صباح السبت الماضي ، وبعد ساعات قليلة من حادث قطار الإسكندرية الأليم ، سقطت طائرة عسكرية بين قريتي "طماي الزهايرة" ومدخل "عزبة فضة" التابعتين لمركز "السنبلاوين" بمحافظة الدقهلية ، لتعيد إلى الأذهان تكرار لمسلسل بدأت تشهده مصر خلال السنوات الأربعة الماضية. سقطت الطائرة في أرض مزروعة بالأرز بشكل مفاجئ ، بحسب الإخطار الذي تلقاه مدير أمن النظام بمحافظة الدقهلية ، رغم أن تقارير إخبارية تابعة للتلفزيون المصري قالت أن الطائرة أقلعت من مطار "شاوة" العسكري في إطار تدريبات خاصة ، وتحطمت نتيجة لتعطل محركاتها. ولكن الغريب في هذه الواقعة هو عدم صدور أي بيان أو تعليق من المؤسسة العسكرية حتى بعد مرور نحو أكثر 73 ساعة ، وبالطبع تسفر هذه الحوادث عن وقوع ضحايا بين قتيل وجريح، من قائدي تلك الطائرات وبعض المدنيين الذين يتواجدون في محيط عملية السقوط والتحطم. حوادث متكرره تكرار مثل هذه الحوادث يضع العديد من علامات الاستفهام حول قدرات سلاح الطيران المصري ، والحديث عن الخلل الفني المفاجئ ، وهو السبب الرئيسي في كل الحوادث السابقة ، حيث يعتبر حادث سقوط الطائرة الأخير ، ال 13 من نوعه خلال فترة 4 سنوات فقط ، بعدما كانت البداية القريبة في عام 2013. كان محور بيانات المؤسسة العسكرية لبيان سبب سقوط هذا الكم الكبير من الطائرات هو "الخلل الفني" ، لكن الغريب أن أغلب هذه الطائرات ليست قتالية، أي ربما تستخدم في عمليات تدريب الطياريين الجدد، بما يعزز من أنها قديمة ويرجع تاريخ تصنيعها لعقود طويلة. هذه الطائرات أقل خسارة بالنسبة للمؤسسة العسكرية من تدريب الطيارين على طائرات بمبالغ كبيرة مثل "الأباتشي"؛ لذلك يتم الاعتماد عليها في بداية فترات التدريب للخريجين الجدد. اعتراف بطعم التدليس ! قائد القوات الجوية "يونس المصري" ، اعترف سابقًا باستمرار العمل بطرازات قديمة من الطائرات، خلال أحد الحوارات الصحفية في أكتوبر الماضي، أي بعد شهر واحد تقريباً من سقوط طائرة في محافظة الشرقية ، مشيرًا إلى أن "البعد الاقتصادي مهم جدا لدينا، ونحن حريصون على الاستفادة من كل قدراتنا، ولسنا من الرفاهية التي تجعلنا نستغني عن أي طراز من الطائرات ونبيعها خردة، ولكننا نطورها فنياً لمجابهة التحديات، ونعمل على تطوير كل المتقادم، فلدينا طرازات عمرها أكثر من 40 عاماً، ولتطويرها نحتاج للتعاون مع الدول الصديقة". ولم يشفع حديث قائد القوات الجوبة عن تهدئة هذه الشكوك، وقال: "إنه تم تطوير البرامج التعليمية والمناهج بالكلية الجوية وكل المعاهد والمنشآت التعليمية التابعة لنا؛ لتواكب التطور المذهل والمتلاحق في علوم الطيران، علاوة على الاهتمام بالفرد المُزوَّد بعقيدة عسكرية وروح معنوية مرتفعة وقدرة على الأداء الجيد وإلمام تام بمهامه فى السلم والحرب ولياقة بدنية عالية وقدرة على استخدام أحدث المعدات، وتلك الصفات هي التي تُمكّن الفرد من أداء مهامه القتالية بأعلى معدلات للأداء". ويتناقض مع تصريحات "المصري" سقوط 13 طائرة عسكرية، إذ لم يتمكّن قائدو تلك الطائرات من تفادي السقوط عبر آليات القفز من الطائرات في حالة الطوارئ. لماذا لا يرفع النظام من جاهزية الجنود ؟! المثير للتساؤلات هو عدم تحرك أي جهات في الدولة وتحديدًا مجلس نواب العسكر ، رغم أنه مهمته هى مراقبة الحكومة ، ومن حقه محاسبة الحكومة ووزرائها بمن فيهم وزير الدفاع الفريق أول "صدقي صبحي" حيال توالي سقوط الطائرات العسكرية ، وعلى الرغم من الحديث عن تشكيل لجان فنية لمعرفة سبب الخلل الفني في حوادث سابقة ، إلا أن كل هذه التحقيقات لم تخرج للعلن ولم يتم توضيحها للرأي العام، وتبقى حبيسة الأدراج ولا تخرج من وزارة الدفاع. ومن جانيه ، قال الخبير الاستراتيجي "محمد محروس" ، في حديثه ل"الشعب" ، أن "تزايد حوادث سقوط الطائرات يعكس وجود خلل في منظومة القوات الجوية المصرية ، في اتباع أساليب التدريب والاعتماد على معدات قديمة ، والتضحية بالطيارين في مقابل الحفاظ على المعدات الثمينة". وأشار "محروس" إلى أن أغلب وقائع سقوط الطائرات المصرية إلى وجود خلل كبير في عمليات تدريب الطياريين ، بما يزيد من الشكوك حول الكفاءة القتالية للطياريين المصريين. وعن علاج هذه الظاهرة ، قال "محروس" ، أن الحل الامثل هو "وضع خطه لتحديث اسطول الطائرات المصريه فى عده سنوات ، بحيث تدخل كل سنه طائرات جديده ويتم فورًا الاستغناء عن عدد من الطائرات القديمة" ، مؤكدًا أن تحديث المعدات العسكرية شىء روتينى وإجراء يسري فى كل جيوش العالم ، ولا يوجد جيش بالعالم يتوقف عن تحديث اسطوله أو يستمر فى استخدام الطائرات إلى الأبد حتى تسقط بطيار وتتحطم. وأوضح الخبير الاستراتيجي "محمد محروس" أن استمرار الأسلوب الحالى يعنى أننا سوف نخسر كل عام عدد من الطيارين الأكفاء بسبب تحطم الطائرات ، مؤكدًا على أنه لابد أن يكون هناك استراتيجيه للجيش المصرى لتحديث اسطول الطائرات دوريًا كل عام ، وإحلال جديد وخروج المتهالك من الخدمه ، بالإضافه إلى الصيانة الدورية القوية. وبحسب مصادر في القوات الجوية، فإن القوات الجوية دائماً تُرسل بعثات لتدريب الطياريين في الخارج بصورة منتظمة ومستمرة، وتم إرسال بعثات للتدريب على طائرات ال "رافال" في فرنسا قبل تسليمها لمصر. وقالت المصادر إن "التدريب الحقيقي لاستخدام الطائرات القتالية يكون في البلد المصدر لها وليس في مصر، مؤكداً أن الطائرات القديمة تستخدم فقط لمهمات بسيطة وبالأخص عمليات التدريب" ، مشيرة إلى أن عمليات التدريب في الخارج من شأنها التعرف على آخر ما وصلت إليه علوم الطيران والمناورات العسكرية، وبالتحديد كيفية التعامل مع الطائرة التي سيتم تصديرها إلى مصر. البشوات يضحون بالمجندين الأزمة الأهم ليست فقط في ضعف التدريب، ولكن التقصير الكبير الذي يلاحق قيادة القوات الجوية ، لناحية الاعتماد على طائرات قديمة فضلاً عن عيوب شديدة في أعمال الصيانة ، ومع افتراض كفاءة قائدي الطائرات التي سقطت، فإنه يبقى أن التوقف المفاجئ للمحركات مسؤولية تقع على مسؤولي علميات الصيانة الدورية لهذه الطائرات القديمة التي تحتاج إلى رعاية خاصة. وبالتالي ، فإن المسؤولية الأساسية تقع على مهندسي الصيانة، إذ عليهم كتابة تقارير علمية حول ضرورة عدم استخدام بعض الطائرات؛ لأن عمرها الافتراضي انتهى ولا تجوز حتى لأعمال التدريب. ويطرح علامات استفهام حول هذه الحوادث، هو قيام مصر بتحديث سلاح الطيران من خلال التعاقد على شراء 24 طائرة "رافال" فرنسية، والاتفاق على الحصول على طائرات عمودية من روسيا تتلاءم مع حاملة الطائرات الفرنسية من نوع "ميسترال"، إلا أن هناك إصرارًا على استخدام المعدات القديمة.