ترددت أصداء تصريحات الرئيس الروسي بوتين في مؤتمر الأمن الأوروبي والتي عبر فيها عن قلق روسيا البالغ من السياسات الأمريكية الخطرة في كل مكان في العالم، حيث عبر بوضوح عما عجز الملايين عن التعبير عنه، سواء في الولاياتالمتحدة أو العالم العربي والاسلامي، اضافة الى القارة الإفريقية وبلدان آسيا الوسطى، إذ حيثما يلتفت الانسان فإنه يرى جنود بوش ومرتزقته ومخابراته، بل إن سجونه باتت منتشرة في العديد من بلدان القارة الأوروبية وباتت فضائح ابوغريب وغوانتانامو سمة العصر البوشي، وهذه العقلية الهتلرية غزت الكثير من دبلوماسيي بوش، حيث لم يتمكن احد الدبلوماسيين الأمريكيين في مقابلة مع فضائية عربية مع النائب البريطاني جورج غالوي سوى الحديث عن فضائل أمريكا في إنقاذ أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية والحرب ضد الإرهاب، مما اثار حفيظة النائب البريطاني وقال كلاماً شبيهاً بما قاله الرئيس الروسي بعد أكثر من شهر واحد فقط.
واذا كانت روسيا قد طفح بها الكيل وعبّرت عن بعض ما في قلب ساستها من مخاوف، فإن الدبلوماسية الصينية عبرت عن هذه المخاوف بطريقتها الخاصة، حيث وجدت في الملف النووي الكوري مدخلاً خطيراً للحشود الأمريكية، وبالتالي يمكن للثور الهائج الأمريكي ان يدمر كل ما بنته اجيال في تلك المنطقة الحساسة من العالم، (التي لا تزال ترى كارثة هيروشيما وناكازاكي) ولذا قادت بكفاءة عالية دبلوماسية الحوار بين الاطراف المتصارعة حتى وصلت الى نزع الفتيل وإقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن برنامجها النووي لقاء ان يعيش مواطنوها بكرامة وأن يحصلوا على قوت يومهم بدلاً من أن تصرف القيادة التاريخية الملهمة للزعيم الفذ كيم ايل جونج امكانيات البلد الفقير في صنع قنابل لا تطعم احداً من فقرائها الملايين.. وكان الاجدر بها ان تتبع الطريق اليمني الجنوبي الذي وجد في الوحدة مع نصفه الآخر في صنعاء الحل التاريخي للإشكالية التي واجهها سواء في الصراع الداخلي أو احتكار السلطة أو نذر الفقر القادمة بعد انهيار الحليف الاستراتيجي إثر دعوات جورباتشوف حول الإصلاحات السياسية والاقتصادية والتي قادت الى نهاية مفجعة لأعظم دولة اشتراكية انعدمت فيها حقوق الانسان والقيم الانسانية الديمقراطية العليا.
من باكستان الى المغرب حيث اعتبرت الإدارة الأمريكية هذه المنطقة منطقة مصالح حيوية لاستراتيجيتها، ولم تكتف بقواعدها المنتشرة هنا وهناك، بل ملأت البحار بالأساطيل وحاملات الطائرات، وخلال ذلك احتلت العراق وافغانستان، وكان في مشروعها التمدد على سوريا ولبنان وإيران، لولا المقاومة البطولية الباسلة التى واجهتها في لبنان على يد مقاتلي حزب الله، والمقاومة العراقية التي جعلت تحقيق النصر الأمريكي مستحيلاً، كما قال القائد الجديد للقوات الأمريكية في العراق.
هذه المنطقة الشديدة الحيوية من العالم، وجدت فيها إدارة بوش ساحة لعب خطير للغاية ترتكز على الاحتلال والتدمير وإثارة الفتن الطائفية وتفتيت المفتت وتوزيع الوعود بدولة كردية ودولة فلسطينية وبديمقراطية يسيل لها لعاب الكثير من المقموعين العرب، الذين يريدون فقط أن يتنفسوا بعض الاجواء الصحية. وكادت دعوات بوش ورايس والزمرة الباغية في البيت الأبيض أن تخدعهم لولا ما يجري في العراق وفلسطين وافتضاح حقيقة الدعوات الأمريكية عندما نجحت حركة حماس في الانتخابات، فهاج الثور الأمريكي وفرض الحصار والتجويع على الشعب الفلسطيني، كما فرض شروطه على كافة الدول الأوروبية والعربية التي باركت العملية الديمقراطية الفلسطينية، وفوجئت بالموقف الأمريكي، ثم اكتشف بوش ان النفط والمال أفضل بكثير من التهريج حول الديمقراطية وحقوق الانسان، وأن “الجني الذي تعرفه خير من الإنسي الذي لا تعرفه” حسب المثل الشهير للشيخ عبدالله الاحمر اليمني.
ما يجري في العراق يؤكد ما يقوله الرئيس الروسي، فالوجود الأمريكي العسكري هو الخطر الحقيقي على الشعب العراقي، وهذا ما تقوله قيادات الحزب الديمقراطي الأمريكي التي اعتذرت للشعب الأمريكي عن موافقتها على شن الحرب على العراق لأنها صدقت الاكاذيب التي وزعتها الإدارة البوشية حول اسلحة الدمار الشامل في العراق. إلا أن الإدارة الأمريكية التي رفضت نصائح وملاحظات واستنتاجات تقرير هاملتون - بيكر، والكتاب القيم للرئيس الأمريكي كارتر حول عنصرية الكيان الصهيوني وبالتالي ما يشكله من خطر على السلام العالمي، وجدت أن عليها السير في الاتجاه المعاكس، بإرسال المزيد من القوات الى العراق. وشن اوسع حملة اعلامية طائفية عرقية ضد إيران لكسب عرب وضعوا كل بيضهم في السلة الأمريكية. وبعد ان كنا نسمع عن الدور الإيراني الشيعي في قتل السنة، بتنا نسمع عن الدور الإيراني الخطير في تسريب الأسلحة لقتل الأمريكيين في العراق.
وبعد الموقف الأوروبي معبراً عنه بلسان الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي بارك اتفاقية مكةالمكرمة، لم يبق سوى إدارة بوش وتُبّعِها الكيان الصهيوني حيث يرفضان إعلان مكة ويصران على اعتراف الفلسطينيين بقتلتهم وسارقي أرضهم قبل أن يمنحهم البيت الأبيض بركاته، وقبل ان يكمل الصهاينة هدم ما تبقى من مقدسات في القدس الشريف ويضاعفوا الجدران العازلة في بقية الأراضي الفلسطينية.