث، فأصدر العديد من الكتب والأبحاث والمقالات التاريخية والدينية، وبدأ مشروعًا لتفسير القرآن الكريم إلا أنه لم يتمه بعد أن أنجز منه جزاءًا كبيرًا. أهم مؤلفات أحمد حسين - موسوعة تاريخ مصر (خمسة أجزاء). - إيماني. - الأرض الطيبة. - في الإيمان والإسلام. - وراء القضبان. - رسالة إلى هتلر. - حكومة الوفد. - احترقت القاهرة. - الطاقة الإنسانية. - محمد نبي الإنسانية - محمد صلى الله عليه وسلم الإنسان.. أين مكانه - مصادر السيرة النبوية ومراجعها - المكان والبيئة والسكان لرسالة نبي الإنسانية - إبراهيم وإسماعيل وبناء الكعبة - ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم وطفولته - رسول الله صلى الله عليه وسلم في شبابه - من تفسير القرآن الكريم - العلم والمال في الإسلام - الإسلام والمرأة - في ظلال المشنقة - تفسير سورتي الفاتحة والبقرة