(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" إن قضية 8 رجال يمكن أن يواجهوا إعداما وشيكا بعد محاكمة عسكرية، تُظهِر ضرورة تعليق السلطات المصرية عقوبة الإعدام. حُكم على المدنيين الثمانية، 6 منهم محتجَزون، بالإعدام في 29 مايو 2016، بعد محاكمة بتهم الإرهاب حرمتهم من حقهم في الإجراءات القانونية اللازمة، بالاستناد إلى اعترافات قال المتهمون إنها انتُزعت تحت التعذيب. إذا رفضت المحكمة العسكرية العليا للاستئناف طعن المتهمين، يمكن إعدام الرجال الستة المحتجزين فور تصديق وزير الدفاع صدقي صبحي وعبدالفتاح السيسي على أحكام الإعدام الصادرة بحقهم. وقال جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "السلطات المصرية تستخدم المحاكمات العسكرية لتفادي الحماية القانونية الضعيفة أصلا الواجبة في المحاكم العادية، ونخشى أن يصبح دور هذه المحاكم بمثابة تمرير شكلي لعقوبة الإعدام. يجب ألا تستخدم المحاكم العسكرية ضد المدنيين، وبالتأكيد يجب عدم السماح لها بالحكم على مدنيين بالموت". وأضافت المنظمة إنه على الفريق صبحي إلغاء أحكام الإعدام والطلب إلى النيابة العسكرية إسقاط الدعوى. أو في حال وجود أدلة ضد الرجال أو المتهمين الآخرين، على المدعي العام المصري توجيه التهم إليهم في محكمة عادية. فمنذ 2013، حكمت المحاكم العسكرية على ما لا يقل عن 60 مدعى عليهم بالإعدام في 10 قضايا على الأقل. تمت الموافقة على 6 من هذه الأحكام وتنفيذها. في تلك الفترة، أصدرت المحاكم العسكرية أحكاما بالإعدام أقل بكثير من الأحكام الصادرة عن المحاكم العادية التي أصدرت مئات أحكام الإعدام. لكن المحاكم العسكرية لا توفر الحماية للإجراءات القانونية المتاحة في المحاكم العادية، وإن كانت محدودة. حاكمت السلطات المصرية أكثر من 7400 مدني في المحاكم العسكرية منذ أن أصدر السيسي قانونا في أكتوبر 2014 وسّع فيه نطاق اختصاص المحكمة العسكرية. وكان الرجال الثمانية من بين 28 شخصا حوكِموا معا بتهم إرهاب. واحد منهم فقط عسكري بالجيش. حكمت المحكمة على الثمانية بالإعدام، و12 آخرين بالسجن مدى الحياة، وعلى 6 بالسجن 15 عاما، وبرأت 2. وزعم المدعون العسكريون أن الرجال دعموا أو انتموا إلى مجموعة مرتبطة ب "الإخوان المسلمين"، وحصلت على أسلحة ومتفجرات وتآمرت لمراقبة المسؤولين الحكوميين والأمنيين ومهاجمتهم. وراجعت هيومن رايتس ووتش لوائح اتهام الادعاء العسكري التي تألفت من 20 صفحة، ومذكرة الدفاع المؤلفة من 149 صفحة، وحكم المحكمة العسكرية المؤلف من 37 صفحة. كما أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع محامِيَيْ دفاع، ومتهما محكوما بالإعدام ولكنه يعيش خارج مصر، وأقارب 5 متهمين آخرين. وقال الأقارب إن السلطات ألقت القبض على الرجال الخمسة بين 28 مايو و2 يونيو 2015، ولم تطلعهم على أماكن وجودهم لأسابيع. استفسرت الأسر في مراكز الشرطة المحلية وأرسلت برقيات إلى مكاتب حكومية مختلفة ولكنها لم تتلق أي ردود. بعضهم علموا بمكان وجود أقاربهم بعد أسابيع، لما وردت عليهم مكالمات من أشخاص شاهدوا أقاربهم رهن الاحتجاز. لم تعترف السلطات رسميا بتوجيه تهم للرجال بارتكاب جرائم حتى 10 يوليو 2015، حين ظهر بعضهم في فيديو نشرته وزارة الدفاع اتهمتهم فيه بالانتماء إلى "أكبر خلية إرهابية تهدد الأمن القومي". وأكد 5 من الرجال لأقاربهم إن المحققين عذبوهم، بالضرب والصدمات الكهربائية وعلقوهم بوضعيات متعِبة ومؤلمة. 3 منهم قالوا إنهم أجبرواعلى قراءة اعترافات مكتوبة لهم. قال 2 لأقاربهما إن "إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع" التابعة لوزارة الدفاع احتجزتهما في حي مدينة نصر في القاهرة، في منشأة تأكدت هيومن رايتس ووتش بشكل مستقل من تبعيتها للمخابرات العسكرية. لم يُسمح لأي من الرجال بالوصول إلى محامين أثناء احتجازهم أو استجوابهم أو الاستجواب الأولي من قبل النيابة العسكرية. وبدأت محاكمة الرجال، في ما يعرف بالقضية 174 لسنة 2015، في 17 سبتمبر 2015. وجه وكلاء النيابة العسكرية للرجال تهمة تصنيع المتفجرات، والحصول على أسرار دفاعية، وحيازة الأسلحة، وانتهاك المادة 86 من قانون العقوبات – القانون الأساسي المصري لمكافحة الإرهاب. وينص القانون على عقوبة السجن مدى الحياة أو الإعدام لأي شخص يساعد في قيادة جماعة تستخدم الإرهاب بهدف "تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو منع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها، أو الاعتداء على الحرية الشخصية للمواطن أو غيرها من الحريات والحقوق العامة التي كفلها الدستور والقانون، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي". بموجب المادة 86، أي شخص يزود مجموعة كهذه بالمال أو الأسلحة أو المتفجرات يمكن أن يحكم بالإعدام. واستندت لائحة الاتهام التي راجعتها هيومن رايتس ووتش بشكل كامل إلى شهادة الرائد هاني سلطان، الضابط في مجموعة المخابرات العسكرية 77. شهد سلطان أنه في 24 مايو 2015، أثناء تفتيش روتيني للقوات العائدة من الإجازات، اكتشف أفراد عسكريون قلما يحوي كاميرا مخفيا في حوزة مجند معيَّن في الأمانة العامة لوزارة الدفاع. شهد سلطان أنه تمكن بعد استجواب الرجل من الكشف عن المؤامرة وتحديد أعضاء "الخلية الإرهابية". ولم يتهم وكلاء النيابة أي من المدعى عليهم ال28 بأعمال عنف، لكنهم قالوا إنهم كانوا يحضّرون لهجمات من خلال تخزين الأسلحة ومراقبة مسؤولي الأمن، بمن فيهم رئيس قوات الأمن المركزي في وزارة الداخلية اللواء مدحت المنشاوي، الذيأمر بالفض الوحشي في2013 لاعتصام في القاهرة، والذي أسفر عن مقتل 817 متظاهرا على الأقل في يوم واحد. وفي مارس وأبريل 2017، أرسلت هيومن رايتس ووتش برقيات إلى 6 مؤسسات مصرية، منها الرئاسة ووزارة الدفاع، أعربت فيها عن قلقها الشديد بشأن أحكام الإعدام الصادرة في المحاكم العسكرية، وحثت السيسي وصبحي على عدم التصديق على أحكام الإعدام في هذه القضية أو أي قضية أخرى حُكم فيها على الرجال السبعة بالإعدام في محاكمة عسكرية متصلة بتفجير قاتل في ملعب بكفر الشيخ. قالت هيومن رايتس ووتش أيضا إن على السلطات المصرية أن تعلق استخدام عقوبة الإعدام في جميع المحاكم العادية والعسكرية؛ يعود ذلك إلى الارتفاع الحاد في عدد أحكام الإعدام واضطراب الأوضاع السياسية وعدم إصدار قانون شامل للعدالة الانتقالية في مصر، منذ أن عزل الجيش أول رئيس منتخب بشكل حر في البلاد في يوليو 2013. ففي 2015، أُعدم 6 رجال بعد محاكمة عسكرية غير عادلة اتُّهموا فيها بالمشاركة في هجمات على قوات الأمن، منها تبادل لإطلاق النار أسفر عن مقتل عناصر في الجيش. في هذه القضية، أثبتت هيومن رايتس ووتش أن 3 منهم لا يمكن أن يكونوا قد شاركوا في الهجمات لأن السلطات كانت قد اعتقلتهم قبل ذلك بشهور وكانوا محتجزين في ذلك الوقت. مع ذلك، نُفذ بهم حكم الإعدام شنقا بعد أن وافق صبحي والسيسي على حكميهما. وتنتهك المحاكم العسكرية المصرية العديد من المبادئ الأساسية للإجراءات القانونية الواجبة، بما في ذلك حق المتهمين في معرفة التهم الموجهة إليهم، والوصول إلى محام، وحضور المحامي أثناء الاستجواب، والمثول فورا أمام قاض. القضاة في نظام القضاء العسكري هم ضباط عسكريون خاضعون لتسلسل قيادي، دون استقلالية ولا يمكنهم تجاهل تعليمات رؤسائهم. وينتهك استخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين القانون الدولي. ذكرت "اللجنة المعنية بحقوق الإنسان"، وهي هيئة خبراء دولية تفسر "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الذي صادقت عليه مصر في 1982، أنه لا ينبغي محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية إلا في ظروف استثنائية، وفقط في ظل شروط توفر فعليا الإجراءات القانونية الواجبة. ذكرت "اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب"، التي تفسر "الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب" الذي صادقت عليه مصر في 1984، أن المدنيين يجب ألا يمثلوا أمام محاكم عسكرية أبدا، ولا ينبغي أن تكون للمحاكم العسكرية سلطة فرض عقوبة الإعدام. "المبادئ والتوجيهات العامة الأفريقية حول الحق في محاكمة عادلة والمساعدة القانونية"، المعتمدة العام 2003، تحظر المحاكمة العسكرية للمدنيين في جميع الأحوال. وبدأ التحقيق، وفقا لقرار الاتهام في القضية 174 عام 2015، عندما وجد الحراس قلم كاميرا مخبأ وذاكرة فلاش في حوزة أحمد مجدي ناجي، وهو مجند معيَّن في الأمانة العامة لوزارة الدفاع، خلال عملية تفتيش في 24 مايو 2015. استجوب الرائد سلطان، وهو ضابط الاستخبارات العسكرية، ناجي وقال إن ناجي أخبره أن رجلا يدعى خالد أحمد الصغير جنّده في خلية إرهابية مرتبطة بالإخوان المسلمين. تعرّف الصغير إلى ناجي عبر جار ناجي، محمد حمدي، في 19 مايو، والتقى الاثنان بعد ذلك بأربعة أيام، عندما أعطاه الصغير قلم كاميرا وتعليمات لمراقبة الضباط والمنشآت العسكرية. شهد سلطان أنه بعد القبض على ناجي، جعله يتصل بالصغير ورتب لقاء قرب مستشفى جسر القبة في مدينة نصر في القاهرة، حيث وعد بإعطائه قلم الكاميرا الذي يحوي صور المراقبة. شهد سلطان بأنه بعد حصوله على إذن من النيابة العامة، ألقى القبض على الصغير بعد الاجتماع، ووجد في حوزته القلم وكاميرا ثانية مخفية في الساعة. قال سلطان بعد ذلك إن الصغير اعترف برئاسة مجموعة داخل الخلية المسؤولة عن المراقبة وعرّف بالمدعو أحمد أمين الغزالي على أنه زعيم الخلية. أمر سلطان الصغير بترتيب لقاء مماثل مع الغزالي في حي حدائق القبة القريب واعتقل الغزالي أيضا. وقال الأقارب الذين تحدثوا مع هيومن رايتس ووتش إن 2 فقط من المتهمين، صهيب سعد وعمر علي، يعرفان بعضهما قبل القضية. لم تتهم النيابة العسكرية حمدي، الجار الذي عرّف الصغير على ناجي كما يقال، ورفض رئيس المحكمة طلب فريق الدفاع استدعاء حمدي كشاهد. وقالت الأُسر الخمس إنها لم تتلق أي رد على برقياتها إلى النائب العام للاستفسار عن أماكن وجود أقاربها. استعرضت هيومن رايتس ووتش عدة برقيات. طلب محامو الدفاع في المحكمة من الادعاء تقديم مستندات رسمية تفيد بأماكن احتجاز المدعى عليهم بعد اختفائهم، ولكن المدعين رفضوا ذلك. قال أحد الأقارب، الذي سُمح له بحضور 3 جلسات قضائية لأنه محام، إن القاضي الذي ترأس الجلسة "كان مثل مراقب صامت". قال المحامي إن القضاة العسكريين لم يستجيبوا أيضا لطلبات محامي الدفاع للتحقيق في ادعاءات المدعى عليهم حول الاختفاء القسري والتعذيب، كما لم يسمح القضاة بفحص المتهمين من قبل هيئة الطب الشرعي التابعة لوزارة العدل. قالت العائلات إنها لم تتلق أي مذكرة من الشرطة تسمح باعتقال أقاربهم، أثناء الاعتقال أو بعده. ذُكر عبد الباسط، أحد مؤسسي الخلية المفترضين، مرة واحدة فقط في قرار الاتهام، في قسم يلخص اعتراف الغزالي الزعيم المزعوم للخلية، وينص على أن الغزالي اعترف بتلقي مبلغ غير محدد من المال من عبد الباسط. لا يحتوي ملف الادعاء على أي دليل على تحويل الأموال. ذكر محامو الدفاع في المحكمة أن جميع المدعى عليهم تراجعوا عن اعترافاتهم وقالوا إنها انتُزعت تحت التعذيب. عبد الباسط، الذي طُرد من جامعة القاهرة في 2015 لتنظيم مظاهرات سلمية ضد عزل الجيش للرئيس السابق محمد مرسي وانتهاكات حقوق الإنسان من قبل قوات الأمن، والذي يعيش في الخارج، أخبر هيومن رايتس ووتش إنه يعتقد أن الغزالي ذكر اسمه تحت التعذيب لأنهما يعرفان بعضهما البعض من الجامعة. اختفى غزالي (27 عاما) ليلة 28 مايو 2015، بحسب قول أخيه عمار. قال إن امرأة رأت مجموعة من الرجال يجبرون غزالي على صعود سيارة قرب محطة مترو المعادي في القاهرة. عندما قاوم غزالي، وقع منه هاتفه المحمول تحت سيارة مركونة في الشارع. أخذت السيدة الهاتف بعد مغادرتهم وكلمت آخر رقم على لائحة المكالمات فاتصلت بأسرة غزالي. قال أخ غزالي إنها أخبرتهم بما رأت، وقالت إنها ستتخلص من الهاتف لأنها لا تريد الوقوع في مشاكل. قال الأخ إن رجال أمن بالزي الرسمي وآخرين بثياب مدنية جاؤوا في اليوم التالي إلى بيت الأسرة ومعهم غزالي معصوب العينين ويداه مقيدتان خلف ظهره، وكانت الأسرة هناك. اقتحم أصحاب الزي الرسمي الشقة وفتشوها، قائلين إنهم يبحثون عن أسلحة لكنهم لم يجدوا شيئا. غادروا ولم يخبروا الأسرة إلى أين يأخذون غزالي. قال أخوه إن الأسرة زارت كل مراكز الشرطة في حي المعادي، ومرافق أخرى لوزارة الداخلية في القاهرة، لكن لا أحد أقر بأن لديه أي معلومات عن غزالي. أرسلت الأسرة برقية إلى النائب العام في 30 مايو لكنها لم تتلق أي رد. وبعد رؤية فيديو وزارة الدفاع في 10 يوليو، زار عمار غزالي مُدّعيين عسكريين أوصياه بالبحث عن أخيه في سجون طرة بالقاهرة. عندما ذهب عمار هناك، اكتشف أن السلطات تحتجز غزالي في سجن "العقرب" شديد الحراسة ضمن مجموعة سجون طرة. اعتقلت قوات الأمن محمد فوزي عبد الجواد (24 عاما)، وهو مهندس كهرباء تخرج حديثا من جامعة القاهرة، يوم 29 مايو 2015 في شقته في حلوان بالقاهرة، بحسب قول والده. شهد عدد من الجيران عملية الاعتقال وخاطبوا والد عبد الجواد الذي كان مسافرا مع زوجته في زيارة عائلية إلى مدينة أخرى. قال الأب إنهم عندما عادوا بعد عدة ساعات، وجدوا أن قوات الأمن اقتحمت المبنى وكسرت الباب المعدني للطابق السفي وباب الشقة. كانوا قد أخذوا حاسوب عبد الجواد وهاتفه المحمول وحاسوبه اللوحي، والتي استعادتها الأسرة فيما بعد خلال المحاكمة. بدأ الوالد يسأل عن عبد الجواد في مراكز الشرطة المحلية حيث نفى رجال الشرطة معرفتهم أي شيء عنه. في اليوم التالي، أرسلت الأسرة برقية إلى النائب العام، اطلعت هيومن رايتس ووتش على نسخة منها، تسأل فيها عن مكان عبد الجواد، لكنها لم تتلق أي رد. في 17 يونيو، تلقى الوالد مكالمة هاتفية من مجهول قال إنه رأى عبد الجواد في سجن استقبال طرة. عندما ذهب الوالد إلى هناك، أخبره رجال الشرطة أنه سيكون بإمكانه زيارة ابنه بعد 15 يوما. اختفى محمود الشريف محمود (30 عاما)، وهو مهندس ميكانيك، في 1 يونيو 2015، بحسب قول والده. رغم كون الوالد لم يشهد عملية الاعتقال، أخبره محمود فيما بعد بأن مجموعة من الرجال أخذوه من الشارع القريب من محطة مترو حلوان. قال الوالد إن قوات أمن – بما في ذلك الشرطة والأمن المركزي، ورجلا في ثياب مدنية يعتقد أنه من المخابرات – جاؤوا لتفتيش البيت بعد يوم من اختفاء محمود، بدون إذن بالتفتيش. أمر عنصر المخابرات المجموعة بتفتيش المنزل دون تدمير أي ممتلكات. قال الوالد إنه "كان مهذبا أكثر من الآخرين". في اليوم التالي، أرسلت الأسرة برقية للنائب العام، اطلعت هيومن رايتس ووتش على نسخة منها، تسأله فيها عن ابنها لكنها لم تتلق أي رد. وكما الشأن بالنسبة لأسرة عبد الجواد، تلقت أسرة محمود مكالمة في 17 يونيو من مجهول يقول إنه رأى محمود في مجموعة سجون طرة. في 2 يونيو 2015، بعد يوم من اختفاء محمود، اعتقلت الشرطة عبد البصير عبد الرؤوف (20 عاما)، الذي كان حينها طالبا في السنة الأولى بالأكاديمية البحرية، في شارع قرب مركز تسوق في حلوان، بحسب قول والدته. قالت إنه كان يدرس استعدادا لامتحانات نهاية السنة وكان يذهب إلى منزل صديق للمراجعة معه. عندما حاولت أمه الاتصال به عدة مرات في اليوم التالي، كان هاتفه مغلقا. في وقت لاحق من ذاك اليوم، تحدث إليها هاتفيا وقال لها إنه أنهى الامتحان، وإنه سيبقى مع صديقه لبضعة أيام. قال لها إنه لا داعي للقلق. في 7 يونيو، وعندما لم يتصل عبد الرؤوف أو يعد إلى بيته، أرسلت أمه برقية إلى النائب العام تقول فيها إن ابنها اختفى، لكنها لم تتلق أي رد. في 15 يونيو، كلمت سيدة الأسرة وقالت إنها رأت عبد الرؤوف لدى زيارتها زوجها في سجن استقبال طرة، وإنه يريد أن يأتوه بثياب بيضاء نظيفة بدل زي السجن الأبيض الموحد. أقر عبد الرؤوف لأمه لاحقا أنه عندما كلّمها في 3 يونيو وقال إنه كان مع صديقه، كان في الحقيقة محتجزا لدى رجال الأمن الذين سمحوا له بمكالمة واحدة. قال عبد الرؤوف لأمه إن رجلين بثياب مدنية أخذوه إلى سيارة مدنية ونقلوه إلى مركز شرطة حلوان حيث احتجزوه لليلة واحدة قبل نقله إلى مكان لم يتعرف عليه. قالت الأم إنه بعد 3 أيام من اعتقال ابنها، جاء شخص لتفتيش المنزل في غياب الأسرة. عندما ذهب ابنها الآخر إلى البيت لجلب أغراض منها، وجد الباب مكسورا والبيت كما لو قام أحد بتفتيشه. جاء في ملف النائب العام العسكري، الذي اطلعت عليه هيومن رايتس ووتش، أن الادعاء أمر باعتقال عبد الرؤوف واحتجازه على ذمة التحقيق في 3 يونيو، لكن والده حصل على وثيقة من إدارة السجون التابعة لوزارة الداخلية، اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش، تقول إن عبد الرؤوف لم يكن محتجزا في أي من سجونها قبل 13 يونيو، وهو اليوم الذي قال فيه مع متهمين آخرين إنه مثل أمام المدعي العسكري للمرة الأولى. لم تتمكن السلطات من شرح فرق 10 أيام بين التاريخين، وهي مدة اختفاء عبد الرؤوف القسري. أحمد مصطفى أحمد (42 عاما)، وهو صاحب ورشة صغيرة كان يعيش في حي منشية ناصر بالقاهرة مع زوجته وأبنائهما الأربعة، اختفى في نهاية مايو 2015، بحسب ما قاله أخوه وليد ل هيومن رايتس ووتش. قال وليد مصطفى إن الأسرة لم تعرف مكان أخيه لأسابيع، وإنه أرسل برقيات للنائب العام ووزارة الداخلية يسأل عن أخيه، لكنه لم يتلق أي رد. قال أحمد مصطفى لأخيه في وقت لاحق إن قوات الأمن أخذته من بيته واقتادته إلى سيارته وأمرته بالتوجه إلى مكان عمله. أخبر حارس المبنى وليد بأن قوات الأمن ضربت أخاه ضربا مبرحا خلال اعتقاله. قال وليد أحمد إن الشرطة فتشت الورشة وحطمت عدة أغراض، وإنها حجزت مبلغا كبيرا من المال كان مصطفى قد ادّخره لتجارته، ولم تأخذ أي شيء آخر من البيت أو الورشة، باستثناء سيارته التي لم تُعدها إلى الأسرة. قال وليد أحمد إنه "تفاجأ عندما كلمه شخص مجهول بعد عدة أسابيع ليخبره أن أخاه في سجن طرة وأن أول زيارة ستكون ممكنة خلال 11 يوما". في يونيو 2015، وثقت هيومن رايتس ووتش إخفاء علي وسعد قسرا، وقد اعتقلتهما قوات الأمن في 1 يونيو 2015 مع صديقة ثالثة، إسراء الطويل، خارج مطعم في حي المعادي. نفى مسؤولون في وزارة الداخلية مرارا اعتقالهم، لكن بعد أسبوعين، وجد أقارب سعد وعلي في سجن طرة، وإسراء الطويل في سجن النساء بالقناطر. احتجز الادعاء إسراء الطويل على ذمة المحاكمة بتهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية، لكن بعد ضغط شعبي كبير، أمرت محكمة بإطلاق سراحها لأسباب صحية بعد 6 أشهر. لم توجه إليها أي تهم في القضية 174، لكن الادعاء العسكري قال إن سعد وعلي ينتميان إلى وحدة الرصد وجمع المعلومات في الخلية. قال معظم الأقارب الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن أبقت الشابين معصوبي الأعين وبملابسهما الداخلية فقط طوال مدة احتجازهما، مما جعلهما غير قادرين على التعرف على مكان اعتقالهما. لكن أقارب عبد الرؤوف ومحمود نقلوا عنهما قولهما إنهما احتُجزا في مقر المخابرات الحربية في مدينة نصر. وأكدت هيومن رايتس ووتش بشكل مستقل أن المجموعة 77 في المخابرات الحربية التي ينتمي إليها الرائد سلطان متواجدة هناك. زعمت الأسر الخمس التي تحدث إلى هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن عذبت ذويها خلال اختفائهم القسري لإرغامهم على توقيع محاضرجاهزة وقراءتها بصوت عال بينما يتم تصويرهم بالفيديو. لا تسمح وزارة الداخلية للمجموعات الحقوقية بمقابلة المعتقلين، كما رفض القضاة العسكريون المشرفون على الملف طلب فريق الدفاع بإخضاع موكليهم إلى فحوص طبية، ولذلك لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من تلك الاتهامات بشكل مستقل. قالت والدة عبد الرؤوف إنها عندما رأت ابنها لأول مرة "أصيبت بصدمة كبيرة"، وإنه بدا مرهقا. قالت: "كنت أبكي وأنا أعانقه وأسأله "ماذا فعلوا بك يا بني؟"، وأضافت: "أشار عبد الرؤوف إلى علي الذي كانت تزوره والدته، وقال إن معصمه شبه مكسور. طلب مني ألا أقلق". خلال زيارة أخرى، قال لها إن المحققين ضربوه ضربا مبرحا وهو معصوب العينين لمدة 12 يوما، وفي إحدى المرات تركوه معلقا من معصميه 3 أيام. نقل والد عبد الرؤوف عنه قوله إن المحققين صعقوه بالكهرباء وعذبوه جسديا ونفسيا وأخذوه ذات مرة إلى الصحراء وهددوا بقتله. ونقلت عنه والدته قوله بأن أمنيته الوحيدة خلال اعتقاله كانت وقف التعذيب. أخبرها أن المحققين أخذوه فيما بعد مقيدا ومعصوب العينين إلى شخص قيل له إنه النائب العام العسكري. سأل الرجل عبد الرؤوف أسئلة لكنه دوّن أجوبة مفبركة دون انتظار أجوبة عبد الرؤوف. ثم طلب من عبد الرؤوف أن يوقّع وثيقة. نقلت والدة عبد الرؤوف عنه أنه في إحدى اللحظات، عندما نفى اتهامات النائب العام بحيازته أسلحة، ضربه أحدهم من الخلف بسلاح قائلا إن لا أحد يعرف مكانه، وإن بإمكانهم جعله "إسلام عطيتو آخر". كانت إشارة إلى طالب اختفى من جامعة عين شمس في مايو 2015 وقالت وزارة الداخلية فيما بعد إنه قتل في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن. قالت والدة عبد الرؤوف إنه عندما وصل إلى سجن استقبال طرة، رفض طبيب السجن استقباله وسجناء آخرين بدون وثائق من المستشفى توثّق إصاباتهم، لكن مدير السجن ضغط عليه للتغاضي عن الأمر. قال عمّار، أخ غزالي، إن الأسرة عندما رأته للمرة الأولى في السجن، "لم يكن يدرك بعد ما الذي كان يحدث له". قال الأخ إنه "تعرض للتعذيب بطرق مختلفة: عُلّق من يديه ورُبطت أثقال بساقيه. كان يشعر بألم شديد عند إنزاله. [ضربوه] بقطعة قماش مبللة بسائل قابل للاشتعال، وعندما حاول النوم فيما بعد لم يستطع لأن ظهره كان ملتهبا". في اليوم الذي سبق تسجيل الاعتراف بالفيديو، أحضر المحققون لغزالي ورقة وقالوا له: "إقرأ ما هو مكتوب لتخرج من هنا، وإلا ستبقى معنا"، بحسب قول عمار غزالي. احتُجز عبد الجواد عاريا تماما، بحسب والده. "أي شيء يمكنك تخيّلُه فقد تعرض له. عندما كان يغمى عليه، كانوا يوقظونه ويعذبونه من جديد. تعرض للضرب والإهانة بشتى الطرق. عندما رأيته، كانت لديه ندوب سوداء على يديه وجروح من جراء القيود والتعليق". قال الوالد إن ابنه أُجبر على قراءة اعتراف من ورقة بينما صوره المستجوبون. قال إنهم سجلوا الاعتراف حوالي 10 مرات، إلى أن حصلوا على تسجيل يُظهر عبد الجواد يتحدث بشكل طبيعي، وكأنه لا يقرأ نصا مكتوبا. نقل عن عبد الجواد قوله إنه تعرض للتعذيب إلى أن أصبح غير قادر على رفع ذراعيه أو ساقيه لارتداء الملابس، وإن المحققين اضطروا لإلباسه قميصا وسروالا لتصويره. قال وليد أحمد، شقيق مصطفى أحمد، إن المحققين علقوا شقيقه من معصميه ووجهوا إليه صعقات كهربائية في أعضائه التناسلية وحرموه من النوم وأبقوه عاريا وصبوا عليه الماء. عندما رأى وليد أخاه للمرة الأولى، بدا كما لو خف وزنه وكانت على يديه علامات التعذيب. قال وليد عن مظهر أخيه: "لم يكن الأخ الذي أعرفه". قال إنه عندما حاول حمل ابنته البالغة من العمر 6 أشهر خلال إحدى الزيارات في السجن، كان يرتجف لدرجة أنه أوشك أن يوقعها أرضا. أخبر أسرته بأن المحققين ضربوه ضربا مبرحا عندما طلب إزالة العصابة على عينيه للتعرف على رجل قالوا إنه النائب العام. صور المحققون اعترافه المكتوب مسبقا 10 إلى 15 مرة لأن عينيه كانتا تتوجهان إلى ورقة الاعتراف كل مرة، بحسب قول أخيه. قال وليد إنه سأله: "كيف يمكنك توقيع اعترافات كهذه؟" فأجابه: "كنت سأموت... كنت على وشك الموت". كما أخبر أخاه بأن المحققين هددوا بجلب زوجته وأقارب آخرين واغتصابهم إن لم يعترف. نقل والد محمود عنه أن أسوأ تعذيب كان التهديد باعتقال أسرته. لكنه قال أيضا إن المحققين جروه على الأرض وقيدوا يديه خلف ظهره وعلقوه على الباب بشكل مؤلم وضربوه بأنابيب مطاطية وصعقوه بالكهرباء مرات متكررة. بعد اعتقال محمود، اعتقلت قوات الأمن 2 من أشقائه الأصغر سنا، كل على حدة وبدون تهم، بحسب قول الأب. قال إن أكبر الأخوين المعتقلين، معتز، اختفى لأكثر من 4 أشهر بعدما استدعته الوحدة العسكرية، التي كان يعمل فيها موظفا مدنيا غير مجند، للعودة من عطلته. لم تكتشف الأسرة مكانه حتى تقدمت بطلب خاص إلى قائد القوات الجوية. قال الأب إن السلطات أخذت معتز إلى مكتب للمخابرات الحربية لمدة شهر ونصف، وإن عناصر المخابرات أتوا به ليرى محمود بينما كانا معتقلين اثنيهما. قال الأب إن معتز "صُدم عندما رأى محمود، وظن أنه تعرض للاحتراق. كان وجهه يبدو كما لو تعرض للاحتراق". قال إن الشرطة عذبت الأخوين بما في ذلك بالضرب والحرق بالسجائر. ثم أعادوا معتز إلى وحدته حيث قضى شهرين ونصف محتجزا، قبل أن يُطلق سراحه دون أي تعويض، بحسب قول والده. بعد أيام من اختفاء محمود، اقتحمت قوات الأمن بيت الأسرة للمرة الثانية حوالي الساعة 11 مساء، حيث كسرت الباب وأخذت أخاه الأصغر الذي كان مُقبلا على امتحانات المدرسة الثانوية حينها. قال الأب إنهم "هددوا محمود بعدم السماح لأخيه باجتياز الامتحانات". وفي فجر اليوم التالي، أطلقوا سراح الأخ الصغير. قال الأب إن رجلا من قسم الشرطة المحلي كلّمه هاتفيا ليأتي ويأخذ ابنه قائلا: "لم نعد بحاجة إليه". بعد بضعة أيام، تلقوا مكالمة من مجهول يخبرهم بأن محمود محتجز في سجن طرة.