كالكثير من الأمور، التي يحاول النظام استخراج فتوي دينية خاصة بقراراته، أفتي الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، بجواز استثمار أموال الوقف في مشروعات الدولة الكبرى، وذلك وسط مخاوف من أن يكون ذلك ممهدًا لأن تضع الدولة يدها بالكامل عليه، والتصرف فيه بما يخالف الهدف المخصص من أجله. ومنذ إعلان الوقف، قُنن وضع الأوقاف الخيرية من أراض ومبان خصصها أصحابها للأعمال الخيرية في مصر، وتطورت القوانين المحددة لها والهيئات المشرفة عليها بمرور السنين، إلا أن الإعلان عن حجم ثرواتها وعوائدها ظل أمرًا مسكوتًا عنه. وكان قائد نظام العسكر عبد الفتاح السيسي أصدر قرارًا جمهوريًا في يوليو 2016 بتشكيل لجنة لحصر أموال هيئة الأوقاف وتعظيم عوائدها برئاسة المهندس إبراهيم محلب مساعد الرئيس للمشروعات القومية والإستراتيجية. وفي 2016، أظهرت إحصائية لأن حجم التعديات على أملاك الوقف الخيري بلغت نحو 37 ألف حالة، أبرزها وقف أرض نادي الزمالك على مساحة تسعين ألف متر، ووقف سيدى كرير بمساحة 27 ألف فدان بالساحل الشمالي، ووقف مصطفى عبد المنان بمساحة 420 ألف فدان ممتد في محافظاتالدقهلية ودمياط وكفر الشيخ، وتتنازع الوزارة مع أفراد وجهات حكومية على ملكيتها. وعلى الرغم من غياب الحصر الشامل لممتلكات الأوقاف، إلا أن وزير الأوقاف مختار جمعة أعلن في وقت سابق أن أموال الوقف الخيري تزيد على المائة مليار جنيه، تجري "إدارتها بشكل جيد سيؤهلها لتصبح أهم ركائز الاقتصاد المصري". وأفتى مفتي الجمهورية بأنه "يجوز استثمار أموال الوقف في المشروعات الكبرى؛ إذ إن الاتجاه في الفتوى على أن الوقف في الأموال السائلة جائز؛ ويجوز استثماره وإدارته إدارة جيدة لما فيه خدمة للمجتمع؛ لأن العلماء أدركوا أن أموال الوقف هي رأسمال اجتماعي مهم يجب استثماره فيما فيه مصلحة للمجتمع". وأثارت الفتوى الجدل بين علماء الأزهر حول مشروعيته، بين فريقين أحدهما يطالب بضرورة توضيح الفرق بين الوقف العام والخاص، وأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال، لرئيس الدولة أو للمفتي أو لوزير الأوقاف، توجيه الخاص لغير الأوجه المخصصة له، قال آخر، إن الوقف المخصص لشخص بعينه، هو الوحيد الذي لا يجوز صرفه، إلا لهذا الغرض فقط. الدكتور محمود مزروعة، عميد كلية أصول الدين سابقًا، قال إن "هناك نوعين من أموال الوقف، أحدهما عام والآخر خاص، والعام هو أن يقوم أحد المواطنين بوقف بعض أمواله أو قطعة زراعية أو تجارة أو غير ذلك، على المصلحة العامة للمسلمين، وذلك يجوز للمفتي ووزير الأوقاف التحدث عنه، والدعوة إلى استثمارها في مشروعات الدولة الكبرى". وأشار مزروعة، إلى أن "النوع الآخر وهو الوقف الخاص، والذي يقوم على وقف أحد الأشخاص جزء من ماله أو قطعة أرض أو عمارة، على مصلحة خاصة للمسلمين أو لبعضهم، كتعليم الفقراء أو تحفيظهم القرآن، أو دروس بالمسجد أو على إمامة مسجد أو ما شابها، فذلك لا يجوز على الإطلاق إنفاقها إلا على ما وقفه عليه صاحبه". وأكد أنه "لا يجوز لوزير الأوقاف أو المفتي أو رئيس الدولة، تغيير ذلك الوقف لأمر آخر كاستثماره في مشروعات الدولة، وإذا حدث ذلك، فإنه مخالفة صريحة للشرع ولقواعد الوقف الإسلامي، إذا أنه لا يجوز إلا إذا جاء صاحبه وغيره". وطالب مزروعة، مفتي الجمهورية ب "توضيح مثل هذه الأمور البسيطة للمواطنين، والتفرقة بين العام والخاص؛ حتى لا يُحدث بلبلة بينهم"، داعيًا من يريد وقف شيء أن يتركه غير محدد؛ حتى يتمكن ولي الأمر من توجيه لصالح المسلمين. وأوضح أن "أموال الوقف لابد أن تكون لمصلحة شرعية وليست مخالفة للشرع، فإذا قام أحد الأشخاص بوقفها على فتح "خمارة" مثلًا، فهذا لا يجوز شرعًا، ولابد من صرفه لمصلحة شرعية تخدم جماعة المسلمين". عميد كملية أصول الدين سابقًا قال إنه "إذا تم توجيه ذلك الوقف لمصلحة شرعية كتحفيظ القرآن أو إنفاقها على الفقراء مثلًا، لا يجوز لولي الأمر ولا لغيره توجيهها لغير ذلك". الدكتور أحمد خليفة شرقاوي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أوضح أن "الأموال الموقوفة لطلبة العلم أو الموقوفة على المساجد أو المؤسسات الدينية أو الأعمال الخيرية، يجوز إنفاقها على المشروعات الكبرى التي تقوم بها الدولة؛ لأنها ستحقق المقاصد العليا لرغبة الواقف". وأضاف أنه "إذا قام أحد بتخصيص وقف ما لتعليم شخص بعينه لتزويجه أو لصرفه على تعليمه، فهذا لا يجوز صرفة لغير ذلك، إلا بإذن من الواقف ذاته". وأشار إلى أن "هناك أوقاف كثيرة آلت للدولة ومن من حقها أن تتصرف فيها وأن تنمي ثمارها، طبقًا لما يحقق مصلحة العباد والبلاد، مضيفًا أن المقصد من الوقف، التعاون على الخير والبر، وإنفاقه على ما يلزم لحاجة البلاد، طالما أن الدولة أمينة عليه".