حالة من الارتباك تعيشها السياسة النقدية للدولة، خاصة في التعامل مع أزمة الدولار، أدت إلى ارتفاع جنوني وعشوائي في سعر الصرف بالسوق السوداء خلال الفترة الماضية؛ ليكسر حاجز ال 18 جنيهًا، بعد أن سجل الاثنين الماضي 18.30 في تداولات اليوم؛ ليتراجع تدريجيًّا، ويصل إلي 16.80 في بعض المناطق، وينخفض ل 15.50 في مناطق أخرى. يرجع عدم استقرار سعر صرف الدولار بالسوق السوداء رغم ثباته في عطاءات البنك المركزي المصري عند 8.88 إلى تحويل الدولار من عملة إلى سلعة يتم الاتجار فيها؛ لتتحكم العملة الخضراء في حركة البيع والشراء بالأسواق المصرية، وخاصة عمليات الاستيراد التي تعتمد عليها أغلب السلع المصرية. القوانين الاقتصادية تؤكد أن زيادة الطلب على أي سلعة مع نقص وجودها في السوق تؤدي إلى ارتفاع ثمنها، وأن قلة الطلب عليها مع توافرها تؤدي إلى انخفاض سعرها، وبالتالي بعد تحول الدولار لسلعة تباع وتشتري في الأسواق كان من الطبيعي أن يرتفع سعر الدولار لنقصه في السوق المصري الذي يعتمد في أغلب اقتصاده عليه لاستيراد السلع. ومع اجتماع اتحاد الغرف التجارية وإعلانه عن وقف الاستيراد لمدة 3 أشهر، تراجع الطلب على العملة الأجنبية بنسبة كبيرة خلال اليومين الماضيين بالسوق السوداء، ومع تنفيذ قرار وقف الاستيراد سينخفض سعر الدولار تباعًا. أما في حال فشل تنفيذ القرار سيعود سعر الدولار إلى الارتفاع. سياسة الدولة النقدية ومعالمها غير الواضحة وحديثها عن الاتجاه إلي تعويم الجنيه أو خفض قيمته تدريجيًّا كانت أحد أسباب الارتفاع الجنوني للدولار خلال الفترة الماضية. فالدولة بقراراتها الاقتصادية غير المدروسة أصبحت شريكًا في رسم حالة الضباب والعشوائية؛ لعدم قدرتها على السيطرة على الوضع الاقتصادي الراهن. وأوضح سرحان سليمان، الخبير الاقتصادي، أن التراجع الفجائي في سعر الدولار بالسوق السوداء هو انخفاض وقتي، حيث لا يوجد له مؤشر في أرض الواقع، فلم تزد مواردنا الخارجية من النقد الأجنبي، ولم تعد السياحة لتجلب الدولارات مرة أخرى. وأشار سليمان إلى أن هذا التراجع نتيجة شيء غامض يحدث داخل السياسة النقدية للدولة، مشيرًا إلى أن تسريبًا خرج بهذا، فامتنعوا عن الاتجار في الدولار حتى التأكد من صحة ما تم تسريبه لهم، مشددًا على أن الأهم من انخفاض سعر الدولار بالسوق السوداء هو ثباته عند هذا الانخفاض أو تراجعه أكثر من ذلك وعدم عودته للزيادة.