ما يحدث منذ أسابيع فى عروس البحر المتوسط ما هو إلا حلقة من حلقات سيطرة القوات المسلحة على كل مؤسسات الدولة المصرية. فما يتم ارتكابه من تدمير البنية التحتية لمدينة الاسكندرية وإزالة آثارها بشكل منهجى ومدروس هو جريمة متكاملة الاركان فى ظل نظام يسعى للتوغل فى كل اركان الدولة ووضع يده على كل مؤسساتها ومقداراتها.
فما يحدث على كورنيش الاسكندرية يعد اغتيالا ممنهجا ومتكاملا مع سبق الاصرار والترصد لعراقة هذه المدينة التى تعد قبلة السائحين وملاذ العاشقين.
ما يحدث فى الاسكندرية هو خير دليل على انه لا وجود اصلا للدولة بل اصبحنا شبه دولة يتحكم فيها رجال الاعمال واصحاب النفوذ بالتعاون مع نظام فقد رشده واصبح لا يهتم إلا بجمع الاموال حتى وان كانت من جيب المواطن الفقير المطحون او بتدمير مقدراته وممتلكاته التى لم يعد له غيرها!.
فبعد ان تحولت شواطىء الاسكندرية الى سبوبة لرجال الاعمال بموافقة المحافظة لتصبح سلطة المتاجرة والربح هى السلطة الحاكمة فى كل أملاك الدولة ، أما مصلحة المواطنين فلم يعد لها مكانا على أجندة النظام وحكومته. وبعد انهيار البنية التحتية لمدينة الاسكندرية التى تغرق فى شبر ماء حين تهطل عليها أمطارا متوسطة !. اصبحت الاسكندرية وكورنيشها تباع فى وسط النهار على مرأى ومسمع من الجميع دون أن يحرك أحدا من المسؤلين ساكنا وكأن الأمر لا يعنيهم وكأن المدينة أصبحت مرتعا لتزاوج السلطة مع رأس المال. فمنذ عدة أيام فوجىء سكان مدينة الاسكندرية بردم عدد من أنفاق المشاة وإغلاق طريق الكورنيش بداية من كوبري ستانلي وحتى منطقة سيدي جابر، تمهيدا لتنفيذ مشروع "تيوليب سي سكوير" ، وهو مجمع سياحي ترفيهي، تقوم على تنفيذه الإدارة العامة لنوادي القوات المسلحة وتناهز ميزانيته المليار جنيه ، الأمر الذى أدى إلى استياء المواطنين ، الذين اعتبروا المشروع تعد على ملكية عامة، تصب فى مصلحة رجال الأعمال دون النظر إلى المواطن .
ولأن المشروع هو أحد مشروعات القوات المسلحة التى تختص بإدارة العديد من الفنادق والنوادي والقرى والمتنزهات التابعة لادارة القوات المسلحة ، جاءت قرارات هدم المباني الأثرية التي تعوق تنفيذ المشروع بالأمر المباشر, دون أن يعترض أحد من مسئولي المحافظة. حيث هُدِم مسرح "السلام" الأثري في منطقة سيدي جابر بالإسكندرية، كما قاموا بهدِم مطعما "ابن البلد"، و"ابن حميدو"، التراثيان وتم أيضا هدم نفق مشاة “سيدي جابر”، واستبدلت به إشارة مرور!!.
واللافت للنظر أن المشروع أحاطته السرية والكتمان طيلة فترة الإعداد حتى فوجئ أهالي الإسكندرية بالبدء فى تنفيذ المشروع حيث توقَّفت الحياة على كورنيش البحر صباحًا؛ فلا مرور، ولا سيارات، بعد أن صدر قرار بإغلاق طريق الكورنيش من الساعة السابعة صباحًا، وحتى الساعة التاسعة والنصف صباحًا(وقت الذروة بسبب توجّه الطلاب إلى الجامعات، والموظفين إلى أعمالهم)، لأجل مشروع تطوير منطقة سيدي جابر!!.
ومما يزيد من ريبة الأمر أن هيئة الطرق والكبارى بالإسكندرية لا تعلم شيئًا إطلاقًا عن المشروع ، وأيضًا لم يعرض المشروع على كلية الهندسة للدراسة أو لإبداء الرأي كما يحدث فى كافة المشروعات.
ومنذ بداية حركة العمل فى المشروع أغلقت المنطقة بالكامل بطريق الكورنيش. فقد اصاب المنطقة شللا مروريا كاملا مما آثار سخط المواطنين والسائقين وأبناء المدينة الذى تيقنوا ان مدينتهم تباع أمام أعينهم ، وأن ما تبقى من كورنيش الاسكندرية أصبح مهددا بالدما والخراب ، لان هذا المشروع المزمع تنفيذه على كورنيش الاسكندرية سينهي وجود الكورنيش تمامًا.
والسؤال الذى يدور فى أذهان المواطنين : هل من الطبيعى أن يتم استقطاع الشارع لعمل جراج يخدم مشروعًا استثماريًّا أيا كانت الجهة المستفيدة ؟!. وهل من الطبيعى أن تتحول الملكيات العامة إلى ملكيات خاصة تقام عليها مشروعات استثمارية لصالح أفراد أو جهات ؟!.
فالمشروع عبارة عن منفعة خاصة ولن يستفيد منه المواطنون البسطاء لأنه عبارة عن خدمة لفندق سياحي ومركز تجاري خاص بملاكه ولن يدر دخلا إلا على أصحابه فقط ، بينما سيتضرر منه الجميع، ، فضلاً عن تعديه على حق الناس في التعامل المباشر مع البحر والتمتع بكورنيش الإسكندرية، واستغلاله لصالح رجال الأعمال في مشروعات نوادي وفنادق يقتصر حق الانتفاع بها على فئة الطبقة فوق المتوسطة.
وأخيرا : لقد عمل العسكر على إهدار وتشويه كل ما هو جميل فى مصر فلم يكفيهم أطنان القمامة التى تحيط بجدران الاسكندرية ولا مياه المجارى التى طفحت فى شوارعها ولا العمارات التى تسقط بين الحين والحين على ساكنيها ، بل يحاول العسكر ورجاله القضاء على ما تبقى من الوجه الحسن للمدينة وهو كورنيش الاسكندرية الذى كان ملاذا للبائسين من سكان الاسكندرية والمحافظات المجاورة.
ونداؤنا العاجل الى كل من تبقى في قلبه ذرة من ضمير أو حب لهذا البلد أن يتكاتفوا ويحافظوا على ما تبقى من تراثنا الذى يغتاله العسكر بالقرارات الكارثية من أجل حفنة من الأموال أو الفكة كما أخبر كبيرهم. فالصمت على التجاوزات والانتهاكات اليومية تجعلهم يتجاوزن كارثة إلى ما هو أفظع منها .. فالأرض تباع قطعة قطعة للداخل والخارج ولكن تحت إشراف ومباركة القوات المسلحة !!.