أقرت زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان بهزيمتها في الانتخابات الرئاسية، وهنأت منافسها إيمانويل ماكرون الذي تفوق عليها بنسبة 66% تقريبا، ودعت إلى مراجعة خطط حزبها ومعالجة السلبيات ، والاتحاد من أجل خدمة فرنسا وهتفت بحياة الجمهورية!. انتخابات فرنسا التي انتهت قبل قليل تمت في جو هادئ، وعبّر كل طرف عن أفكاره بمنتهى الحرية ، والتزمت كل الأطراف في الجولتين الأولى والثانية بالقانون، وعبر المسلمون الفرنسيون ( حوالي ستة ملايين مسلم) عن إرادتهم بمنتهى الوضوح وصوتوا للمرشح ماكرون بوصفه أقل صليبية وتطرفا من الإرهابية الصليبية لوبان. لقي نجاح ماكرون ارتياحا في داخل فرنسا وخارجها، وتصاعدت الدعوات لدعمه من أجل فرنسا، والوحدة الأوربية (الخلافة الصليبية)، وأظن أن الدبابات لن توجه إلى قصر الإليزيه ولن يقوم سائق لودر بخلع باب القصر، ولن يتم حشد البلطجية والمأجورين والطائفيين المتعصبين، لإحراق الكنائس والمؤسسات ومقرات الأحزاب، ونهب المتاحف والفنادق، لإفشال الرئيس المنتخب، ثم خطفه، تحت سطوة الدبابة والبندقية، ثم إطلاق العوالم والغوازي لغناء " تسلم الأيادي!". فرنسا تحتفل ساعة كتابة هذه السطور حول ساحة متحف اللوفر بالرئيس الذي قال إننا فتحنا صفحة جديدة ملؤها الثقة والأمل لبناء فرنسا. الرئيس الحالي الذي تنتهي ولايته بعد أيام يبارك للرئيس المنتخب، ويعبر عن سعادته بانتصار ماكرون، واصطفاف الفرنسيين حول قيم الجمهورية والاتحاد الأوربي. وعبّر أمام مسجد فرنسا الكبير عن سعادته بالفائز الذي سيمنح المسلمين فرصة العيش في انسجام. لقد أحدث فوز ماكرون (39 سنة أصغر رؤساء الجمهورية على مدى طويل) ويقود حركة "إلى الأمام" تحولا مهما في السياسة الفرنسية، حيث أخرج لأول مرة الحزبين التقليديين اللذين كانا يتناوبان حكم فرنسا، وجاء بدماء جديدة شابة تسعى لتحقيق آمال كبرى لفرنسا في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والخارجية . لقد ركزت لوبان على شيطنة المهاجرين، ومعاداة العرب والمسلمين، وتحميل الآخرين أسباب الأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد. فضلا عن العمل على الخروج من منطقة اليورو واستعادة العملة الفرنسية والوقوف إلى جانب بشار الأسد بحجة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). بينما يسعى ماكرون إلى ترميم الحياة السياسية المتأثرة سلبا بفضائح استغلال النفوذ عبر منع البرلمانيين والوزراء من توظيف أبنائهم وأقاربهم، وتجاوز الفضيحة المالية والعائلية لمرشح اليمين فرانسوا فيون، واستعادة بعض الثقة التي فقدها السياسيون الفرنسيون في العقود الأخيرة، وقد أعلن بعد فوزه أنه سيوحد الفرنسيين ويحارب الانقسام، كما سيحاول تحسين بعض الأحوال الاجتماعية في مجال التقاعد والضواحي والاندماج، والمساواة في الرواتب بين الرجل والمرأة، وتوظيف أكثر من عشرة آلاف رجل أمن وشرطة إضافيين؛ لتغطية أفق انتظار الناخب الفرنسي المتذمر من آثار الأزمة الاقتصادية. كما سيطبق برنامجه الانتخابي بكل نقاطه ويعزز علاقاته بأوربة والولايات المتحدة. ومن ضمن هذا البرنامج إزاحة بشار الأسد ، ومكافحة الإرهاب. انتخابات فرنسا تعبير محترم عن إرادة شعب يعرف حقوقه وواجباته، ويستخدم صندوق الانتخابات للوصول إلى غاياته السياسية والاجتماعية وليس صندوق الذخيرة وفوهات المدافع. هنيئا لفرنسا الصليبية التي لا نشاركها سلوكها الاستعماري الهمجي خارج حدودها، وتمييزها العنصري في الداخل.