1908م - السلطان عبد الحميد الثاني يعين الشريف حسين أميرًا على مكة الشريف حسين (حسين بن علي الهاشمي) مؤسس المملكة الحجازية الهاشمية وأول من نادى باستقلال العرب من حكم الدولة العثمانية. ولد في إسطنبول سنة (1270ه 1854م) حينما كان والده منفيا فيها فألم باللغة التركية وحصل على إجازات في المذهب الحنفي. عاد إلى مكة وعمره ثلاث سنوات. قاد الثورة العربية الكبرى متحالفا مع البريطانيين ضد الدولة العثمانية لجعل الخلافة في العرب بدل الأتراك في (1916م) ولقب بملك العرب. وهذا هو التآمر الثاني للغرب ضد الدولة العثمانية بعد دعم فرنسا وعدد من الدول الغربية لمحمد علي في مواجهة الدولة العثمانية لإضعافها ثم انقلبت الدول الغربية عليه وأرغمته على التنازل عن معظم الأراضي التي ضمها وحاصروه داخل حدود مصر والسودان في الفترة من (1831م ، 1247ه) إلى (1840م، 1256ه) السلطان عبد الحميد الثاني هو السلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، والسادس والعشرون من سلاطين آل عثمان الذين جمعوا بين الخلافة والسلطنة، وآخر من امتلك سلطة فعلية منهم. تقسم فترة حكمه إلى فترتين: الفترة الأولى وقد دامت عاما ونصف العام ولم تكن له سلطة فعلية، والفترة الثانية وقد دامت ثلاثين عاما. تولى السلطان عبد الحميد الحكم عام (1293ه - 1876م)، وخُلع بانقلابٍ عام (1327ه - 1909م) ووُضع رهن الإقامة الجبريَّة حتّى وفاته عام 1918م. وصل عبد الحميد إلى تخت المُلك خلفاً لأخيه السلطان مراد الخامس الذي مكث في السلطة ثلاثة أشهر فقط وأنزله وزراؤه بعد أن أصيب بالجنون. شهدت خلافته عدداً من الأحداث الهامة، مثل مد خط حديد الحجاز الذي ربط دمشق بالمدينة المنورة، وسكة حديد بغداد وسكة حديد الروملي، إلا أن الدولة فقدت أجزاءً من أراضيها في البلقان وقبرص ومصر وتونس خلال حكمه، كما انفصلت بلغاريا والبوسنة والهرسك في 1908م. إلا أن أهم ما يميز فترة حكمه هو تصديه للأطماع الصهيونية في فلسطين. نشط اليهود منذ ثمانينات القرن التاسع عشر في تهجير اليهود المتشتتين في أنحاء العالم وطالبوا بإنشاء دولة لهم في فلسطين. وكانت أول محاولاتهم في عام 1293 ه 1876م إذ عرض "حاييم گوديلا" على السلطان شراء مساحات من الأراضي في فلسطين لإسكان المهاجرين اليهود فيها إلا أنه رفض عرضه واستعان اليهود الروس بالسفير الأمريكي في إسطنبول أيضاً ولم ينجح بذلك. ولم تنقطع الهجرات الفردية، وكانت هناك هجرات جماعية بين (1285 ه - 1314ه) & (1868م - 1896م) وكانت هذه الأكثر فعالية. وعلى أثر اغتيال القيصر الروسي ألكسندر الثاني واتهام منظمة "أحباء صهيون" عام (1298 ه / 1881م (تعرض اليهود لحملة مذابح واضطهادات، فطلبوا من القنصل العثماني في أوديا منحهم تصريحات لدخول فلسطين إلا أن الحكومة رفضت هذا، ورحبت بهم في أي إقليم من أقاليم الدولة ونتيجة لازدياد شعور السلطان بالتحرك اليهودي، أبلغ المبعوث اليهودي "أوليڤانت" أن باستطاعة اليهود العيش بسلام في أية بقعة من أراضي الدولة العثمانية إلا فلسطين، وأن الدولة تُرحب بالمضطهدين، ولكنها لا تُرحب بإقامة دولة دينية يهودية فيها. وقد حاول بعض اليهود تحدي قرار الباب العالي بالنزول في يافا، لكن السلطات العثمانية منعت دخولهم إلى مدينة القدس. لكن هجرتهم استمرت بشكل بطيء وبشكل غير رسمي عن طريق التحايل على القانون، ورشوة الموظفين، وبمساعدة قناصل الدول الأجنبية، وأرسلت الحكومة إلى متصرف القدس "رؤوف باشا" أن يمنع دخول اليهود من الجنسيات الروسية والرومانية والبلغارية من دخول القدس، والروس بشكل خاص. تدخلت الدول الأوروبية بعد إلحاح اليهود عليها، فأصدرت الحكومة العثمانية تعليمات جديدة سمحت لليهود بسكن القدس لمدة شهر واحد فقط. في 1305 ه 1888م وبعد مرور ثلاثة أعوام، تدخلت بريطانيا وبذلت جهودها للتخفيف من شرط الإقامة الزمني، فرضخ السُلطان لتلك الضغوط وخفف المدة إلى ثلاثة أشهر. واتخذ الباب العالي قراراً بتحويل سنجق القدس التابع لوالي دمشق إلى متصرفية حيث أن المتصرفيات تتبع الباب العالي مباشرة وذلك لتشديد المراقبة. وأرسل أعيان مدينة القدس إلى السلطان شكوى يطلبون فيها إجراء فعال يمنع دخول اليهود ويمنعهم من شراء الأراضي، فأصدر فرماناً في (جمادى الآخرة 1310 ه - ديسمبر1892م) يحرم فيه بيع الأراضي الحكومية لليهود حتى لو كانوا عثمانيين من رعايا الدولة. في أواخر القرن التاسع عشر سعى "تيودور هرتزل" زعيم الحركة الصهيونية بكل الطرق لإقناع السُلطان عبد الحميد بإيجاد وطن قومي لليهود، فاستغل "القضية الأرمنية" وعرض على عليه بذل الجهود من أجل تسوية المشكلة عقد اليهود مؤتمرهم الصهيوني الأول في مدينة بال السويسرية برئاسة هرتزل ما بين (29-30 ربيع الآخر و1 جمادى الأولى 1315 ه & 29-31 أغسطس 1897م) واتخذوا عدة قرارات أطلق عليها "برنامج بال" أو "البرنامج الصهيوني"، وكان أهم قرار "تأسيس وطن قومي في فلسطين"، وبعد أن كانوا يطمحون أن يكونوا فيها تحت سيادة الدولة العثمانية أصبحوا بعد هذا المؤتمر يطمعون بالسيطرة على فلسطين. راقب السُلطان عبد الحميد المؤتمر ومقرراته عن قرب، واتخذ قراراً جديداً هو منع اليهود من السكن في فلسطين ومنع اليهود الأجانب من دخول مدينة القدس. ولم تتوقف المؤتمرات الصهيونية عن الانعقاد وكانت في كل مرة تزيد عدداً وقوة، ولم تتوقف جهود "تيودور هرتزل" للاجتماع بالسُلطان عبد الحميد الثاني وسافر للعاصمة إسطنبول في (24 محرم 1319 ه& 13 مايو 1901م) وقابل السلطان بعد أربعة أيام ثم قابله مرتين أخريين وعرض عليه إصدار فرمان يجيز لليهود الأجانب الهجرة إلى فلسطين ومنحهم حكماً ذاتياً، مقابل دفعهم ثلاثة ملايين جنيه وفي بعض المصادر مليوني جنيه، وبعدها بدفع الجزية، لكن السلطان كان على موقفه رافضاً إلا أنه وافق على هجرتهم إلى آسيا الصغرى والعراق لقاء دفع الديون المترتبة على الدولة ولم يكن هرتزل راضياً عن هذا، عندها حاول عرض رشوة كبيرة على عبد الحميد تقدر بمليون جنيه مقابل حصولهم على فلسطين. عندها قال السلطان كلمته الشهيرة "انصحوا الدكتور هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع، فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض، فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية التي جاهدت في سبيلها وروتها بدمائها، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت دولة الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حيّ، فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من الدولة الإسلامية، وهذا أمر لا يكون. إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة". وعلى الرغم من جهود السلطان في الحد من هجرة اليهود فقد استمرت الحركة الصهيونية بإنشاء أجهزة تشرف على شراء الأراضي وتنظيم عملية الاستيطان وطلب هرتزل من السلطان في (محرم 1320 ه / مايو 1902م) الإذن بإنشاء جامعة عبرية في مدينة القدس للشبان الأتراك، إلا أن السلطان رده بعكس ما يريد. وفي (1321 ه - 1903م (حاول اليهود عقد أول مؤتمر صهيوني في فلسطين، فحظر السُلطان نشاطهم السياسي الدولي. وفي (1322 ه - 1904م (توفي تيودور هرتزل وتابع اتباعه من الصهاينة تحقيق ما يريدون، وفي (1336 ه - 1917م) وافقت بريطانيا بعد وعد بلفور على تأسيس وطن قومي يهودي في فلسطين. (صور محمد علي باشا - ثيودور هرتزل - الشريف حسين - السلطان عبد الحميد)