(1) عندما كان التحالف الأمريكي يعد لضرب العراق أيام حرب تحرير الكويت، بدأ الإعلام الأمريكي وبعض المحللين (وحتي المسؤولين) في الحديث عما سموه ب سيناريو الكابوس ، أي قيام صدام حسين بسحب قواته من الكويت في اللحظة الأخيرة، مما كان يعني إفشال المخطط لتوجيه ضربة عسكرية قاصمة للجيش العراقي تمنعه من أن يشكل أي تهديد للمصالح الغربية في المنطقة مستقبلاً. وكما هو معلوم فإن الكوابيس (لا الكابوس الواحد) التي وقعت بالفعل كانت من نوعِ آخر.
(2) يكثر البعض الحديث عن المؤامرات الغربية وخاصة الأمريكية التي تستهدف العرب والمسلمين. وفي حقيقة الأمر فإن المؤامرات الأمريكية لا تتم في الخفاء، بل هي كتاب مفتوح، تناقش في المؤسسات والنشرات البحثية والكتب وفي الإعلام، بحيث لا تغيب تفاصيلها إلا عن غافل أعمي البصر والبصيرة. وعليه فإن من يقع في شراك هذه المؤامرات يكون إما فاقداً للعقل أو الإرادة أو الاثنين معاً. الأمر نفسه يتعلق بالمؤامرات الصهيونية منذ مؤتمر بازل.
(3) في الآونة الأخيرة أصبح هناك تداخل، وأحياناً تطابق، بين المؤامرات الأمريكية الصهيونية، كما كان الحال في المذكرة المؤامرة التي تقدم بها بعض كبار المحافظين الجدد (ممن وصل بعضهم إلي السلطة في عهد بوش الابن) إلي رئيس الوزراء الأسبق بنجامين نتنياهو تطالبه بإلغاء اتفاق أوسلو وتوجيه ضربات مدمرة ليس فقط للفلسطينيين، بل للعرب وإخضاعهم بالقوة للهيمنة الصهيونية. واعتبر ضرب العراق أحد أهم مركبات هذا المخطط.
(4) كل هذه المؤامرات، منذ مؤتمر بازل، مروراً بوعد بلفور إلي مذكرة المحافظين الجدد وخطة غزو العراق، لم تكن غائبة عن وعي القادة العرب والنخبة المفكرة، ولكن العرب كانوا ولا يزالون الغائبين عن كل فعل، إلا التفرج، وأحياناً المساهمة في التنفيذ. فلم توجد مؤامرة ضد العرب منذ وعد بلفور إلي غزو العراق إلا وكان هناك مشاركون عرب في التنفيذ.
(5) أضعف الإيمان هو أن يساعد العرب في إفشال هذه المخططات بعدم المشاركة في تنفيذها. ويعادل ذلك أيضاً ألا يذهب الضحايا مفتوحي الأعين إلي الشباك التي تنصب لهم، وأن يجعلوا كوابيس المتآمرين حقيقة بتحقيق السيناريو الذي يجعل تنفيذ المؤامرة مستحيلاً.
(6) فيما يتعلق بالوضع الفلسطيني الحالي فإن سيناريو الكابوس عند حكومة إيهود أولمرت في إسرائيل وحلفائها في واشنطن وهو قيام حكومة فلسطينية تجد القبول الدولي وتدفعهم إلي مواجهة متطلبات السلام. الإسرائيليون لا يريدون السلام ولا يقدرون علي دفع متطلباته، خاصة الانسحاب من الأراضي المحتلة. ولهذا فهم يتهربون من ذلك بكل وسيلة، وذلك باستدراج الفلسطينيين إلي صراع غير متكافئ. ومثل كل العرب فإن الفلسطينيين يهرولون إلي الشراك مفتوحي الأعين.
(7) حالياً جعل الإسرائيليون موضوع الاعتراف بإسرائيل من قبل حكومة حماس خط دفاعهم الأول، لأنهم يعلمون صعوبة هذه المسألة علي حماس. ولكن هذا ليس سوي تضليل، لأن عباس ومن قبله عرفات كان علي رأس حكومات تعترف بإسرائيل وتبصم بالعشرة علي كل المطالب الدولية، دون أن يؤدي هذا إلي أي حل للمسائل العالقة. فعرفات لم يحاصر حتي الموت لأنه كان يرفض الاعتراف، كما أن كل العرب قد اعترفوا في قمتهم البيروتية الشهيرة عام 2002، ولكن الحكومة الإسرائيلية رفضت هذا الأسبوع مجرد الحوار مع عرب الاعتراف والاستسلام.
(8) كنا من قبل نصحنا حماس بأن تسحب هذه الورقة من أولمرت بأن تترك عباس وجماعته يواجهون أولمرت حتي يصلوا بدورهم إلي ما وصل إليه عرفات من قبل من استحالة الوصول إلي حل مع الحكومات اليمينية المتطرفة بعد أن فشلوا مع حكومات اليمين الأقل تطرفاً (فليس في إسرائيل يسار)، فيعودون كما فعل عرفات أيضاً إلي استراتيجية مقاومة فعالة. ولا نريد أن نعود إلي ذلك السجال، سوي أن نقول ان الأمر في حاجة إلي تفكير خلاق بقلب الطاولة علي أولمرت وأشياعه بوضع الشروط عليهم بدل العكس، كأن يقال كما فعلت القمة العربية بأن الاعتراف بهم مشروط بالقبول بتفكيك الجدار ومبدأ الانسحاب، إلخ. وإلا فإن قيام حكومة فلسطينية يصبح أقصي مطالبها فك الحصار الذي لم يكن موجوداً أصلاً قبل قيامها (أي العودة إلي ربع أوسلو) خير منه عدم وجود أي حكومة. عن القدس العربى