تدرج الأمير محمد بن سلمان في مناصب المملكة بصورة سريعة ومثيرة للجدل ، من مستشار حكومي إلى ولي العهد ، مروراً بتعيينه رئيساً للديوان الملكي ووزيراً للدفاع ثم ولياً لولي العهد ، وأخيراً وريثاً مباشرة للملك ، الأمر الذي وصفته العديد من الصحف الغربية والصهيونية ب"البشرى السارة". الأمير الصغير المعروف باندفاعه وجرأته هو الحاكم الفعلي للسعودية منذ مرحلة تعيينه الوسيطة في وزارة الدفاع ، وبدا واضحاً أنه يميل إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني إلى مستويات غير مسبوقة ، وفقاً لما أوردته صحيفة "هآرتس" نقلاً عن محلل الشؤون العربية "تسيفي برئيل" ، الذي نقل عن مصادره أن لقاءات منتظمة "جرت وتجري" في الأردن بين ضباط سعوديين وصهاينة ، مشيراً إلى أن هذه الاجتماعات تتطلب في الأساس موافقة "محمد بن سلمان"؛ كونه وزير الدفاع السعودي. هذه الاجتماعات ليست للدردشة بطبيعة الحال، بل لتنسيق المواقف وتطبيع العلاقات وصولاً إلى مستوى العلنية قريباً؛ بما يقدم "محمد بن سلمان" كرجل موثوق لدى دوائر صناعة القرار "الإسرائيلية" والأمريكية، وهو ما حدث فعلياً ، ولعل ذلك ما يفسر حالة الانسجام التام في مواقف ولي العهد السعودي الجديد وولي عهد أبو ظبي "محمد بن زايد"، إلى حد التطابق في المواقف مؤخراً، خاصة بعد بوادر توتر بين الجانبين على خلفية إدارة المشهد اليمني. وقبل نحو شهر ، نشر "حمد المزوعي" مستشار الثقافة والتراث بديوان ولي عهد أبوظبي ، محمد بن زايد ، تغريدة من سطر واحد ، أكد فيها أن "ملك السعودية القادم هو الشاب محمد بن سلمان" ، وهذا يعني أن قرار وراثة ابن سلمان للملك كان معلوماً، وربما مخططاً له، بتنسيق بين "محمد بن زايد" و"محمد بن سلمان" شخصياً، على غير رغبة من أطراف بالأسرة السعودية الحاكمة. "بن سلمان" مهدى السعودية المنتظر ! الأسرة الحاكمة في السعودية أبدت امتعاضها من قبل حين أخل الملك "سلمان" بتقاليد توريث الملك عبر تعيينه "محمد بن نايف" ونجله محمد بن سلمان ولياً للعهد وولياً لولي العهد، وإطاحته بالأمير "مقرن بن عبد العزيز"، وعلى مدار مدة حكمه للمملكة، بدا واضحاً أن "سلمان" يهيئ الرأي العام لمزيد من تجاوز ما هو متعارف عليه تقليدياً في وراثة الحكم، فبات ولي ولي العهد هو المتصدر لوسائل الإعلام السعودية، وليس ولي العهد!. شيئاً فشيئاً جمع "محمد بن سلمان" خيوط الأجهزة الأمنية بجوار وزارة الدفاع، عبر أمر ملكي بتأسيس مركز للأمن الوطني، تخضع له كل هذه الأجهزة، ويكون تابعاً للديوان الملكي مباشرة، ومنذ ذلك الحين أصبح "محمد بن نايف" ولياً للعهد ووزيراً للداخلية، لكن دون صلاحيات فعلية. أما الملف الاقتصادي فسبق ل "ابن سلمان" الهيمنة عليه وتسييره عبر مشروع رؤية المملكة 2030، التي تستهدف تحرير السعودية من الاعتماد الأحادي على صادرات النفط، وتعزيز القطاع الخاص، وإنشاء صندوق سيادي للاستثمارات، يُمثّل بديلاً لاقتصاد "البترودولار". وبصدور الأمر الملكي بإنشاء "نيابة عامة" بالمملكة وفصلها عن وزارة الداخلية، وتبعيتها مباشرة للديوان الملكي، بَاتَ "محمد بن سلمان" جامعاً لخيوط السلطات الثلاثة، إضافة إلى أنهار المال والأعمال. الانقلاب الناعم وأخرج الإعلام السعودي صورة وردية لتسمية "ابن سلمان" ولياً للعهد بإذاعة مبايعة "محمد بن نايف" شخصياً له، لكن تحليل مضمون الأوامر الملكية المصاحبة لقرار التعيين تَشِي بغير هذه الصورة. تضمنت القرارات إعفاء نائب وزير الداخلية "عبد الرحمن بن علي الربيعان" من منصبه، إضافة إلى كل المعروفين بالولاء للأمير "محمد بن نايف"، وتعيين طاقم إدارة جديد، يدين بالولاء ل "ابن سلمان"، ما يعني أن السيطرة على كافة مفاصل الدولة ظلت تمثل قلقاً لدى مهندسي الانتقال ليبدو طبيعيًا. الأهم من ذلك هو صدور الأمر الملكي بتعديل الفقرة (ب) من المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم لتكون بالنص الآتي: "يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملك وولي للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس". يبدو واضحاً من التعديل أنه يستهدف تسكين حالة الامتعاض، سالفة الذكر، داخل الأسرة الحاكمة، والتي تحدثت عنها حسابات مقربة منها، على رأسها "مجتهد" و"العهد الجديد"، ومواقع إلكترونية، منها "أسرار عربية" ، فالتعديل يستهدف "معالجة آنية" لتفادي تخوفات أعضاء الأسرة الحاكمة في السعودية من احتكار الحكم في ذرية "سلمان"، خاصة أنها المرة الأولى في تاريخ السعودية التي يتولى فيها ابن الملك منصب ولاية العهد. ولعل ذلك ما يفسر اتجاه هيئة البيعة للموافقة على انتقال ولاية العهد إلى "محمد بن سلمان" بأغلبية كاسحة ، بعدما نقل موقع "يونيوز" معلومات مفادها أن نصف أعضاء الهيئة تقريباً يرفضون الموافقة على ذلك . "بن سلمان" مدعوم من ترامب الموقف الغربي من القرارات الملكية لخصه المدون المجهول "مجتهد" في أن "ترامب شخصياً على علم لكن مسؤولي المؤسسات الأمريكية ودول أوروبا وخاصة ألمانيا متفاجئون"، بما يعني أن الرئيس الأمريكي لا يزال هو فرس الرهان لدى "محمد بن سلمان" وإدارته الجديدة. لكن هذا الرهان ليس مضموناً على الإطلاق، في ظل مواقف متتابعة لوزارة الخارجية الأمريكية بشأن ملف حصار قطر، على غير الهوى السعودي، وتأزم موقف علاقة ترامب مع مؤسسات الدولة العميقة بالولايات المتحدة، وتصاعد ملف التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لصالح دعمه إلى مستوى التحقيق معه شخصياً، إضافة إلى التمنع الأوروبي إزاء توجهات الرياض الدولية والإقليمية.