بقلم: د. مسعود صبري - عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين السؤال: تعلمون ما قامت به صفحة المجلس العسكري من استطلاع رأي الكتروني حول المرشحين، وما تناقلته الصحف المصرية من صعود اللواء عمر سليمان، وذلك بما قامت به امرأة من تأجير فتيان في سن الخامسة عشرة بعمل برد الكترونية للدخول على صفحة الفيس بوك، مما صعد اللواء عمر سليمان في استطلاع الرأي، ولما كشف الأمر سحب المجلس العسكري الاستطلاع من على صفحته، فما رأي الفقهاء في مثل هذا العمل؟ بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: التزوير محرم في شريعة الله تعالى، ولا يفعله إلا الفاسدون الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وهو من شيم النفوس الضعيفة، التي تنزل قدرها عند الله ثم عند الناس، ولا تستحق أن يكون لها مشاركة في بناء الأوطان، فمثل هؤلاء المزورين يجب أن يكونوا في الصفوف الخلفية، وأن يتوبوا إلى الله تعالى مما أساءوا من تدليس وتزوير. وإذا كان التزوير في بعض الأوراق الشخصية محرما في شريعة الله، ويعد من أفعال الخيانة، فإن التزوير والتدليس على الرأي العام لهو أسد خطرا، وأكبر إثما عند الله تعالى، سواء تعلق هذا بالانتخابات، أم بترويج بعض الأفكار الهدامة، أو المضللة للرأي العام، فالمحرمات درجات، وتعظم درجة المحرم على قدر ما يترتب على هذا الفعل الشنيع من ضرر حسب المتضررين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا ضرر ولا ضرار"، والضرر قد يكون خاصا وقد يكون عاما، والضرر العام أعظم إثما عند الله من الضرر الخاص. إن من الواجبات الشرعية سواء في الانتخابات أو استطلاع الرأي أو الاستبيانات أو غيرها أن يعبر الإنسان عن رأيه بكل حيدة وإنصاف بما يؤمن به أيا كان، لأنه في مثل هذه الحالة مثل المجتهد، لأنه مقام يشبه مقام الشهادة، كما قال تعالى: (َولاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }البقرة283، والمؤمن حينما يشهد أو ينتخب فعليه أن يقول ما يرى فيه رضوان الله تعالى، وأن يحتسب شهادته وانتخابه لله تعالى، كما أمرنا سبحانه: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) الطلاق:2. وإن من أعظم الجرائم ما يفعله بعض المرشحين من شراء الأصوات بأموال أو بمنافع متنوعة، فهؤلاء سراق الضمير، ويجب أن تكون هناك روادع من القانون ما يحمي الصوت والرأي كما يحمي الروح والجسد. وقد منعت الشريعة الزور بكل أشكاله، كما قال ربنا سبحانه: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ }الحج30، وقد وصف ربنا عباده الصالحين بقوله:{وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً }الفرقان72. وإن كان من شأن الناس أن تبحث عن القوانين التي تردع مثل هذا الفعل، فهناك في الشريعة ما يعرف بالوازع الطبعي، أي من ضمير الإنسان ودينه، فيمنعه ذلك من اقتراب ما حرم الله تعالى، فإن لم يكن الوازع الطبعي مانعا؛ جاء دور الوازع الشرعي، والتزوير ليس له عقوبة محددة في الشريعة، فهو يدخل في باب التعزيرات التي فوض الله تعالى فيها القاضي أو من له الأمر في سن عقوبات رادعة لا تصل إلى عقوبة الحدود، إلا إذا كان ضررها أكبر، وهذا لأن التزوير يختلف من حالة لحالة، فناسبه شرعا ألا يكون له عقوبة معينة، بل يدخل في باب التعزيرات التي تفضي للقاضي تحديدها وفق الرؤية الشرعية، وعلى قدر الضرر الذي يسببه للأفراد والمجتمع. وإن من خطر المسئول عنه هو استغلال الفتيان صغار السن أن يقوموا بمثل هذه الأعمال، لأن مثل هذا العمل يربي أبناءنا على الغش والتدليس، ويغرس في نفوسهم أن مثل هذه الأفعال ليس هناك ما يمنع منها؛ فينشأ جيل يتربى على التزوير والتدليس، ونحن في أمس الحاجة إلى أن نربي الأجيال القادمة على الحرية والنزاهة، والبعد عما عاش عليه المجتمع ردها من الزمن بصعود نجم النفاق والرياء والفساد، مستصحبين قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه:" سبعهم يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.... وشاب نشأ في عبادة الله تعالى"، فإن تربية الفتيان على الإيمان يحفظ الأوطان، ويدفع بجيل يبني الوطن بجد واجتهاد، لا بوهم وتزوير. إن مثل هذا الفعل المسئول عنه يأثم به كل من شارك فيه، بفعل، أو برأي، أو بإيعاز، وهو مما يوجب أن تكون هناك حملات إعلامية تسعى إلى تربية شبابنا على الحفاظ على القيم والمثل الفاضلة، وأن يشاركوا بحرية وأن يعبروا عن رأيهم بما يرونه صالحا، دون تحيز لفئة دون فئة، أو طائفة دون طائفة، ولكن ليختار من هو أصلح لهذا الوطن الكريم. إننا نذكر شعبنا الكريم بحرمة قول الزور، وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم منها كما في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً، فقال ألا وقول الزور، قال: فمازال يكررها حتى قلنا ليته سكت". إننا ندعو شعبنا الكريم أن يحافظ على أخلاقه الطيبة، وأن يختار كل فرد من يراه صالحا لقيادة الوطن في هذا الوقت العصيب دون تزوير أو تدليس، وإنما بما يعرف عنه من صلاحيته لهذا المنصب الخطير، وقد اشترط القرآن الكريم لتولي أي منصب هام توافر شرطين،هما: القوة على أداء المهمة، والأمانة في أدائها، كما قال سبحانه تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }القصص26. فما أحوجنا إلى القوي الأمين الذي يقود بلادنا إلى ما فيه رفعة بلدنا وشعبنا بما يرضي ربنا سبحانه وتعالى. والله أعلم